ماء مذاب من المجلدات ربما تدفق على المريخ في غابر الزمان

صورة لإحدى شبكات الأودية العديدة الواقعة في الهضاب الجنوبية للمريخ. وتقترح دراسةٌ جديدةٌ أن الماء تدفق في فترات متقطعة، لكنه كان كافيًا لينحت شبكات الأودية هذه. المصدر: مختبر الدفع النفاث [JPL] التابع لناسا/ جامعة ولاية أريزونا.

ربما تكشَّف لنا التاريخُ الرطبُ للمريخ عبر ومضاتٍ قصيرةٍ. وعلى الرغم من أن النماذج المناخية تشير إلى أن درجات الحرارة على الكوكب الأحمر بقيت تحت درجة التجمد غالبًا، لكن بحثًا جديدًا لعلماءٍ من جامعة [براون] يقترح أنه لربما كانت درجات الحرارة اليومية خلال الصيف دافئةً بما يكفي لإذابة حواف المَجْلَدَات أو الجبال الجليدية glaciers، منتجةً بذلك كمياتٍ بسيطةً من الماء المُذاب تفسر تشكُّل الأودية الشبيهة بأحواض الأنهار على الكوكب.

تقول الباحثة الرئيسة أشلي بالومبو Ashley Palumbo، وهي طالبةٌ لنيل شهادة الدكتوراه من جامعة براون Brown، في تصريحٍ لها: "نحن نرى مثل تلك الظاهرة في الأودية الجافة في القارة القطبية الجنوبية، حيث التفاوتات الحرارية بين الفصول كافية لتصنع بحيرات وتبقيها سائلةً على الرغم من معدل الحرارة السنوي الذي ينخفض كثيرًا عن درجة التجمد. ونريد أن نتحرى عن إمكانية حصول أمرٍ مُماثلٍ في تاريخ المريخ الغابر".

من المشاركين في الدراسة جيم هيد Jim Head، وهو المشرف على بالومبو والكاتب المشارك في البحث، أستاذ في جامعة براون، وكان قد عمل سابقًا على بعثة مارس إكسبرس الأوروبية للمريخ، وبعثة مارس سِرْفَايور Mars Surveyor التابعة لناسا، وغيرها من البعثات. وهذه دراستهما الجديدة المنشورة في مجلة إيكاروس Icarus.

للمريخِ اليومَ جوٌّ يغلب عليه ثنائي أكسيد الكربون، مع ندرة الماء الجاري على سطحه بل انعدامه تقريبًا. (يجادل بعض الباحثين أن خطوط الانزلاق Slope Lineae المتكررة على حواف الفوهات شكلًا من أشكال الماء الأجاج الذائب، بينما يقول آخرون أن المعالم تلك قد تكون أملاحًا مُمَيَّهةً أو تشكلت من الماء الموجود في الجو). بدأ باحثو جامعة براون باستخدام نموذجٍ مناخيٍّ للمريخ من آخر ما توصلت إليه التقنيات الحديثة والذي افترض جوًا من ثنائي أكسيد الكربون. وعادةً ما تنحو المحاكاة نحو كوكبٍ جليديٍّ، والشمس عاملٌ مؤثرٌ في ذلك، إذ كانت الطاقة الناتجة عنها أقل منها اليوم.

أعاد فريق بالومبو إجراء نماذج المحاكاة بناءً على متغيراتٍ كانت سائدةً منذ أربعة مليارات سنةٍ، عندما تشكلت تلك الأودية وقيعان البحيرات وغيرها من المعالم التي يرجح أن الماء نحتها. وضمنوها سيناريوهاتٍ لسماكاتٍ مختلفةٍ للغلاف الجوي وكمياتٍ متعددةٍ من غازات الدفيئة، وذلك لأن العلماء مختلفون حول طبيعة الجو خلال السنين الأولى من عمر الكوكب الأحمر.

هذه الصورة من المركبة الجوالة كيوريوسيتي Curiosity وتُظهِر بيئة جافة حول فوهة غايل. المصدر: ناسا / مختبر الدفع النفاث في كالتيك JPL-Caltech / مالين لأنظمة علوم الفضاء MSSS
هذه الصورة من المركبة الجوالة كيوريوسيتي Curiosity وتُظهِر بيئة جافة حول فوهة غايل. المصدر: ناسا / مختبر الدفع النفاث في كالتيك JPL-Caltech / مالين لأنظمة علوم الفضاء MSSS


كما أنهم جربوا سناريوهاتٍ للمدار، إذ لا إجماع على طبيعة مدار المريخ في تلك الحقبة.

