ما مدى مرونة الزمكان؟

أكثر من أي فكرةٍ علميةٍ أخرى، ساهمت النظرية النسبية لأينشتاين في ترسيخ مفهوم أن الزمان والمكان هما خاصيتان متلازمتان لا تنفصلان في الكون.

بدأ الأمر عندما كان أينشتاين يعمل على تجديد فكرة التحول الكلاسيكي بين الأنظمة المرجعية المتحركة في النظرية النسبية الخاصة، وتُوج هذا الجهد بعد عقد من الزمن، مليء بالعمل الشاق والمُضني، عندما تمكّن من تعميم وتوسيع نطاق هذه الأفكار، بهدف وصف وشرح الحركة المتسارعة والأنظمة الثقالية، وعليه تحول مصطلح الزمان والمكان إلى مصطلح واحد هو الزمكان، والذي يُعرف بالنسيج الكوني الذي نرتبط به.

لكن ما الذي تخبرنا به حقاً النظرية النسبية العامة عن وجود خصائص معينة للزمكان؟ حسناً، يمكن شرح هذا الأمر بعبارات بسيطة، حيث أن هذه النظرية تنصّ على أن كلاً من المادة والطاقة تؤثران في شكل الزمكان أو هندسته. على سبيل المثال، أحد أكثر القيم الفيزيائية التقريبية والتي سماها نيوتن "قوة الجاذبية"، هي في الواقع ناتجة عن تشويه وانحناء في الزمكان تتسبب به الكتلة في المنطقة المحيطة بها، حيث تقوم بتغيير أقصر الطرق والممرات في تلك المنطقة. 


هذه الصورة ملتقطة بواسطة كارل شارف Caleb Scharf المصدر : A. Fitzsimmins/ESO
هذه الصورة ملتقطة بواسطة كارل شارف Caleb Scharf المصدر : A. Fitzsimmins/ESO


التركيب الرياضي الذي يرشدنا -من الكتلة- إلى الزمكان المشوه هو معادلة حقل أينشتاين، ولعله أمرٌ معقدٌ بعض الشيء، ولكن يمكن تبسيطه بحيث يصبح أكثر وضوحاً


\(G = {8 \pi G \over C^4}T\)

 

يشير الرمز T في الجانب الأيمن من المعادلة، إلى البيانات والمعلومات التي ربما سندخلها حول توزيع الطاقة والمادة في جزء معين من الزمكان، على سبيل المثال، في كوكب أو نجم أو مجرة، كما يعرف الرمز T بـ مُوَتِّر الإجهاد-الطاقة stress-energy tensor.  أما الرمز G على الجانب الأيسر من المعادلة فيشير إلى التفاصيل الناتجة عن استجابة الزمكان لهذا الأمر (توزيع الطاقة والمادة)، أي ما يحصل فيه من تشوه أو انحناء (وهو ما يعرف بـ موَتِّر أينشتاين).

لعل عبارة موَتِّر الإجهاد-الطاقة هي مفتاحنا الرئيسي لفهم كيفية عمل هذه المعادلة، حيث تضع كل من الطاقة والكتلة وما تقومان به من حركات تشمل الدوران أو الانتقال أو الثبات، ضغطاً على الزمكان والذي يستجيب له وفقاً لخصائصه الجوهرية. 

ما مدى المرونة التي يتمتع بها الزمكان؟ حسناً، نحصل على إجابة هذا السؤال من خلال مجموعة من الثوابت الفيزيائية الموجودة على الجانب الأيمن لمعادلة الحقل. فالرمز G يشير إلى ثابت الجاذبية التي وضعه نيوتن، بينما يشير الرمز c إلى سرعة الضوء، فإذا استبدلنا هذه الرموز بالقيم المقاسة، فإن معادلة الحقل ستبدو على نحو مفاجئ مختلفةً نوعاً ما.

انحناء في الزمكان
انحناء في الزمكان


ماذا يعني هذا؟ ما يعنيه ببساطة هو أنه ومن وجهة نظرنا، سيأخذ كميةً كبيرةً من الضغط كي نحصل على انحناء أو تشوه كافٍ في الزمكان ('G') ، في الواقع، سيحتاج الأمر إلى وزن جسمٍ مثل الأرض (أي إلى وزنها البالغ 6 تريليونات كغ) كي يحصل انحناء في الزمكان بالمستوى الذي نحن على اطلاع وثيق عليه. 

يحتاج الكون إلى تركيزٍ من الطاقة والكتلة بدرجة غير اعتيادية كي يؤدي ذلك إلى إنتاج ما يكفي من التشوه في الزمكان لخلق جسم مثل الثقب الأسود، أي أقصى كمية ممكنة من الانحناء في الزمكان، وبعبارة آخرى يجب إنتاج كمية هائلة من الضغط لتحقيق هذا الأمر. 


على سبيل المثال، تنطوي عملية خلق ثقب أسود أرضي (جعلها كثقب أسود) على سحق جميع الكيلوغرامات وتوجيهها إلى منطقة بحجم قطعة النقود الصغيرة لتوليد ما يكفي من الضغط المحلي، ويمكن تشبيه هذه العملية بطريقة عمل المسمار المستخدم في كسر ألياف الخشب (اختراقها).

تبيّن إذاً، أن الزمكان هو صلبٌ جداً ومرن، ولكنه أيضاً يتأثر بالضغوط ويستجيب لها، وهذا الأمر يعتبر في غاية الأهميّة، لأنه لولا وجود هذا التشوّه أو الانحناء في الزمكان، لما وُجدت النجوم أو الكواكب، وبالطبع لما وجدنا نحن أيضاً للاحتفال بهذه الأفكار والنظريات الرائعة التي وضعها وصاغها أينشتاين.

إمسح وإقرأ

المصادر

شارك

المساهمون


اترك تعليقاً () تعليقات