ما العلاقة بين المادة المظلمة والتجمعات المجرية؟

تأتي العناقيد النجمية على نوعين: الصورة على اليسار تظهر مجموعة من المجرات المنتشرة نحو الخارج، بينما تظهر الصورة اليمنى مجموعة أكثر كثافة وتراصاً.

 

Credit: Sloan Digital Sky Survey


تحتوي العناقيد المجرية على آلاف المجرات وتُعدّ أكبر الأجسام السّماوية. أظهرت دراسة جديدة أجراها العلماء أن العلاقة بين العناقيد المجرية (Galaxy clusters) والمادة المظلمة (dark matter) –وهي المادة الغامضة المسؤولة عن 80% من كتلة الكون- معقدة أكثر مما كنا نعتقد سابقاً.

تبذل المادة المظلمة قوة ثقاليّة تعمل على منع المجرات في هذه العناقيد من الانفلات نحو الفضاء، ما يعمل على تماسك العناقيد. وكنتيجة لذلك يمكن للعلماء استخدام العناقيد المجريّة لدراسة المادة المظلمة غير المرئية في الكون.

يقول مؤلف الدراسة هيروناو مياتاكي Hironao Miyatake من مختبر الدفع النفاث التابع لوكالة ناسا الأمريكية في كاليفورنيا في تصريح صحفي من الوكالة: "العناقيد المجرية مثل المدن الكبيرة في كوننا. بالطريقة نفسها التي نخمّن بها حجم المدينة بالنظر إلى أضوائها ليلاً من طائرة، تعطينا هذه العناقيد فكرة عن توزّع المادة المظلمة التي لا نستطيع رؤيتها".

اعتقد الباحثون سابقاً أنه من الممكن حساب العلاقة بين عنقود مجري والمادة المظلمة المحيطة به عن طريق كتلة العنقود حصراً. واعتقد العلماء أنه كلما زاد ثقل العنقود ستكون هناك كمية من المادة المظلمة أكثر في الجوار. لكن هناك بحثاً جديداً قد يُثبت أنه من الممكن تحديد العلاقة بين العناقيد المجرية وكمية المادة المظلمة في بيئتها عن طريق بنية العنقود الدّاخلية، وهي صفة تشكلت خلال الثانية الأولى من عمر الكون.

الثّانية الأولى من عمر الكون


في أول جزء من التريليون من الثانية بعد الانفجار العظيم Big Bang، توسع الكون بشكل سريع. أثناء ذلك الوقت، توزعت المادة بشكل غير متساوٍ بسبب تقلبات بسيطة في الطاقة. يمكن رؤية هذا التوزع غير المتساوي في الكون حتى الآن، ومن ضمنه البنية غير المنتظمة للعناقيد المجرية وتوزُّعها. درس مياتاكي وفريقه ما يقارب الـ 9000 عنقود مجري باستعمال فهرس المجرّات (DR8) التابع لماسح السماء الرقمي سالون (Sloan Digital Sky Survey)، حيث قاموا بتقسيمها لمجموعتين حسب بنيتها الداخلية. تميل المجرات في مجموعة العناقيد الأولى للتجمع حول المركز، أما في المجموعة الثانية فقد كانت أكثر انتشاراً .

تبيّن للعلماء من خلال استخدام التعديس الثقالي (gravitational lensing) -وهي ظاهرة ينحني فيها الضوء بسبب الأجسام فائقة الكتلة- أن للمجموعتين كتلاً متقاربة. ما يعني أنّ كل نوع من العناقيد يجب أن يمتلك كمية المادة المظلمة نفسها في بيئته.

تفصل العناقيد المجرية مسافة تقدر بـما معدله 100 مليون سنة ضوئية. لكن كشفت المقارنات الإضافية التي تمت في هذه الدراسة بين المجموعتين عن مفاجأة: حسب تصريح صحفي لناسا، تملك العناقيد المجرّية المتراصة عدداً أقل من العناقيد المجاورة، بالمقارنة بالعناقيد المتنافرة على بعد 100 مليون سنة ضوئية. يقول مياتاكي في رسالة إلكترونية لموقع space.com "وجودُ عناقيد مجريّة أكثر في المنطقة نفسها يعني أنّ هناك مادة مظلمة أكثر. لذلك، يشير الاكتشاف إلى أن كمية المادة المظلمة في المنطقة المحيطة تعتمد بشكل جزئي على كيفية تجمُّع المجرات في العناقيد المجريّة".

