داء باركنسون ودور الخلايا المناعية

يعتبر الموت البطيء للخلايا العصبية المُنتجة للدوبامين (dopamine-producing nerve cells) في مناطق معينة من الدماغ المسببَ الرئيس لمرض باركنسون (parkinson's disease). ويُعد تحفيز أعراض المرض على صعيد فئران التجارب أمراً ممكناً، باستخدام مواد تستهدف الخلايا العصبية المُنتجة للدوبامين فتقتلها قتلًا انتقائيًا. وقد أوضح علماء المركز الألماني لأبحاث السرطان German Cancer Research Center أو اختصاراً (DKFZ) ، للمرة الأولى في تجارب على الفئران -باستعمال الطريقة السابقة- بأن هجرة الخلايا المناعية من الجهاز المناعي الطرفي الى مجرى الدم وبعد ذلك الى الدماغ تلعب دوراً رئيساً في موت الخلايا العصبية. واستطاع الباحثون تقليل مستوى الإنتكاس العصبي(neurodegeneration process) بإخفاء مناطق محددة و مُميزة على سطح هذه الخلايا المناعية.

 

 

حقوق الصورة: ويكيميديا كومنز
حقوق الصورة: ويكيميديا كومنز
هناك منطقة صغيرة في الدماغ المتوسط (midbrain) تعرف بالمادة السوداء (substantia nigra) وهي منطقة التحكم المركزي بكافة الحركات الجسمية، ويؤدي زيادة فقدان الخلايا العصبية المُنتجة للدوبامين في هذه المنطقة ُ إلى الأعراض الرئيسية لداء باركنسون المُتمثلة ببطء الحركة والتصلب والارتعاش.

 


وقد تبين في الأونة الأخيرة زيادة الأدلة العلمية التي تبرهن أن التغيرات المناعية في الدماغ تلعب دوراً مهماً في مرض باركنسون، وإلى الآن لم يكن واضحاً بعد فيما إذا كانت العملية الالتهابية تنشأ في الدماغ نفسه أم أن خلايا المناعة الطبيعة التي تدخل الدماغ من المَجرى الدموي لها ذلك الأثر.

 


يقود أ. د. مارتن فيلالبا Prof. Dr. Ana Martin-Villalba في المركز الألماني لأبحاث السرطان فريقاً للبحث عن أسباب موت الخلايا في الجهاز العصبي المركزي، وقد أوضح عالم الأعصاب مارتن فيلالبا دور زَوج الجُزيئات الذي يُعرف بِنظام السي دي 95 CD 95 system المُكَون من ربيطة ال سي دي 95 CD95 ligand ومستقبِلها المقابل المعروف أيضا بمستقبل الموت (death receptor)، وبعدما أوضَح دور هذا الزوج في هجرة الخلايا المناعية إلى مناطق الإصابة مُسببًة أضراراً بِالأنسجة، إلا أنها أثارت تساؤلاته فيما إذا كانت الخلايا الطرفية تلعبُ هذا الدور في الانتكاسات العصبية المُزمِنة كداء باركِنسون.

 


وللبحث في عملية الإنتكاس العصبي في الفئران، استَخدم الباحثون نظاماً نموذجياً بالاستعانة بمادة الإم بي تي بي(MPTP) المُسببة للموت الانتقائي للخلايا العصبية المُنتجة للدوبامين في دماغ الانسان، وفي الفئران تسبب عادة ما يشابه أعراض باركنسون، وقد لوحِظ في الفئران التي لم تُنتج خلاياها المناعية (الوحيدة (monocyte) والخلايا الدُّبَيقية (microglia)) للسي دي 95 ضَعف الانتكاس العصبي المُسَبَب بواسطة الام بي تي بي، وهذا يُشير الى أن الخلايا المناعية المُظهرة لرَبيطة السي دي 95 تُشارك في تدميرالخلايا العصبية، ولكن يبقى السُؤال المُبهم عن مصدر هذه الخلايا المناعية المدمرة !، هل هي خلايا الدماغ الالتهابية البَلعمية المُسماة بالخلايا الدِّبقية؟ أم أن ارتِشاح الخلايا الوحيدة من المجرى الدموي إلى الدماغ تدخل في مَوضِع الاتهام أيضًا؟.



للإجابة عن السؤال السابق، قامَ الباحثون باستخدام مادة كيميائية على فئران التجارب لحجب رَبيطة السي دي 95 عن الخلايا المناعية الالتهابية في المجرى الدموي معيقين قُدرَتها على اختراق الحائِل الدموي الدماغي (blood brain barrier) من غير التأثير على الخلايا الدِّبقية في الدماغ، حيث لم تُظهِر الفئران المعَالجَة بتلك المادة انتكاساً عصبياً من مادة الام بي تي بي.

 


يقول ليانج جاوLiang Gao و دايفد برينرك Davied Brenner – المؤلفان الرئيسيان للمنشور: " أظهرنا للمرة الأولى أن الخلايا المناعية الطرفية ضمن جهاز المناعة الطبيعي تلعب دورًا مهمًا في عملية الانتكاس العَصبي؛ إذ أن رَبيطة السي دي 95 تُعتبر المِحور الأساسي في هذه العملية حيث تُحسّن من حركة الخلايا المناعية".



وقد أشار مسؤول المشروع مارتن فيلالبا إلى أن الموت الخلوي لبعض الخلايا العصبية بأسبابه المختلفة يجذب الخلايا المناعية الالتهابية والتي بدورها تُسبب ضرراً أكبر من خلال الجُزيئات المُحفزة لِشارات بدء العملية الالتهابية.



في الوقت الحاضر، جُلّ ما يمكن استنتاجه و الجزم به من التجربة السابقة على النموذج الصناعي الحيواني أنها قد تُشابه مرض باركنسون في الإنسان، وبالتعاون مع زملاء من اليو إل إم Ulm، لاحَظ فريق مارتن فيلالبا مؤخراً ارتفاعاً بكمية الخلايا المناعية الوحيدة التي كانت في حالة فعالية مفرطة في عينات الدم المأخوذة من مرضى باكنسون، بالإضافة الى وجود علاقة طردية بين عدد الخلايا المناعية الوحيدة وشدّة أعراض المرض، ولكن لم يستطع الباحثون معرفة ما إذا كانت هذه الخلايا تترشح من المجرى الدموي للدماغ مُحصِلَةً أضرارها كما في الفئران المُصابة بالباركنسون.
 

وقد أشار مارتن فيلالبا أخِيراً: "فيما إذا كان هذا هو السبب، فإنه من المُمكن استعمال الأدوية المثبطة لرَبطة السي دي 95 للتخفيف من أعراض باركنسون إذا استُعملت مبكرا"، وحيث أن المادة اللازمة لما سبق، تُدرَس في المرحلة السريرية الثانية (clinical phase ll) ، وقد أشار أيضاً إلى أن أثر الخلايا المناعية الطرفية على الانتكاسات العصبية قد لا يقف عند مرض باركنسون بل قد يطال أمراضاً انتكاسية عصبية أخرى مثل داء الزهايمر Alzheimer's disease.

 

إمسح وإقرأ

المصادر

شارك

المساهمون


اترك تعليقاً () تعليقات