يوهانس كبلر

عندما ولد كبلر في وقت متأخر من القرن السادس عشر، كان العلماء يعتقدون بأنّ الكواكب الموجودة في النظام الشمسي تنتقلُ على مساراتٍ دائريةٍ حول الأرض. هذه المشكلة تمّ حلُها بإضافة أفلاكٍ دائريةٍ جديدة إلى المسارات الكوكبية. لم يقم كبلر بالدفاع العنيد عن فكرة دوران الكواكب حول الشمس فقط، وإنّما اكتشف أيضاً أنّ مسارات الكواكب لم تكن دائرية بشكلٍ مثالي. عُرفت توصيفاته للحركة الكوكبية بقوانين كبلر.

 

ولد كبلر في 27 ديسمبر 1571، كان طفلاً مريضاً لوالدين فقيرين. ولد كبلر في قرية ألمانية صغيرة تدعى فايل وبعدها انتقل مع والديه إلى ليونبرغ في عام 1576. كان والده جندي من المرتزقة أمّا أمه فكانت ابنة لصاحب خان. وكان يوهانس ولدهما الأول. ترك والده البيت للمرة الأخيرة عندما كان كبلر في الخامسة من عمره، ويُعتقد أنّه توفي في الحرب في هولندا. وكطفل عاش كبلر مع أمه في خان جده. ويُخبرنا كبلر نفسه أنّه كان معتادٌ على خدمة الزبائن في الخان. لنتخيل كيف كان الزبائن يُخدمون من قبل طفل يمتلك موهبة في الرياضيات غير اعتيادية، غريبٌ جداً!

 

درس كبلر في مراحله الأولى في مدرسة محلية وبعدها انتقل إلى مدرسة ثانوية قريبة. حصل كبلر على منحةٍ دراسيةٍ للدراسة في جامعة توبنغن –معقل العقيدة الأرثوذكسية، حيث درسَ ليُصبح كاهناً لوثرياً. حين كان هناك، درس كبلر أعمال نيكولاس كوبرنيكوس، الذي قال بأنّ الكواكبَ تدورُ حول الشمس بدلاً من الفكرة التي كانت سائدة والتي تقول بدورانها حول الأرض، على الرغم من عدم امتلاك كوبرنيكوس لأدلةٍ رصدية كي يقدم برهاناً على فكرته.

 

رفض كبلر مبادئ أرسطوطاليس في الفيزياء، ولم يتبنى هذا الموقف أبداً. وفي أول أعماله المنشورة في العام 1596، افترض كبلر أن المسارات الفعلية للكواكب لم تكن دائرية أبداً كما تعودنا اعتبارها وإنّما على شكل قطوعٍ ناقصة.

 

في توبنغن، لم يدرس كبلر الرياضيات فقط، وإنّما درس أيضاً الإغريقية والعبرية (كلاهما ضروريٌ جداً من أجل قراءة النصوص المقدسة في لغاتها الأساسية). كان التعليم حينها باللاتينية. في نهاية عامه الدراسي الأول في الجامعة حصل كبلر على الدرجة A في كل المواد عدا الرياضيات. ويَعتقد الكثير أنّ هذا الأمر كان مقصوداً من قبل الفلكي ميشلن ليشجع كبلر على العمل أكثر مع الرياضيات، لأنّ كبلر كان واحد من التلامذة الذين اختارهم ميشلن ليعطيهم دروس في علم الفلك المتقدم وذلك بتقديم نظام كوبرنيكوس الجديد حول مركزية الشمس لهم.

 

على ما يبدو قبل كبلر مباشرةً نظام كوبرنيكوس كونه نظام صحيح فيزيائياً، وسبب هذا القبول لنظرية كوبرنيكوس حفزه كثيراً في العمل مع نموذجه الكوني الأول.

 

حامت الشكوك حول معتقدات كبلر الدينية منذ أن كان طالباً في توبنغن فهو لم يتفق مع العقيدة الأرثوذكسية اللوثرية. اختلاف كبلر مع البروتستانية الأرثوذكسية ركّز على العلاقة المفترضة بين المادة و ‘الروح‘ (كينونة غير مادية) في المذهب المقدس. ارتبط هذا الأمر بشكل وثيق مع علم الفلك لدى كبلر، فقد أدّى إلى صعوباتٍ عقلانية عند محاولته فهم تأثير ‘القوة‘ الناتجة عن الشمس على الكواكب.