يقول مياتاكي في تصريح صحفي لناسا: "تشير نتائجنا بأن كتلة العنقود ليست فقط من يشكل العلاقة بين المجرة والمادة المظلمة المحيطة بها، لكن أيضاً تاريخ التشكل. العلاقة بين التركيب الداخلي للعناقيد المجرية وتوزيع المادة المظلمة حولها هي نتيجة لطبيعة تقلّبات الطاقة الأولية التي حصلت حتى قبل أن يبلغ عمر الكون ثانية واحدة".

بالرغم من أن المادة المظلمة تُشكل أكثر من ثلاث أرباع المادة في الكون، لم يتم رصدها بشكل مباشر. ولدراستها يجب على العلماء الاعتماد على المرصودات غير المباشرة للأجسام المتأثرة بجاذبية المادة المظلمة.

الإثبات الذي تقدمه العناقيد المجرية مهمّ لدراسة المادة المظلمة، لأن كثافة المادة المظلمة أكبر من المعدل بكثير في المنطقة التي تتواجد بها العناقيد. إضافة لذلك، بما أنه يمكن رصد المادة المظلمة عن طريق تأثير جاذبيتها فقط، فحضورها ظاهر أكثر على مستوى المقاييس الكبيرة. وصَف العلماء في الماضي العلاقة بين كتلة العناقيد المجريّة والمادة المظلمة المحيطة بها. وتم التنبؤ بعوامل أخرى تؤثر على هذه العلاقة. لكن حتى هذه الدراسة الجديدة، يصعب رصد العوامل الأخرى في الكون.

يقول ديفيد سبيرجل David Spergel وهو مؤلف مشارك في الدراسة وأستاذ فلك في جامعة برينستون Princeton في نيوجيرسي في تصريح من معهد كافلي Kavli -الذي يحتوي بعض المؤلفين المشاركين في الدراسة- لفيزياء ورياضيات الكون في اليابان: "اعتقد علماء الكون بنظرية بسيطة لوقت طويل: تُحدّد خصائص العنقود فقط عن طريق كتلته. تُظهر هذه النتائج بأن الأمر أكثر تعقيداً بكثير. بيئة العنقود تلعب دوراً مهماً أيضاً. يحاول علماء الفلك الكشف عن دليل لهذه الصورة الأكثر تعقيداً لسنوات. وهذا أوّل كشفٍ حاسمٍ".

إمسح وإقرأ

المصادر

شارك

المصطلحات
  • المفعول العدسي التثاقلي (gravitational lensing): المفعول العدسي التثاقلي: يُشير إلى توزع مادة (مثل العناقيد المجرية) موجودة بين مصدر بعيد والراصد، وهذه المادة قادرة على حرف الضوء القادم من المصدر أثناء تحركه نحو الراصد. ويُترجم أحياناً بالتعديس الثقالي أيضاً.
  • المادة المظلمة (Dark Matter): وهو الاسم الذي تمّ إعطاؤه لكمية المادة التي اُكتشف وجودها نتيجة لتحليل منحنيات دوران المجرة، والتي تواصل حتى الآن الإفلات من كل عمليات الكشف. هناك العديد من النظريات التي تحاول شرح طبيعة المادة المظلمة، لكن لم تنجح أي منها في أن تكون مقنعة إلى درجة كافية، و لا يزال السؤال المتعلق بطبيعة هذه المادة أمراً غامضاً.
  • المجرة (galaxy): عبارة عن أحد مكونات كوننا. تتكون المجرة من الغاز وعدد كبير (في العادة، أكثر من مليون) من النجوم التي ترتبط مع بعضها البعض، بوساطة قوة الجاذبية. و عندما تبدأ الكلمة بحرف كبير، تُشير Galaxy إلى مجرتنا درب التبانة. المصدر: ناسا

المساهمون


اترك تعليقاً () تعليقات