يمكنك الاستماع إلى المقال عوضاً عن القراءة
كيف نصنع حاسوبًا يملك إرادة تامة

كاتب المقال: مارك هادلي Mark Hadley

هل تعتقد بأنك حرّ الإرادة؟ هل يمكنك اتخاذ قراراتك بنفسك؟ أم أنك تشبه إلى حدٍّ ما الإنسان الآلي حيث تتحرك حسب الأوامر عن طريق أعضائك المختلفة؟ قد تشعر كالآخرين بأنك تمتلك ما يُسمّى الإرادة الحرة وأن قراراتك ليست مقدرةً سلفًا بل يمكنك فعل شيءٍ مغايرٍ.

يخبرك العلماء اليوم بأنك مكونٌ من مجموعةٍ من الذرات والجزيئات المقيدة بواسطة القوانين الفيزيائية، حيث من ناحية الذرات والجزيئات يمكننا توقع مستقبل أيّ نقطةٍ ابتدائيةٍ ويبدو أن هذا الأمر لا يترك مجالًا لوجود إرادةٍ حرةٍ في اتخاذ قراراتٍ مغايرةٍ أو أحداثٍ بديلةٍ.

إذًا هل تشعر بالحيرة والارتباك؟ أنت محقٌ في ذلك لأن هذه المشكلة تُعدّ واحدةً من أكبر المشاكل التي لا يوجد لها حلٌّ في علم الفلسفة، فلا يوجد حتى الآن أيّ حلٍّ مقنعٍ على الرغم من أن التخمينات تضمنت وجود دورٍ مهمٍّ لنظرية الكم التي تصف ارتياب الطبيعة في أصغر الموازين، وهذا ما أثار فضولي شخصيًا حيث يهتم بحثي بأساسيات نظرية الكم، والسؤال هنا هو هل يمكن للإرادة الحرة أن تكون ظاهرةً كميةً مرئيةً بالعين المجردة؟ لنكتشف جواب هذا السؤال.

الإرادة الحرة الكمية


يوجد عددٌ كافٍ من المراجع الفلسفية حول هذا الموضوع. لقد وصلت إلى المشكلة كعالِمٍ متدربٍ من خلال طرح السؤال التالي: ما هو الدليل؟ من المؤسف أن البحث لم يُظهر أيّ ربطٍ بين الإرادة الحرة وأساسيات الفيزياء، فقد دارت العديد من المناقشات الفلسفية لعقودٍ من الزمن حول فيما إذا كانت الإرادة تُعتبر ظاهرةً كميةً تطارد أسطورةً لم تُكتشف بعد.

تخيل بأنك على منصةٍ حاملًا ظرفين وقد أُخبرت بأن أحدهما يحتوي مئة جنيه والآخر فارغ، ولديك حرية الاختيار لانتقاء أحدهما ولكن في كلّ مرةٍ تختار سيربح الساحر وتحصل أنت على الظرف الفارغ، وهذا يدل على أن إحساسنا بالإرادة الحرة لا يمكن الاعتماد عليه بشكلٍ دقيقٍ كما نعتقد أو يمكن أن يكون، على الأقل، أمرًا يمكن التلاعب به.

هذا أحد الأمثلة الواسعة والمتنوعة التي تبحث في إدراكنا لعملية صنع القرار، وقد قدّمَت عدةُ دلائل من علوم النفس والاجتماع والأعصاب الرسالة ذاتها، وهي بأننا غير مدركين لكيفية اتخاذ القرارات وبأنه لا يمكن الاعتماد على التعمق والتأمل كإثباتٍ لكيفية عمل المعالجات العقلية.

إذًا ما هو الدليل للمفهوم المجرد للإرادة الحرة؟ إن كان الجواب لا يوجد، إذًا فكيف سنختبر ذلك؟ وإن كان لا يمكننا ذلك فكيف سنميزه؟ لا يمكننا تمييزه أيضًا، حيث إن الاتصال المفترض بين تصورنا للإرادة الحرة والشك الملازم لنظرية الكم غير مدعومٍ بأي دليلٍ أو إثباتٍ.

لقد أجرينا تجربة للإرادة الحرة وهذه التجربة هي حقيقةٌ واقعةٌ، حيث أصبح لدينا دليلٌ على زيف وجود رابطٍ مفترضٍ مع أساسيات الفيزياء.

أردت الذهاب إلى أبعد من ذلك واكتشاف سبب وجود تصوّرٍ مسبقٍ لدينا على القدرة لعمل أشياء مغايرةٍ. ليس لهذا التصور فعاليةٌ عند معرفة الموقع المحدد لكلّ جزيءٍ في أجسامنا ولكن كلّ شيءٍ يتعلق بكيفية سؤالنا وتحدينا لصنع قراراتنا بطريقة تغير سلوكنا بالفعل.