 

في الواقع، يبدو أن الميل الذي أبداه كبلر نحو التسامح الديني قاد السلطات في توبنغن إلى الشك بمعتقداته الدينية الأرثوذكسية. ربّما يشرح لنا هذا الأمر، قيام ميشلن بإقناع كبلر بالاستغناء عن خططه الكنسية وبدلاً من ذلك التوجه لتعليم الرياضيات في غراتز. في السنوات اللاحقة نما التعصب الديني لدى كبلر، وحُرم من حقوقه الكنسية في العام 1612 وطرد من عمله. سبّب له هذا الأمر ألماً كبيراً، ولكن بصرف النظر عن موقعه الاجتماعي المرموق، كرياضي امبراطوري، لم ينجح كبلر أبداً في التخلص من هذه الإدانة.

 

على طول حياته كان كبلر رجلاً عميقَ التدين. وتحتوي كتابته جميعاً على إشارات كثيرة إلى الله، واعتقد كبلر بأنّ أعماله ما هي إلا واجبٌ عليه كمسيحي، يسعى لفهم أعمال الله، آمن كبلر بأنّ الرحل المخلوق أصلاً على صورة الله، قادرٌ حكماً على فهم ما خلقه.

 

أكثر من ذلك، آمن كبلر أنّ الله قام بخلقِ الكون وفقاً لخطةٍ رياضية (هذا الإيمان نجده أيضاً في أعمال أفلاطون -Plato-وفيثاغورث -Pythagoras-). طالما أنّ الرياضيات قُبلت على أنها الطريقة الآمنة من أجل الوصول حقيقة العالم (تم اعتبار مفاهيم اقليدس على أنها مسلمات وصحيحة وتمثل الواقع)، لدينا إذاً استراتيجية من أجل فهم الكون. 


كان كبلر بشكلٍ دائم يُعيد شكره لله على منحه الإلهام والرؤية، لكنّ هذه الرؤية كانت عقلانية، على الرغم من أن العديد من المؤلفين يعتبرون كبلر مثالا قويا على اللاعقلانية في نظرية المعرفة.

 

في العام 1596، كتبَ كبلر أول دفاعاته العامة عن نظام كوبرنيكوس. كان موقفاً خطيراً، فلقد سخر مارتن لوثر في العام 1539 من هذه النظرية عندما سمعها للمرة الأولى، في حين اعتبرت الكنيسة الكاثوليكية عام 1615 هذه الفكرة عبارة عن هرطقة (لتحكم على غاليليو غاليلي بعد ذلك بالإقامة الجبرية جراء عرضه ودفاعه عن الفكرة ونشره للموضوع).

 

خلال بحثه عن أكثر الملاحظات تفصيليةً عن مسارات الكواكب، اتّصل كبلر بالفلكي تيخو براهة. قام براهة، النبيل الدنماركي الثري، ببناء مرصدٍ في براغ حيث تعقّب حركات الكواكب وحقق أكثر المراقبات دقةً لنظامنا الشمسي في ذلك الوقت. في العام 1600، دعا براهة كبلر إلى القدوم والعمل معه.

 

على أية حال، بدا أن براهة لا يُرحبُ بمشاركة ملاحظاته التفصيلية مع مساعده. بدلاً من ذلك، أسندَ إلى كبلر مهمة حل الغموض المتعلق بالمريخ، أحد أكثر مسائل علم الفلك غموضاً في ذلك الوقت. ويا للمفارقة، كانت التسجيلات التفصيلية التي حصل عليها كبلر لهذا الكوكب، هي ما يحتاجه تماماً من أجل فهم كيفية عمل النظام الشمسي. 


عندما توفي براهة في العام 1601، تمكّن كبلر من الحصول على مراقباته قبل أن تستخدمها عائلته من أجل الحصول على فائدةٍ ماديةٍ منها.

 

 

قوانين كبلر 


مسألة المريخ، التي ذكرَ كبلر بأنّه سيحلها خلال ثمانية أيام، تطلّبت منه ثمان سنوات. ناضلَ الفلكيون كثيراً من أجل فهم السبب الكامن وراء قيامِ المريخ باتباعِ مسارٍ عكسيٍ في سماء الليل. لم يتواجد أيُّ نموذجٍ للنظام الشمسي –ولا حتى نموذج كوبرنيكوس –قادر على شرحِ تلك الحركة التراجعية.

