حساسات متعددة الاستخدامات تقيس درجة الحرارة والاهتزازات والحقول الكهربائية بدقة مكانية عالية

يمكن للألياف الزجاجية أن تقوم بأكثر من نقل البيانات. فقد أثبت باحثون في معهد ماكس بلانك لعلوم الضوء Max Planck Institute for the Science of Light أو اختصاراً (MPL) في إرلانغن حديثاً، أنه يمكن استخدام نوع خاص من الألياف الزجاجية كحساس عالي الدقة ومتعدد الاستعمالات. وأرسل باحثو MPL كُريّة زجاجية صغيرة يمكنها فعلياً تحسّس كميات فيزيائية مختلفة بدقة، مثل الحقول الكهربائية أو الحرارة أو الاهتزازات عبر داخل هذا الليف البلوري الضوئي أجوف النواة. يكشف هذا الجسيم الطائر عن الكميات المراد قياسها عبر مسافات طويلة بدقة مكانية عالية. حتى تحت الظروف القاسية كتلك التي لدى المواد الكيميائية العدوانية، أو داخل أنابيب النفط.

يقول تيجمن أويسر Tijmen Euser من معهد ماكس بلانك في إرلانغن: "في البداية، كانت الفكرة تطوير حساس للنشاط الإشعاعي لاستخدامه داخل محطة طاقة نووية". عادة ما يتم تولّي المهام المشابهة باستخدام ألياف زجاجية مع حساسات ألياف بصرية ضمنية. ما يتم قياسه هو كيفية تأثر الضوء المرسل عبر الليف بعامل خارجي. يمكن استخدام حساس الألياف البصرية هذا أيضاً لقياس الكميات الفيزيائية عن بعد. بلف الليف حول المؤثر، يمكن لحساسات الألياف البصرية أن تسبر كامل سطح المؤثر. اتضح على أية حال أن إشعاع النشاط الإشعاعي يعتم داخل الألياف الزجاجية التقليدية بحيث لا يمكن للضوء أن ينتشر أكثر فيها، مما يجعلها غير صالحة لقياس النشاط الإشعاعي.

تمتلك الألياف الزجاجية -التي ندين لها بشكر خاص لنسبها العالية في نقل البيانات، وبالتالي إنترنت سريع- قناة داخلية مصنوعة من زجاج بمُعامل انكسار عالي، محاطة بغلاف من زجاج بمعامل انكسار قليل. الاختلاف بمعامل الانكسار يضمن أن خط الضوء سينعكس من الداخل إلى الغلاف. وبذلك يبقى محصوراً ضمن قلب الكابل مثل الماء المحصور ضمن أنبوب، ويتبع الضوء الليف الزجاجي حتى لو كان منحنياً.

شعاعا ليزر يناوران كرية خلال ليف زجاجي أجوف


في الألياف الضوئية البلورية (photonic crystal fibres) أو اختصاراً (PCFs) التي اخترعت منذ حوالي 20 عاماً على يد فيليب روسل، مدير في معهد ماكس بلانك لعلوم الضوء، تكون القناة الداخلية بالمقابل مجوفة وعادة ما تكون مملوءة بالهواء. القناة المجوفة محاطة بقنوات جوفاء أخرى تمتد على كامل طولها. يعادل قطر هذه القنوات بضعة أضعاف طول موجة الضوء فقط، ما يعني أن القنوات تؤثر على انتشار الضوء.


بدقة أكبر، فهي تحبس الضوء بالقناة الداخلية بشكل مشابه لمختلف أنواع الزجاج في الألياف البصرية التقليدية. لكن الخصائص المميزة للألياف البلورية الضوئية تسمح بتطبيقات متعددة غير ممكنة في الألياف البصرية التقليدية.

حقيقة أن الألياف التي تمتلك نواة مجوفة كانت تفصيلاً حاسماً بالنسبة للفريق. لأن التجويف المملوء بالهواء لايمكن أن يعتم بفعل إشعاع النشاط الإشعاعي، بالتالي يرى الباحثون أن الألياف الضوئية البلورية بديل مهم لحساسات الألياف البصرية التقليدية من أجل قياس النشاط الإشعاعي. 


اختبر الفيزيائيون الموجودون في إرلانغن ما إذا كانت الألياف البلورية الضوئية ذات النواة المجوفة مناسبة كحساسات باستخدام الألياف بدايةً لقياس الحقول الكهربائية والاهتزازات ودرجات الحرارة.


لهذا الغرض، استخدموا كرية زجاجية صغيرة كمسبار للقياس وقاموا بتوجيهها عبر القناة الضيقة المجوفة في الليف البلوري لبضعة أجزاء من الميلليمتر فقط. تحقق ذلك بإرسال شعاع ليزر عبر القناة من كلا نهايتي الليف. عكست الكرية الصغيرة الضوء كمرآة صغيرة وبالتالي واجهت من كلا الجانبين ضغوطاً نشأت من خلال تأثير الضوء على الجسيم. بإعطاء طاقة شعاعي الليزر قوة مختلفة، اندفعت الكرية إلى أحد الاتجاهين أكثر بقليل من الآخر، وتحركت عبر الليف بسرعة محددة. يمكن للجسيم الآن أن يسبر براميتر واحد على طول الليف الزجاجي في كل مرة مثل وحدة الإنارة في الماسح الضوئي.