تشمل تلك السيناريوهات درجاتٍ مختلفةً من ميلان المحور، مما يؤثر على كمية ضوء الشمس الساقط على سطح الكوكب، ومن الشذوذ المداري، والذي يحدد مدى شذوذ مدار الكوكب عن المدار الدائري التام. في حال كان الكوكب ذا شذوذٍ مداريٍّ كبيرٍ فإن الفصول عليه ستكون أكثر تطرفًا، وذلك لاقترابه بشدةٍ من الشمس أحيانًا ثم ابتعاده بشدةٍ عنها.

قدم نموذج الباحثين سيناريوهاتٍ تُظهِر الرواسبَ الجليدية في المناطق حول شبكات الأودية، وتُظهر أيضًا درجاتِ حرارةٍ ترتفع أحياناً لتجتاز درجة التجمد في منطقة الهضاب الجنوبية.

ولربط جريان الماء مع تشكّل شبكات الأودية، أشار الباحثون إلى دراسةٍ في عام 2015 شارك هيد مع إليوت روزنبرغ Eliot Rosenberg في تأليفها، الذي كان طالبًا جامعيًا آنذاك في جامعة براون. كانت تلك الدراسة قد قدّرت الحدَ الأدنى من كميّة الماء الضرورية لتشكيل الأودية. وقد استنتجت بالومبو بالاعتماد على تلك الدراسة، وجهود باحثين آخرين عملوا على دراسة نسب الجريان وتاريخ شبكة الأودية، أن المريخ لربما احتاج إلى مدارٍ ذي شذوذٍ مركزيٍّ ليُنتج ماءً كافيًا لتشكيل شبكة الأودية تلك.

يقول هيد في تصريحٍ له: "تمنحنا هذه الدراسة فرضيةً معقولةً قد تفسـر الكيفية التي لربما تشكّل فيها الماء السائل على المريخ قديمًا، بطريقةٍ شبيهةٍ بالذوبان الفصلي الذي يؤدي إلى جداولَ وبحيراتٍ نراها خلال عملنا الميداني في منطقة الوديان الجافة في ماك موردو McMurdo. ونحن نتحرّى حاليًّا آلياتٍ دفيئةً محتملةً إضافيةً، من ضمنها النشاط البركاني والرجم النيزكي؛ قد تساهم في إذابة المريخ البدئي البارد والمتجمد".

ظهر هذا البحث في الشهر ذاته الذي جاء فيه فريقٌ بقيادة جامعة شيكاغو، أثناء محاولتهم فهم الماضي الرطب للمريخ، بتفسيرٍ آخر: ألا وهو الميثان. واقترح هؤلاء الباحثون أن محور دوران الكوكب الأحمر ترنّح مع مرور الزمن، محرضًا على فتراتٍ من ذوبان الجليد وإطلاق الميثان. وبمرور الزمن تراكم قدرٌ كافٍ من الميثان في الجو مما سمح بمناخاتٍ يمكن للبحيرات أن تتشكل فيها.

وفي سياقٍ منفصلٍ، تتفحص مركبة تطور الغلاف الجوي للمريخ وتطايره مايفن MAVEN التابعة لناسا خيطًا آخرًا من الأدلة عن المريخ أيام كان مبلّلًا.

حيث يقترح بعض العلماء أن الجو كان سميكًا كفايةً في الماضي السحيق ليسمح بتدفق المياه. أما اليوم، فليس من الممكن وجود الماء (السائل) على سطح المريخ نظرًا لرقّة الغلاف الجويّ. ترصد مركبة مايفن معدل الخسارة الجوّيّة مع الزمن، والتي تنتج عن عمليات مثل "التعرية"، وهي عندما ترتطم جسيماتٌ من الشمس بالجزيئات الخفيفة في غلاف المريخ الجوي، دافعةً بها نحو الفضاء.

نشرت المقالة الأصلية على موقع سيكر Seeker.

إمسح وإقرأ

المصادر

شارك

المساهمون


اترك تعليقاً () تعليقات