الإرادة الحرة الاصطناعية


صناعة إرادة حرة يعني لي كعالِمٍ بناء نموذجٍ لتلك الإرادة وتجربته ولكن كيف يمكننا صناعته؟ هل يتم ذلك عن طريق تقليده من خلال برنامج حاسوبي؟ وإن نجحت بذلك كيف يمكن اختبار هذا الحاسوب أو الروبوت؟

من الممكن أن تفترض دون دليلٍ أن شخصًا ما لديه إرادةٌ حرةٌ بينما الحاسوب لا يمتلك تلك الإرادة، لذا سأقدم تحديًا حياديًا ولكن بشكلٍ عاطفيٍّ: لو أن كائنًا فضائيًا هبط على سطح الأرض، كيف يمكنك أن تقرر ما إذا كان هذا الكائن يمتلك إرادةً حرةً مثلنا أم أنه مجرد آلةٍ في غاية التعقيد.

الغريب في الأمر أن المراجع الفلسفية لم تركّز على اختبارات الإرادة الحرة مطلقًا، ولكن بالنسبة لي كعالمٍ كان من الضروري وجود اختبار للنموذج الخاص بي، لذا إجابتي كالتالي: إذا كنت تستعمل يدك اليمنى فمن المؤكد بنسبة 100% أنك ستكتب اسمك وأنت تحمل القلم بيدك اليمنى، لكنك تمتلك إرادتك حيث تستطيع القيام بغير ذلك ويمكنك إثبات ذلك باستجابتك لهذا التحدي أو تتحدى نفسك بأن تكتب بيدك اليسرى.

هذا الاختبار للإرادة الحرة متميزٌ على مستوىً عالٍ ويمكنك كذلك التفكير بأشياء أخرى لا تتعلق حول اختيار 50:50 المتوازن، إلا أن الأحداث النادرة تُظهر استقلاليتك واختلافك عن الإنسان الآلي وبناءً على ذلك يمكنني اختبار الكائن الفضائي بتحديه للقيام بأشياء مغايرةٍ غير معتادةٍ وغير مفيدةٍ قد تكون مؤذيةً في بعض الأحيان، كأن يضع يده بالقرب من شعلة نار، حيث يمكن اعتبار ذلك دليلًا على وجود الإرادة الحرة.

يمكن أن نتوصل بعد كلّ ذلك بأنه لا يمكن برمجة أيّ روبوتٍ للقيام بمثل هذه الأشياء.

هل يمتلك الحاسوب إرادة حرة؟


لقد حاولت أن أشكل ذلك السلوك بأبسط طريقةٍ مباشرةٍ بدءًا من برنامجٍ يتطلع إلى تنفيذ هدفٍ عامٍ يستجيب إلى المدخلات من البيئة المحيطة، تُستخدم هذه البرامج عادةً في مجالاتٍ كعلم الاجتماع والاقتصاد والذكاء الاصطناعي، ويُعتبر هذا البرنامج برنامجًا عامًا وينطبق على نماذج بسيطةٍ من السلوك الإنساني إضافةً إلى المكونات المادية سواءً للحاسوب أو الهاتف كبطاريةٍ لحفظ البرنامج في الهاتف المحمول على سبيل المثال.

بالنسبة لحرية الإرادة فقد أضفنا هدفًا آخر من أجل تأكيد الاستقلالية حيث صُمِّم هذا البرنامج لتحقيق هدفٍ أو رغبةٍ بالاستجابة للتحديات للقيام بأعمالٍ مغايرةٍ تمامًا. تلك الاختبارات بسيطةٌ جدًّا لدرجةٍ يمكن لشخصٍ القيام بها بنفسه فالتحديات يمكن أن تكون خارجيةً أو يمكن إنشاؤها وخلقها. بعد كلّ ما تقدم أعلاه ألا نستنتج بأننا نمتلك إرادةً حرةً؟

من حيث المبدأ يمكن تطبيق مثل هذا البرنامج في حواسيبنا اليوم وينبغي أن يكون الأمر متطورًا بما فيه الكفاية لإدراك التحدي بل وخلق تحدياتٍ خاصةً به، ويُعدّ هذا في ضوء التكنولوجيا الحالية أمرًا في متناول اليد وهذا ما يجعلني أعلن بأنني لست متأكدًا إذا كنت أرغب بأن أدع حاسوبي الشخصي يتمرن على إرادته الحرة.

 

إمسح وإقرأ

المصادر

شارك

المساهمون


اترك تعليقاً () تعليقات