مفاعلات صغيرة قد تكون أفضل الطرق نحو الاندماج النووي

كنا نعتقد دائما أننا مازلنا بعيدين عن تحقيق الاندماج النووي بحوالي 30 عاما، لكن يبدو أنه لم تحصل تطورات كبيرة فارقة عن الفكرة التي وضعت في خمسينيات القرن الماضي. أما إن فكرنا بمقايس أصغر، فيمكننا القول أننا قد نحصل على محطات طاقة اندماج نووي بشكل أكبر مما يُمكن لأي شخص توقعه.

 

كلما كان أكبر كان أفضل، هذه هي الحكمة التي كانت معتمدة في ما يتعلق بالاندماج النووي، و قد طبقت في التجربة الدولية العملاقة ITER حيث وظفت من أجل ذلك حجرة مستديرة يصل عرضها إلى 20 متر و حوالي 1000 شخص ليعمل في هذا المشروع، أما تكلفة هذا فقد تجاوزت 50 مليار دولار.

 

يقترح البعض حاليا أن استخدام منهج الأحجام الصغيرة قد يكون أكثر سلاسة و أقل تكلفة، فخلال الشهر السابق، أعلنت شركة لوكهيد مارتن للطيران الفضائي عن تصميم مفاعل اندماج نووي مضغوط و صغير لدرجة يمكن معها وضعه في شاحنة، كما ذكرت بأنه يُمكن تنفيذ هذا المشروع خلال عقد من الآن. و من ناحية أخرى طور توم جاربو (Tom Jarboe) من جامعة واشنطن في سياتل مفاعله الصغير أيضا، و قد قال بإن تكلفته ستكون أقل من 3 مليار دولار، كما أنه يحتاج إلى 15 عام ليدخل إلى الخدمة.

 

تعدنا مفاعلات الاندماج النووي بطاقة نظيفة و رخيصة، فهي تترك ورائها كميات صغيرة جدا من النفايات المشعة مع وجود مخاطر صغيرة جدا بخصوص انصهار المفاعل. يستخدم مفاعل ITER، و كذلك المفاعلات التي يطورها كل من لوكهيد مارتن و جاربو المغانط من أجل احتواء مزيج الديوتيريوم و التريتيوم (نظائر الهيدروجين المستقرة)؛ و هي النظائر التي يتم تسخينها وصولا إلى المرحلة التي تنفصل فيها الالكترونات عن النواة الذرية. يقوم الحقل المغناطيسي بضغط هذه البلازما الساخنة من أجل إجبار النوى على الاندماج الذي يؤدي إلى تشكل نواة الهليوم و تحرير نترون و كميات كبيرة جدا من الطاقة.

 

إن قول ذلك أسهل بكثير من القيام به، و يعلق جاربو عن هذا قائلا: "إن فيزياء البلازما ليست علم الصواريخ، بل هي أمر أكثر صعوبة بكثير".

 

يكمن التحدي الأساسي في عملية الاندماج النووي في الحفاظ على البلازما الفوضوية ضمن حيز ما لفترة أكبر من جزء من الثانية؛ و تقوم مفاعلات، مثل ITER، بمحاولة إنجاز الأمر عبر استخدام الحقول المغناطيسية الناتجة بمساعدة ملفات موجودة حول المغانط ذات الناقلية الفائقة التي تمتلك شكلا دائريا مشابها للكعكة؛ لكن ذلك الأمر يتطلب بدوره الكثير من التدريع المكلف من أجل حماية المغانط المتجمدة من النترونات عالية الطاقة. 

 

يقوم نهج جاربو بتقليص الأشياء عبر استخدام ما يُعرف بتصميم سفيروماك (spheromak)؛ حيث يقوم التيار الناتج عن البلازما المتدفقة في هذا التصميم بتوليد حقل مغناطيسي يقوم بشكل لطيف باحتجاز البلازما نفسها؛ و يُمكن استخدام تصميمات السيفروماك عند الأحجام الصغيرة المرغوبة بسبب عدم وجود مكونات حساسة داخل الفجوة.

 

كانت أجهزة السفيروماك موجودة في سبعينيات القرن الماضي عندما بدأ جاربو العمل عليها في مختبر لوس الاموس الوطني في نيو مكسيكو، لكن خلال ذلك الوقت، لم تتمكن تلك الأجهزة من احتجاز البلازما الساخنة لفترة أطول من غمضة عين. أما تجربة السفيروماك التي يعمل عليها جاربو اليوم –والتي يعادل حجمها حجم سيارة، و هي الأولى من نوعها القادرة على احتجاز البلازما عالية الضغط.

 

يسعى جاربو جاهدا الآن إلى الحصول على تمويل بقيمة 8 مليون دولار من وزارة الطاقة الأمريكية من أجل بناء تجربة أكبر يُمكنها الوصول إلى درجات الحرارة الضرورية من أجل إثبات صحة هذه التكنولوجيا. و ذلك لسبب يشرحه لنا : "يُمكن لهذه الأجهزة أن تقوم بالعمل إلى أجل غير مسمى إن توفر لدينا مزود الطاقة و المبرد".

 

سيعتمد التصميم الرابح من بين التصاميم الأخرى بشكل مؤكد على عملية التمويل، و ذلك لأن ميزانية تجربة ITER قد استنزفت معظم المال الذي خصص لها و كذا الكثير من الحماس أيضا بالنسبة لمجال أبحاث الاندماج النووي في الولايات المتحدة، و إذا لم تتوفر الأموال اللازمة من أجل دعم بعض المناهج الواعدة البديلة، فإن أفق الثلاثين عاما قد يظل ثابتا بعناد طيلة الأعوام القادمة.

إمسح وإقرأ

المصادر

شارك

المساهمون


اترك تعليقاً () تعليقات