 

باستخدام مراقبات براهة التفصيلية، أدرك كبلر أنّ الكوكب يتحرك على دوائرٍ ‘‘ممتدة للخارج‘‘أو ما يُعرف بالقطع الناقص. لا تقع الشمس تماماً في مركز مدارات الكواكب، بدلاً من ذلك تتواجد في الجانب، في إحدى نقطتين موجودتين ضمن القطع الناقص وتعرفان بالمحارق. بعض الكواكب، مثل الأرض، تتمتع بمدار قريبٍ جداً من الدائري، لكن مدار المريخ كان غير متمركز، أو ممتد بشكل كبير. الحقيقة التي تقول، أنّ الكواكب تنتقل على مدارات على شكل قطعٍ ناقصٍ، تُعرف بقانون كبلر الأول.

 

يظهر المريخ وهو يقومُ بحركةٍ تراجعيةٍ عندما تأتي الأرض –الموجودة في مدار داخلي –من خلف الكوكب الأحمر، بعد ذلك تتجاوزه. اقترح كوبرنيكوس، أنّ المراقبات التي نُجريها من الأرض المتحركة (بدلاً من كونها ساكنة في المركز) يمكن أن تكونَ السببَ الكامن وراء هذه الحركة التراجعية، لكنّ المدارات الدائرية المثالية التي اقترحها بقيت في حاجة إلى أفلاك تدور فيها من أجل حساب مسارات الكواكب. أدركَ كبلر أنّ الكوكبان، يتحركان على مساراتٍ على شكل قطوع ناقصة، الأمر الذي سيعطي انطباعاً بأنّ الكوكب الأحمر يتحرك بشكلٍ تراجعي في سماء الليل.

 

ناضلَ كبلر كثيراً أيضاً في دراسة التغيرات الحاصلة في سرعات الكواكب. أدركَ كبلر بأن الكوكب يتحرك بسرعةٍ أبطأ عندما يكون أبعد عن الشمس وبشكلٍ أسرع عندما يكونُ بالقرب منها. حالما فهِمَ كبلر بأنّ الكواكب تنتقل على مسارات على شكل قطع ناقص، تمكّن من معرفة أن الخط غير المرئي الواصل بين الشمس وكوكب يقوم بمسحِ سطوحٍ متساوية خلال أزمنة متساوية. وضع كبلر هذا القانون، قانونه الثاني مع القانون الأول وتشرهما في العام 1609.

 

نُشر قانون كبلر الثالث بعد ذلك بعقدٍ من الزمن، ويصفُ هذا القانون العلاقة بين فترتي دوران كوكبين -الزمن اللازم لينجز الكوكب دورةً كاملةً حول الشمس- وعلاقتهما بالمسافة التي تفصلهما عن الشمس. ينصُ هذا القانون وبشكل أكثر تحديداً على أن مربع نسبة فترتي الدوران لكوكبين تساوي مكعب نسبة أنصاف أقطار مداريهما. في حين أن القانونين الأولين لكبلر يركّزان على الحركة الخاصة بكوكبٍ واحدٍ، فإنّ قانونه الثالث يعتبرُ مقارنةً بين مداري كوكبين.

 

 

اكتشافات بارزة أخرى


على الرغم من أن كبلر معروف بقوانينه التي تدرس الحركة الكوكبية، إلا أنه أنجز عدة إسهامات بارزة أخرى في العلم. لقد كان كبلر أول من ذكر بأن الانكسار الضوئي هو المسؤول عن الرؤية بالعين، وأن استخدام العينين يعطي إحساساً بالعمق. قام كبلر بصنع نظارات للمصابين بكلٍ من قرب وبعد النظر، وشرح كيفية عمل التلسكوب. قام كبلر كذلك بوصف الصور وعملية التكبير، كما أنه فهم خواص الانعكاس. 


ادعى كبلر بأنّ المسؤول عن الجاذبية هما الجسمين معا وليس جسماً واحداً، وكمثال على ذلك، فإن القمر هو من يسبب حركة المد والجزر على الأرض. اقترح كبلر بأن الشمس تدور، واخترع كلمة التابع الطبيعي ‘‘satellite‘‘. حاول كبلر استخدام معرفته بالمسافة التي تتحركها الأرض من أجل قياس البعد الذي يفصلنا عن النجوم. حسب كبلر أيضاً بالإضافة إلى كل ما سبق سنة ميلاد المسيح.

إمسح وإقرأ
شارك

المساهمون


اترك تعليقاً () تعليقات