الجاذبية الضعيفة تُساعدنا على فهم المحاربين الصغار لنظام الجهاز المناعي

تهيمن على الأخبار حالياً تهديدات مخيفة على صحة الإنسان؛ وقد يُساعد السفر إلى الفضاء العلماء على تعزيز قدرة أجسامنا على مكافحة مثل هذه التهديدات؛ وتسعى دراستان قادمتان عن الكريات البيضاء leukocytes - خلايا الدفاع البشري - إلى فهم كيفية تأمين هؤلاء المحاربين الصغار لدفاعهم. 

لا يعمل جهاز مناعة رواد الفضاء في الجاذبية الضعيفة كما هي الحالة على الأرض؛ ومعرفة السبب في ذلك هو مفتاح حماية صحة رواد الفضاء ويمكن أن يؤدي إلى علاجات جديدة على الأرض لأولئك الذين يعانون من ضعف الجهاز المناعي .

تُقلع تجربة TripleLux-B إلى محطة الفضائية الدولية في كانون الاول/ديسمبر 2014 على متن مهمة التموين التجاري الخامسة التابعة لسبيس اكس؛ وفي شباط/فبراير عام 2015، سوف تُقلع TripleLux-A على متن المهمة السادسة لسبيس إكس باتجاه محطة الفضاء الدولية وكلا الدراستين ستقومان بمعاينة ودراسة التغيرات الخلوية في جهاز المناعة، وسيفصل الآثار المحددة للجاذبية الضعيفة عن عوامل رحلات الفضاء الأخرى -كالإشعاع. 

في جهاز المناعة البشرية، تُعتبر خلايا الدم البيضاء الكبيرة، والمعروفة بالكريات البيضاء leukocytes، خط الدفاع الأول ضد العدوى؛ وتبتلع هذه الخلايا الأجسام الغريبة وتُنتج موجة من الأكسجين التفاعلي الذي يساعد في تدمير الغزاة.

ستختبر "TripleLux-A" الكريات البيضاء في الفئران الموجودة على محطة الفضاء الدولية؛ في حين ستستكشف "TripleLux-B" كيف تقوم الجاذبية الضعيفة بالتسبب في تغيرات الآليات الوراثية عند المستوى الخلوي -بما في ذلك ترميم الحمض النووي؛ وسوف تُقارن التغيرات الناجمة عن الجاذبية الضعيفة في الكريات البيضاء عند الفئران مع خلايا جهاز المناعة المشابه والموجود في بلح البحر الأزرق (نوع من الرخويات).

تُعتبر خلايا بلح البحر والفئران نموذج حي (model organisms)؛ وتمتلك خصائص تجعل من دراستها والحفاظ عليها واستنساخها في المختبر أمراً سهلاً؛ فعلى سبيل المثال، يُولد بلح البحر أعداداً كبيرة من خلايا جهاز المناعة التي يسهل جمعها دون الإضرار بالحيوان.

يقول الباحث الرئيسي بيتر-دايدريش هانسن (Peter-Diedrich Hansen) وهو أستاذ علم السموم وعالم أبحاث بارز في معهد برلين الألماني للتكنولوجيا : "تهدف TripleLux-B إلى معرفة ما إذا كانت خلايا الجهاز المناعي لبلح البحر، وهو الأقدم على المستوى التطوري، تتأثر بنفس الطريقة التي يتأثر بها النظام المناعي لرواد الفضاء أو في هذا الحالة، الفئران وإذا لم يكن الأمر كذلك، فما الذي يسبب الاختلاف؟"

ستستخدم التجارب بديلاً آمنا للبكتيريا ويُدعى زيموزان (zymosan) - الذي يتم إنتاجه من خلايا الخميرة؛ ويستخدم الباحثون مادة كيميائية مُشعة،تُسمى لومينول  (Luminol)، من أجل الكشف عن التفاعل الانفجاري للأكسجين الذي يحدث بعد قيام المحاربين الصغار بالتهام الغزاة.

أظهرت دراسات سابقة أن تغييرات الجاذبية تُؤثر على خلايا جهاز المناعة؛ وأثبتت التجارب، التي تمت أثناء الطيران على شكل قطع مكافئ وفي أجهزة الطرد المركزي، حصول تغييرات متقلبة و سريعة في أداء الجهاز المناعي. ومع ذلك، فهذه الدراسات لاتزال قاصرة لأن ظروف الجاذبية الضعيفة إما كانت لفترة وجيزة أو لأنها مصطنعة .

يُوفر إجراء التجارب على متن المحطة الفضائية التعرض لفترات طويلة من الجاذبية الضعيفة وفرصة مراقبة التفاعلات الانفجارية بالأكسجين والحاصلة في كريات الدم البيضاء.

يقول الباحث الرئيسي في (TripleLux-A) أوليفر أولريش (Oliver Ullrich) وهو أستاذ في علم التشريح والتكنولوجيا الحيوية الفضائية في سويسرا وألمانيا :"ربما تمتلك ظروف الجاذبية على الأرض أحد المتطلبات الضرورية من أجل تطوير آلية تفاعل الأكسدة؛ والتحدي الرئيسي هو معرفة فيما إذا كانت الآلية الخلوية لدينا قادرة على العمل من دون قوة الجاذبية؛ أو أن هندستنا الخلوية ستجعلنا بحاجة إلى الاعتماد على الجاذبية الأرضية دوماً". 

يُمكن أن يساعد هذا البحث العلماء على تطوير وسائل لإدارة أو منع التغييرات الناجمة عن الجاذبية الضعيفة في وظيفة جهاز المناعة -أو ببساطة، جعل هؤلاء المحاربين الصغار جاهزين للفضاء.

لتوضيح ما إذا كانت الجاذبية الضعيفة أو الإشعاع أو كلاهما يعتبر المسؤول عن التغييرات في نظام المناعة خلال رحلات الفضاء، سيُعرض الباحثين الخلايا إلى الجاذبية الضعيفة ومحاكاة لجاذبية الأرض في جهاز الطرد المركزي (BIOLAB) التابع لوكالة الفضاء الأوروبية؛ وستتم مقارنة البيانات في هذه الظروف مع قياسات الجرعات الإشعاعية المتراكمة من تجربة مرجعية على الارض؛ وسيقوم الباحثون بتقييم ما إذا كانت الجاذبية الضعيفة والإشعاع يعملان معاً لخلق تأثير أقوى. يجب إجراء هذا التحقيق على متن محطة الفضاء لأن الإشعاع الكوني لا يمكن محاكاته على الأرض.

يستطيع جهاز قياس، تم تطويره من أجل هذه التجارب، أن يتكيف ليصبح أداة لمراقبة جهاز مناعة رواد الفضاء خلال الرحلات الفضائية طويلة الأمد؛ وتُعتبر هذه التحقيقات فرصة أيضاً من أجل اختبار هذا الجهاز.

قد تساعد هذه التجارب على فهم كيفية تأثير الفضاء على جهازنا المناعي وهو أمر قد يسمح لنا بتوظيف المحاربين الصغار لهذا الجهاز من أجل الحفاظ على صحتنا مهما كانت قوة هجوم الغزاة.

 

إمسح وإقرأ

المصادر

شارك

اترك تعليقاً () تعليقات