مجرّتنا درب التبانة شاسعةٌ وجميلةٌ ومليئةٌ بالأجرام السماوية، وبالمجمل، يتراوح عدد نجومها بين 100 و 400 مليار نجمٍ، مع وجود بعض التقديرات بأن عددها قد يصل إلى التريليون نجم، ولكن، من أين جاءت كل هذه النجوم يا ترى؟ كما يبدو، بالإضافة إلى تكوُّن النجوم في المجرة نفسها والاصطدام بالمجرات الأخرى، فإن درب التبانة ربما سرقت بعض هذه النجوم من المجرّات الأخرى.
قام بتقديم الدليل فلكيان اثنان من مركز هارفارد-سميثسونيان للفيزياء الفلكية (Harvard-Smithsonian Center for Astrophysics)، ووفقًا لدراسة التي قاما بها -والتي قُبلت للنشر في مجلة الفيزياء الفلكية- فإنهما يدّعيان أن نصف النجوم الموجودة على حافة مدار المجرّة تقريبًا هي في الواقع قد سُرقت من مجرّةٍ قزمةٍ قريبةٍ منّا تُسمّى مجرّة الرامي (Sagittarius Galaxy).
في أحد الأوقات، كان يُعتقد أن هذه المجرّة هي أقرب مجرّةٍ إلى مجرّة درب التبانة (الموقع الذي تحتله مجرّة "الكلب الأكبر" حاليًا)، باعتبارها واحدةً من عشرات المجرّات القزمة التي تحيط درب التبانة، لقد دارت حول مجرّتنا مراتٍ عديدة في الماضي، وفي كل مرّة تُكمل فيها مدارها، تصبح جسمًا معرَّضًا للجاذبية القوية من مجرّتنا، ويؤدي إلى سحبها بعيدًا.
يمكن ملاحظة الآثار الطويلة لهذا التأثير بالنظر إلى أبعد النجوم في مجرّتنا، والتي هي أحد عشر نجمًا تبعد حوالي مسافة 300000 سنةٍ ضوئيةٍ عن كوكب الأرض، خلف القرص الحلزوني لمجرّة درب التبانة تمامًا.
وفقًا لدراسةٍ أعدّها ماريون ديركس Marion Dierickx وهو طالبٌ خريجٌ من قسم الفلك في جامعة هارفارد، فإن نصف هذه النجوم قد أُخِذت من مجرّة الرامي القزمة في الماضي.
شارك في هذه الدراسة كلٌّ من: البروفيسور أفي لوب Avi Loeb، وفرانك ب.بيرد Frank B. Baird، وهو بروفيسور في العلوم، وماريون ديريكس.
هذه الدراسة كانت بعنوان: "تمدُّدٌ متوَّقع لنهر مجرّة الرامي عبر نصف قطر فيريال لمجرّتنا"، كما أُرسِلت لموقع (Universe Today) عبر البريد الإلكتروني. "ونحن نرى أدلةً على تيارات النجوم المتصلة بمركز المجرّة، مشيرًا إلى أن هذه المجرّة القزمة مرَّت عدة مراتٍ حول مركز درب التبانة وتمزّقت بسبب مجال جاذبية المد والجزر من درب التبانة.
ونحن جميعًا على درايةٍ بالمد في المحيط الناجم عن سَحْب جاذبية القمر، ولكن لو كان القمر كائنًا أكبر حجمًا بكثير لسُحبت المحيطات بعيدًا عن الأرض، ولرأينا تيارًا من البخار يخرج بعيدًا من الأرض".
من أجل هذه الدراسة، قام ماريون وأستاذه لوب بعمل نماذج حاسوبية لمحاكاة تحرّكات مجرّة الرامي على مدى 8 مليارات سنة الماضية، هذه المحاكاة وضعت النجوم الممتدة بعيدًا عن مجرّة الرامي القزمة في مركز المجرّة لدينا، وأيضًا قاما بتغيير سرعة وزاوية الاصطدام، في المحاكاة، للمجرّة ليريا إن كانت التبديلات الناتجة بين المجرّتين ستطابق الأرصاد الحالية.
يقول لوب: "حاولنا مطابقة بيانات المسافة والسرعة لبؤرة مجرّة الرامي، ومن ثم مقارنة التنبؤ الناتج عن موقع وسرعة تيارات النجوم"، "كانت النتائج مشجعةً جدًا لمجموعةٍ معينةٍ من الشروط الأولية فيما يتعلق ببدء رحلة مجرّة الرامي عندما كان عمر الكون نصف عمره الحالي تقريبًا".
وقد وجدا أن مجرة الرامي فقدت بمرور الوقت ثلث نجومها لصالح مجرّة درب التبانة وفقدت تسعة أعشار المادة المظلمة أيضًا، وبالنتائج النهائية، أدى ذلك إلى تكوُّن ثلاثة تيارات مختلفة من النجوم، والتي تمتد لمسافة هائلة تقدَّر بمليون سنةٍ ضوئيٍة من مركز المجرّة إلى أطراف الهالة الضوئية من درب التبانة. ومن المثير للانتباه أن أحد هذه التيارات تنبأت بها محاكاة تم تنفيذها لمشاريع مثل "مسح سولون الرقمي للسماء".
أظهرت المحاكاة، أن خمسةً من نجوم مجرّة الرامي سينتهي بها الأمر بأن تصبح جزءًا من درب التبانة، أضف إلى ذلك تزامن مواقع وسرعات هذه النجوم مع خمسةٍ من أكثر النجوم البعيدة في مجرّتنا، أما النجوم الستة الأخرى الموجودة على حافة المجرّة، فلم يظهر أنها من مجرّة الرامي، ولربما كانت نتيجة تصادمات جاذبية من مجرّة قزمة أخرى في الماضي.
ويقول لوب: "يمكن استخدام ديناميات النجوم في الأذرع الموسّعة التي نتوقعها والتي هي أكبر تركيب مجرّيّ في السماء تم التنبؤ به على الإطلاق. لم يتم البحث عن الغلاف الخارجي لدرب التبانة مباشرةً؛ لأنه لم تُعرف أيّ مجموعةٍ أخرى تمتد لهذه المسافة".
وبالنظر إلى الطريقة التي تتطابق فيها المحاكاة مع الملاحظات الحالية، فإن ديريكس واثقٌ من وجود المزيد من المتداخلات من مجرّة الرامي، فقط في انتظار العثور عليها. على سبيل المثال، قد تكون الأدوات المستقبلية، مثل تليسكوب المسح التصاعدي الكبير (لست LSST)، الذي من المتوقَّع أن يبدأ عمليات المسح الكامل بحلول عام 2022، قادرةً على الكشف عن مجموعتي النجوم المتبقيتين اللتين توقعهما المسح.
وبالنظر إلى المقاييس الزمنية والمسافات التي تنطوي عليها، فإنه من الصعب سبر مجرّتنا، أو الكون بذاته، لنرى بالضبط كيفية تطوَّرها مع مرور الوقت.
ومع ذلك، فقد ثبت أن اقتران البيانات الرصدية مع النماذج الحاسوبة استُعمِل لاختبارِ أفضل نظرياتنا حول كيفية ظهور الأمور، في المستقبل وبفضل أدواتٍ محسَّنةٍ ومسوحٍ أكثر تفصيلًا، ربما يمكننا معرفة الأمور يقينًا بلا شك!