كيف يكوّن الدماغ ذاكرته البانورامية

تقول كاروبين روبيرتسون، وهي باحثة ما بعد الدكتوراه في معهد ماك غوفيرن لبحوث الدماغ التابع لمعهد ماساتشوستس للتقنية، وإحدى الزملاء المبتدئين في جمعية الزملاء بجامعة هارفارد: "يعتمد تشكيل فهمنا للبيئة من حولنا بشكلٍ كبيرٍ على ذكرياتنا لما هو الآن خارج نطاق نظرنا. الشيء الذي نبحث عنه الآن هو تجمعاتٌ في الدماغ تكون فيها ذكرياتنا عن البيئات البانورامية متكاملةً مع ما نراه الآن".

 

اكتشاف علماء الأعصاب لمناطق أساسية في الدماغ مسؤولة عن عملية دمج المناظر المختلفة التي نراها في محيطنا


حين يُطلب منك تخيل منزل الطفولة، فالحقيقة أنك لن تتذكر المنزل الذي عشت فيه فقط، ولكنك ستتذكر المباني المحيطة به أيضاً. 
اكتشف علماء أعصاب من معهد ماساتشوستس للتقنية MIT، منطقتين في الدماغ مسؤولتين عن تكوين الذكرى البانورامية، ويقول الباحثون أن هاتين المنطقتين تساعداننا على دمج المناظر الخاطفة في محيطنا بشكلٍ سلس، وبزاوية بانورامية ذات 360 درجة. 

وتقول كارولين روبيرستون Caroline Robertson وهي باحثة ما بعد الدكتوراه في برنامج معهد ماك غوفرن لأبحاث الدماغ التابع لمعهد ماساتشوستس للتقنية MIT’s McGovern Institute for Brain Research، كما أنها زميلة مبتدئة في جمعية الزملاء بجامعة هارفرد Harvard Society of Fellows: "يعتمد تشكيل فهمنا للبيئة من حولنا بشكلٍ كبيرٍ على ذكرياتنا لما هو الآن خارج نطاق نظرنا. الشيء الذي نبحث عنه الآن هو تجمعاتٌ في الدماغ تكون فيها ذكرياتنا عن البيئات البانورامية متكاملةً مع ما نراه الآن".

تعتبر روبرتسون الكاتبة الرئيسة في هذه الدراسة التي نُشرت في عدد الثامن من أيلول/سبتمبر لمجلة Current Biology، أما نانسي كانويشر Nancy Kanwisher العضوة في معهد مكغوفرن والحاصلة على كرسي والتر روزنبليث Walter A. Rosenblith بروفيسور علوم المخ والعلوم المعرفية Walter A. Rosenblith Professor of Brain and Cognitive Sciences، فهي المؤلفة الرئيسة في هذه الدراسة.
 

تكوين الذكريات


حين ننظر إلى مشهدٍ ما، تتدفق المعلومات الصورية عبر شبكية العين إلى الدماغ الذي يحوي مناطق مسؤولة عن تحليل العناصر المختلفة لما نُشاهد، كالوجوه والأشياء مثلاً. 

وافترض فريق معهد ماساتشوستس للتقنية، أن مناطق الدماغ المسؤولة عن تحليل المشاهد قد تكون مسؤولةً عن تكوين الذاكرة البانورامية للأماكن كناصية شارع مثلاً، وهذه المناطق الثلاث هي باحة المنطقة القذالية (القفوية) The occipital place area واختصاراً OPA، ومعقد المنطقة خلف الشريط الثفني The retrosplenial complex واختصاراً RSC (وهو مجموعة من التراكيب موجودة خلف الجسم الثفني في الدماغ)، وباحة المنطقة المجاورة للحصين The parahippocampal place area واختصاراً PPA.

لو كان ذلك صحيحاً، فإنك حين ترى صورتين لمنزلين متقابلين أحدهما على الضفة الأخرى من الشارع، فإن هاتين الصورتين ستفعلان أنماطاً متشابهةً من النشاط الدماغي في هذه المناطق آنفة الذكر. 


وعلى العكس من ذلك، فإنك حال رؤيتك لمنزلين يقعان في شارعين مختلفين لن تتفعل لديك أنماط متشابهة من الأنشطة الدماغية.

تقول روبيرتسون: "كانت فرضيتنا قائمةً على أنه عند البدء بتكوين ذكرى لمحيطنا، فستكون هناك مناطق في الدماغ يبدأ فيها اندماج بعض الصور في المشهد المرئي مع صور الأخرى في ذات المشهد".

أما عن كيفية توصل الباحثين لهذه الفرضية، فقد فعلوا ذلك باستخدامهم لأجهزة الواقع الافتراضي العميقة Immersive virtual reality headset والتي مكّنتهم من عرض العديد من المشاهد البانورامية المختلفة. 


وفي هذه الدراسة، عرض الباحثون صوراً لأربعين ناصية شارع في حي بيكون هيل في بوسطون في الولايات المتحدة الأمريكية، وعُرضت الصور بطريقتين مختلفتين: في النصف الأول من الوقت، شاهد المشاركون عرضاً ممتداً لمشهد بانورامي بنطاق رؤية 360 درجة، أما في النصف الثاني، فشاهدوا عرضين غير متصلين لمشهد بانورامي بنطاق رؤية 360 درجة.

وبعد عرض المشاهد البانورامية على المشاركين، عرض الباحثون 40 صورةً مزدوجةً على المشاركين وسألوهم ما إذا كانت الصورتان لذات الشارع، وتمكن المشاركون من اكتشاف الصورتين لذات الشارع حين كان هذان الشارعان قد عُرضا على المشاركين في الصور البانورامية المتصلة، وذلك بنسبةٍ أكبر من الصور التي عرضت في النطاق البانورامي المنفصل.

وأظهرت مسوح الدماغ أنه حين شاهد المشاركون الصورتين المرتبطتين ببعضهما، كانت ردة فعل منطقتي الدماغ RSC و OPA متشابهة، إلا أن الأمر اختلف حين عُرضت الصور غير المرتبطة على المشاركين. 


فيقول المسؤولون أن هذا يدل على أن المنطقتين سابقتي الذكر مسؤولتان عن تكوين الذاكرة البانورامية لمحيطنا مع استثناء المنطقة المجاورة للحصين PPA
 

تهيئة الدماغ


وفي تجربةٍ أخرى، قام الباحثون باختبار ما إذا كانت صورة واحدة تهيئ الدماغ primes the brain من أجل استدعاء صورة أخرى من المشهد البانورامي ذاته، ولتنفيذ ذلك، قاموا بعرض صورٍ على المشاركين، وهي إما أن تكون صوراً من نفس الشارع الذي عرض بداية، أو صورة لا علاقة لها بالمناظر التي رأوها قبلاً. 


ثم عرضوا عليهم منظراً ما وسألوهم ما إذا سبق وأن كان هذا المنظر موجوداً على يمينهم أو على يسارهم عندما شاهدوه أول مرة، وكانت ردة فعل المشاركين أفضل حين عُرضت عليهم الصورة المرتبطة بالمنظر. 

وتقول روبرتسون: "بمجرد رؤيتك لمجموعة مشاهد بانورامية، فإنك ستربط هذه المشاهد في الذاكرة في مكان محدد، كما أنها تقوم بتحفيز صور مرتبطة في مناطق أخرى في الدماغ، وهو من شأنه -بشكلٍ غير مباشر- التأثير على الخبرات الإدراكية المستقبلية".

إمسح وإقرأ

المصادر

شارك

المساهمون


اترك تعليقاً () تعليقات