كشفت مجموعة من البحوث من الإم آي تي MIT، وكلية الطب في جامعة ماساتشوستس University of Massachusetts Medical School، و جامعة كولورادو University of Cholorado، بالإضافة إلى مركز لانجون الطبي في جامعة نيويورك New York University Langone Medical Center، سبباً للملاحظة السابقة، إذ وجد الباحثون في دراسةٍ على فئران التجارب أن الخلايا المناعية تنشط في جسم الأم خلال الالتهاب الشديد مُنتجةً لمؤثر مناعي يسمَى الإنترلوكن 17 (IL-17)، الذي وُجد بأنه يتداخل مع النمو الدماغي.
وكنتيجةٍ معاكسة، وجد الباحثون أن حجب الإشارة أعلاه، قادرٌ على استعادة السلوك والبنية الطبيعية للدماغ.
إيجاد الرابط
لوحظ في الدراسة السابقة التي تضمنت دراسة كل الأطفال المولودين في الدنمارك بين العام 1980 والعام 2005، أن العدوى الشديدة المتطلبة لدخول المستشفى والمرتبطة باحتمالية إنجاب طفلٍ مصابٍ بالتوحد، تتضَمن: الإنفلونزا (influenza)، والتهاب المعدة والأمعاء الفيروسي (viral gastroenteritis)، والتهابات المجاري البولية (urinary tract infection).
تزيد العدوى الفيروسية الحادة خلال الثلث الأول من الحمل احتمالية إنجاب طفلٍ مصابٍ بالتوحد بمقدار ثلاثة أضعاف، أما في حال العدوى البكتيرية في الثلث الثاني من الحمل، فإن الاحتمالية تزداد بمقدار مرة ونصف.
كانت شوي وزوجها، جون هوه Jun Huh، في نهاية مشوارهم الدراسي في جامعة كالتش Caltech، عندما اطلعا على الدراسة للمرة الأولى، في محاضرةٍ لبروفيسورٍ في نفس الجامعة يدعى باول باترسون Paul Patterson الذي اكتشف بأن الجزيء المناعي المسمى بالإنترلوكن 6 (IL-6) يربط ما بين الإصابة بعدوى وأعراض ما يشبه التوحد في القوارض.
وما أثار تساؤلاته حول هذه الخلايا هو كونها تنشط بواسطة الإنترلوكن 6، فهل من الممكن أنها تسهم في النموذج الحيواني للتوحد المرتبط بالإِنتان الأمومي أثناء الحمل!
تقول تشوي: "نحن نريد أن نجد هذا الرابط، نريد أن نعرف كيف يحدث الأمر برمته بدءاً من جهاز الأم الحامل المناعي وانتهاءً بدماغ الطفل".
وقد أطلقت تشوي مع هوه الدراسة كحمَلة دكتوراه من جامعة كولومبيا Columbia University وكلية الطب بجامعة نيويورك New York University School of medicine بالتعاون مع دان لتمان Dan Littman، بروفسور في المناعة الجزيئية في جامعة نيويورك وواحد من كبار مؤلفي الدراسة، وقد حقنوا الفئران في مرحلة الحمل بنظيرٍ صنعيٍّ للحمض الريبي النووي ثنائي الطاق double-stranded RNA، الذي يحفز جهاز المناعة بطريقةٍ مشابهةٍ للفيروسات.
وقد لاحظ الباحثون شذوذاً في النظام السلوكي لذريَّة هذه الأمهات بما يتضمن خللاً في السلوك الاجتماعي وتصرفاتٍ متككرةً وتواصلاً غير اعتياديٍّ وعدم القدرة على أدائه بالشكل الطبيعي، مما يؤكد النتائج التي تم الحصول عليها في الدراسات السابقة.
وفي تجربةٍ أخرى، تم أداؤها لتمكين الفهم المعمق حول دور الخلايا التائية المساعدة 17، قام الباحثون بتعطيلها قبل إِحداثها للالتهاب في الأمهات، فلم تلاحظ التغيرات السابقة في ذرياتهم، بالإضافة إلى أن هذه التغيرات قد تلاشت عندما أعطى الباحثون الأمهات المصابات أجساماً مضادةً تحجب الإنترلوكن 17 المُنتج بواسطة الخلايا التائية المساعدة 17.
وهنا يُطرح سؤالٌ في غاية الأهمية أثار تساؤلات الباحثين لاحقاً، كيف يُمكن للإنترلوكن 17 التأثير في تطور الأجنة؟ والإجابة تكمن هنا في أن الخلايا الدماغية في أجنة الأمهات اللواتي يعانين من التهابٍ في فترة الحمل، تُظهر مستقبلات للإنترلوكن 17، ويُعتقد بأن التعرض لكيميائيات يحرض الخلايا لإنتاج مستقبلاتٍ أكثر للإنترلوكن 17 مُضاعفةً لأثره.
ووجد الباحثون في الفئران قيد النمو، بعض الشذوذ في طبقات الخلايا واضحة المعالم المتواجدة عادةً في القشرة الدماغية، حيث تقع معظم العمليات المعرفية والحسية، وقد ظهرت هذه البقع غير الطبيعية في ذات المناطق القشرية في كل الذريّة المصابة، ولكنها لم تظهر في ذريات الأمهات المحجوب فيها دور خلايا التائية المساعدة 17. وأيضاً وُجدت هذه المناطق غير المنتظمة في طبقات القشرة الدماغية عند البشر المُصابين بالتوحد في بعض الدراسات التي أجريت بهذا الخصوص.
منع الإصابة بالتوحد
يستثمر الباحثون دراساتهم لمحاولة فهم كيفية تأثير البقع القشرية الدماغية وإنتاجها للتصرفات الشاذة المُشاهدة في الذريّات!
يقول تشوي في هذا السياق: "قد لاحظنا ترابطاً بين وجود هذه البقع القشرية والشذوذ السلوكي، ولكننا لا نعلم بعد ما إذا كانت مسؤولةً عن التصرفات السلوكية غير الطبيعية بشكلٍ أساسي، وفيما إذا افترضنا أنها مسؤولة، ما التغيرات التي حدثت في هذه البقع لتؤدي إلى هذا التغيير في السلوك؟".
ويَأمل الباحثون بأن يُؤدي عملهم لطريقةٍ تُخفف من احتماليات تطور التوحد في الأطفال الذين تُعاني أمهاتهم من عدوى والتهاباتٍ شديدةٍ في فترة الحمل، ويتم التخطيط أيضاً لدراسة تأثير الطابع والخلفية الجينية على حساسية تأثُر الفئران للالتهاب الأمومي أثناء الحمل، حيث يُعد العامل الجيني من أقوى العناصر المؤدية لظهور المرض.