يمكنك الاستماع إلى المقال عوضاً عن القراءة
تلسكوب هابل ينشر صورة جديدة لحواف الكون المرئي


أطلق تلسكوب هابل الفضائي في الذكرى الخمسين لفيلم "ستار تريك" صورةً جديدةً تحتوي على مكانٍ لم يصل إليه أيٌّ كان من قبل قطّ. وفي هذه الصورة يُبحر التلسكوب في عنقود من المجرّات الموجودة على الحافّة القصوى للكون المرئيّ لرؤية المجرات الأولى نفسها.

الحقل الحدودي (Frontier Field) الذي أوجد تكريماً لمهمّة ستار تريك باستكشاف أقاصي الكون، والذي هو منطقة من السماء لا يزيد حجمها عن حجم قطعة نقود معدنية ويمكن رؤيتها من على بعد 100 مترٍ، ومن هذه المنطقة، يستطيع تلسكوب هابل رؤية المئات من المجرات التي تشكل Abell S1063 وهو عنقود مجرّي (galaxy cluster) وواحد من أضخم الأجسام في كوننا.

وعلى الرغم من أن اكتشاف عنقود مجري عادةً ما يكون حدثاً علمياً مهماً، إلا أن اكتشاف هذا العنقود المجري سيقودنا هذه المرة لاكتشاف شيء أكثر إثارة للاهتمام. فالخطوط أو الأقواس الضوئية التي تراها في الصورة هي خدع بصريّة تقودنا لمجراتٍ أبعد بكثير قد جرى تشويهها نتيجة لمفعول العدسة الثقالية (Gravitational Lensing).

تمّ التقاط صورة المجرات الظاهرة في خلفية الصورة باستخدام خاصية التركيز على كتلة العنقود المجري، وهذا ما يجعل تلسكوب هابل الفضائيّ أكثر فعالية بعشرين مرةً لرؤية الاشياء البعيدة في أقاصي الكون.

ونظراً لحاجة الضوء للوقت كي يصل إلى تلك الأجسام البعيدة، فما نراه هو حالتها بعد بضعة ملايين السنين من الانفجار العظيم (Big Bang). كما أنّ هذه المجرّات تعتبر حديثة الولادة، في الوقت الذي كان فيه الكون يعدّ شاباً مقارنةً بعمره الآن.
 


 

مفعول العدسة الثقالية (Gravitational lensing) هو تأثير ينتج عن النسبية العامّة الذي تنبأ به أينشتاين، وينص على أنه بإمكان الأشياء الضخمة مثل النجوم والمجرات حني مسار الضوء حول نفسها مما يجعلها تبدو كعدسة. وفي الحقيقة يمكنك اختبار فيزياء العدسة الثقالية في المنزل باستخدام كأس من النبيذ.

ببساطة، خُذ ورقة وارسم عليها دائرة بحجم قطعة النقود ولوّن داخلها، ثم ضع كأس الزجاج المخصّص للنبيذ فوقها "الكأس ذو الساق الطويلة" وضعه فوق هذه الدائرة، وبالنظر مباشرة لأسفل الساق الزجاجية سترى أنّ النقطة تحوّلت إلى حلقة، وبالنظر إليها من الجانب ستبدو أنها تبددت لخطوطٍ وأقواس تماماً كما هو واضح بصورة العنقود المجريّ.

وأكثر من ذلك فمفعول العدسة الثقالية يُمكننا أيضاً من رؤية الأجسام البعيدة، فهو يسمح لنا بالقيام بـ"وزن" المجرّات التي تلعب دور العدسة لأن انحناء الضوء يعتمد على كتلة الجسم نفسه، (أي مثله: كلما كانت ساق كأس النبيذ أثخن كلما جعل ذلك الضوء ينحني أكثر).

وتوضح هذه الاكتشافات أنّ معظم المواد الموجودة في المجرّة هي في الحقيقة غير مرئية، ومكونة من نوع جديدٍ من المادة يُعرف بالمادة المظلمة (Dark Matter). وفي الوقت الذي يسمح لنا فيه مفعول العدسة الثقالية بوضع خرائط لأماكن وجود المادة المظلمة، إلا أنّ تحديد طبيعتها يحتاج إلى اكتشافها في المخبر. لعبت أستراليا دوراً محورياً في هذا البحث بالتعاون مع "سابر" (SABRE) وهو أوّل كاشف بالعالم للمادة المظلمة، ويوجد في النصف الجنوبي من الكرة الأرضية.

وبتعمقنا أكثر في النظر نحو الكون نستطيع أن نراه كما كان عندما لم يكن مضيئاً. ويعود تاريخ هذه المجرات البعيدة، المكتشفة بالاعتماد على عدسات طبيعية للعنقود المجري، إلى مرحلة ما بعد الانفجار العظيم بمئة مليون سنة؛ وفي علم الفلك تُمثل عملية استكشاف كيفية تشكل المجرات البدائية الحد النهائي...


 

إمسح وإقرأ

المصادر

شارك

المصطلحات
  • المفعول العدسي التثاقلي (gravitational lensing): المفعول العدسي التثاقلي: يُشير إلى توزع مادة (مثل العناقيد المجرية) موجودة بين مصدر بعيد والراصد، وهذه المادة قادرة على حرف الضوء القادم من المصدر أثناء تحركه نحو الراصد. ويُترجم أحياناً بالتعديس الثقالي أيضاً.
  • المادة المظلمة (Dark Matter): وهو الاسم الذي تمّ إعطاؤه لكمية المادة التي اُكتشف وجودها نتيجة لتحليل منحنيات دوران المجرة، والتي تواصل حتى الآن الإفلات من كل عمليات الكشف. هناك العديد من النظريات التي تحاول شرح طبيعة المادة المظلمة، لكن لم تنجح أي منها في أن تكون مقنعة إلى درجة كافية، و لا يزال السؤال المتعلق بطبيعة هذه المادة أمراً غامضاً.
  • المجرة (galaxy): عبارة عن أحد مكونات كوننا. تتكون المجرة من الغاز وعدد كبير (في العادة، أكثر من مليون) من النجوم التي ترتبط مع بعضها البعض، بوساطة قوة الجاذبية. و عندما تبدأ الكلمة بحرف كبير، تُشير Galaxy إلى مجرتنا درب التبانة. المصدر: ناسا

المساهمون


اترك تعليقاً () تعليقات