نميز في هذه الصورة التي التقطها مقراب هابل لإحدى المجرات البعيدة قوساً أزرق منقطاً وخلفه مجرات حمر. يتكون هذا القوس في الواقع من ثلاث صور منفصلة للمجرة في الخلفية، وتخضع هذه المجرة لمفعول العدسة الثقالي، ما يعني أن الضوء الصادر عنها قد تم جذبه وتكبيره من قبل عنقود المجرة الذي يعترضه. وتمثل الصورة على اليمين مثالاً لما كان ليلتقطه هابل من دون ذلك التغير.
عندما يتعلّق الأمر بالكون البعيد، فحتى عين مقراب هابل -التابع لوكالة ناسا- الحادّة ستكون قدراتها محدودة؛ فالحصول على تفاصيل دقيقة لا يتطلب منك تفكيراً ذكياً وحسب، بل أيضاً مساعدة صغيرة من ظاهرة اصطفاف كوني يساعدك فيما ندعوه بمفعول العدسة الثقالي.
وعندما طبق الفلكيون تحليلاً حوسبياً معيناً على مجرة تقع تحت تأثير ما -سميناه أثر العدسة الثقالي- فقد تمكنوا من التقاط صور فاقت حدتها عشرة أضعاف صور سابقة التقطها مقراب هابل. وتظهر لنا النتائج حزاماً لمجرة (edge-on disk galaxy) يتخلله ثقوب مشعة ما هي إلا نجوم حديثة النشوء.
وقد أفادتنا الفلكيّة جين ريجبي Jane Rigby العاملة في مركز غودارد للرحلات الفضائية (Godard Space Flight Centre) التابع لوكالة ناسا في غرين بيلت بميريلاند بقولها: "عندما نظرنا إلى الصورة المُعدلة لأول مرة دُهشنا، إذ أنها كانت تبدو وكأن ألعاباً ناريةً كانت تنطلق في أرجائها".
وتبعد المجرة التي نناقشها عنا مسافةً كبيرةً جداً، لدرجة أننا نرصدها كما كان عليه حالها قبل 11 مليار عام، أي بعد الانفجار العظيم بـ 2.7 مليار سنة فقط. وهذه المجرة ما هي إلا إحدى أكثر من سبعين مجرة أخرى يؤثر عليها مفعول العدسة الثقالي بشدة، وتقع جميعها تحت رصد مقراب هابل الفضائي. وما تلك المجرة إلا أحد الأهداف المرصودة على قائمة سلون لمسح الأقواس العملاقة (Sloan Giant Arcs Survey)، تلك القائمة التي كشفت عن مئات المجرات الخاضعة لتأثير العدسة الثقالي بشدة، كما تم الكشف من خلال البحث في بيانات صور استقصاء سلون الرقمي (Sloan Digital Sky Survey) للسماء الذي يغطي ما يبلغ ربع مساحة الفضاء المرصود.

تقوم جاذبية عنقود مجري عملاق يقع بين كوكبنا والمجرة الهدف، بثني الضوء الصادر عن المجرة الأبعد، وبهذا يتمدد هذا الضوء ويصبح شكله على صورة قوس وتضخمه بما يقارب الثلاثين مرة. فتوجب على الفريق أن يبتكروا شيفرة خاصة لإزالة تأثير فعل العدسة الثقالي وكشف قرص المجرة كما يبدو على طبيعته.
فكشفت لنا النتيجة النهائية عن زمرتين نجميتين حديثتيّ النشوء تتكونان من 24 نجماً يسبح كل منها على مسافة تقارب 200 إلى 300 سنة ضوئية عنا. فنقضت هذه النتيجة نظريات سابقة مفادها أن مناطق تكون النجوم في الكون البدائي البعيد إما أن تزيد عن 3000 سنة ضوئية بكثير أو أنها ستكون أكبر حجماً.
وتضيف طالبة الدكتوراه تريسي جونسون Traci Johnson في جامعة ميشيغان، وهي من رواد المؤلفين لبحثين من أصل ثلاثة بحوث عن الدراسة: "يوجد عقد لتكون النجوم بأحجام صغيرة تصل إلى حجم التي نراها". وتكمل: "ومن دون مساعدة أثر العدسة الثقالي في التكبير، سيبدو لنا قرص المجرة أملس تماماً ولن يلحظه هابل. سيمنحنا هذا كفلكيين صورة مختلفة كلياً عن أمكنة تكون النجوم".
وبينما يسلط هابل الضوء على النجوم حديثة النشوء في المجرة الخاضعة لأثر العدسة الثقالي، سيكشف لنا مقراب جيمس ويب James Web التابع لوكالة ناسا أيضاً عن نجوم أقدم وأكثر احمراراً، تكونت في فترة مبكرة من عمر المجرة. كما سيمكننا من النظر عبر أي غبار قد يحجب عنا الرؤية داخل المجرة.
وتضيف ريجبي: "سنتمكن -باستخدام مقراب ويب- من إطلاعكم على ما حدث في هذه المجرة في الماضي، وعلى ما غفلنا عنه بسبب الغبار".
تم نشر هذه الاكتشافات في ورقة بحثية في مجلة (The Astrophysical Journal Letters)، بالإضافة إلى نشر ورقتين بحثيتين إضافيتين في مجلة (The Astrophysical Journal).
أما مقراب هابل الفضائي، فما هو إلا مشروع شراكة دولي بين كل من وكالة ناسا (NASA) والوكالة الأوروبية للفضاء (European Space Agency)، ويديره مركز غودارد التابع لوكالة ناسا والمتوضع في جرين بيلت بميريلاند.