ضوء أقل يمر عبر الليف ضمن حقل كهربائي قوي


لقياس قوة حقل كهربائي، استغل الباحثون في إرلانغن حقيقة أن الكرية تصبح مشحونة كهربائياً باحتكاكها بكريات أخرى قبل أن يرسلوها عبر الليف المجوف. وعندما تكون ضمن حقل كهربائي، فإنها تنحرف بسببه من مركز القناة إلى حوافها، وبذلك تعكس ضوء الليزر لهذا الجانب أكثر مما تعكسه في موقعها الاعتيادي. يقاس وهن الضوء هذا بواسطة صمّام ثنائي ضوئي يوضع عند إحدى نهايتي الليف. يتناسب الفقدان في هذه الحالة مع قوة الحقل الكهربائي، وبذلك يصبح بالإمكان قياس الحقل عن بعد.

لمعرفة مدى دقة قياس التوزع المكاني لقوة الحقل بواسطة الكرية الطائرة، قام الباحثون بتوصيل الألياف الزجاجية مع أقطاب ناعمة جداً، حيث أن أنعم قياس لها هو 200 ميكرومتر فقط (الميكرومتر يعادل جزء بالألف من الميلليمتر). نجح الباحثون حقيقةً في نسخ البنية الناعمة للأقطاب بدقة بواسطة جهاز قياس الألياف البصرية الخاص بهم. يقول ديمتري بايكوف Dmitry Bykov وهو طالب دكتوراه في معهد ماكس بلانك بإرلانغن وباحث رئيسي في الدراسة: "تمكنا أيضاً من قياس الحقول المغناطيسية باستخدام كرية مغناطيسية وبدقة عالية جداً". يمكن أيضاً حساب الاهتزازات بشكل مشابه، حيث أنها تؤدي إلى انحراف الجسيم من مركز الليف. يمكن تمييز الحقول الكهربائية والاهتزازات من خلال سلوك الكرية التي تحمل مستويات مختلفة من الشحنة.

أثبت بايكوف وزملاؤه أيضاً أن بإمكان أليافهم الضوئية البلورية قياس درجة الحرارة. ولأجل ذلك، استغلّوا الحقيقة التي تقول أن لُزُوجة الهواء تقل بارتفاع درجة الحرارة، وبالتالي ينزاح الجسيم بشكل أسرع عبر قناة الليف. لقياس سرعته، ينير الفيزيائيون الكرية بواسطة ليزر خافت إضافي. وهنا يستخدمون تأثير دوبلر المعروف من خلال السيارات العابرة. حيث يكون صوتها عندما تكون مقتربة أقوى منه عندما تكون مبتعدة. أطوال موجات الضوء تسلك سلوكاً مشابهاً لأطوال موجات الصوت عندما تنبعث من عناصر متحركة.

كريات الفلوروسنت كحساس للنشاط الإشعاعي


استخدم الباحثون في تجربتهم فرناً لتسخين جزء من الليف لعدة مئات من الدرجات المئوية. وتمكنوا من قياس هذه الحرارة بدقة حوالي خمس درجات. أظهرت تقلبات السرعة أن الدقة المكانية لهذه الطريقة لا تتجاوز بضعة سنتيمترات. يشرح أويسر: "بمساعدة الجسيم الدوار، الذي يعتمد تردده الدوراني على لزوجة الهواء، كان من الممكن أن نقيس بدقة من رتبة الميكرومتر".

يقول بايكوف: "ما نريده الآن هو تحقيق حساس للنشاط الإشعاعي". لفعل ذلك، يريد الباحثون استخدام كريات الفلوروسنت التي تعيد إطلاق إشعاعات النشاط الإشعاعي المُمتصّة بشكل ضوء مرئي. وعندها ستزودنا تغيرات كثافة الفلوروسنت بمعلومات عن قوة النشاط الإشعاعي في موقع الكرية.


يرى بايكوف إمكانات عظيمة في التقنية الجديدة. ستكون الدقة المكانية محددة نظرياً بحجم الجسيم فقط. ستمكننا الجسيمات النانوية عندها من القياس بدقة من رتبة النانومتر، أي بمقاس الفيروسات. إن أكبر طول لألياف الحساسات حالياً هو حوالي 400 متر، يعاني ضوء الليزر خسائرَ عندما ينتقل عبر الألياف الضوئية البلورية، وبالتالي لا يعود ممكناً احتجاز الكرية الزجاجية فوق مستوى معين. بأية حال، توجد أيضاً ألياف ضوئية بلورية بخسائر أقل بشكل ملحوظ. يمكن استخدامها لزيادة مجال حساسات الألياف لعشرات الكيلومترات.

لذلك يتوقع تيجمن أويسر Tijmen Euser عدة حقول أخرى من التطبيقات، تحديداً عندما نحتاج لاستخراج القياسات تحت ظروف قاسية وعبر مسافات كبيرة. يقول الفيزيائي: "أنابيب النفط هي إحدى الأمثلة عن التطبيقات الممكنة". يمكن لقياسات الاهتزازات أن تكشف أضراراً في مرحلة مبكرة سببها التخريب على سبيل المثال. يمكن للحساسات أن تكون مفيدة في خطوط الجهد الكهربائي العالي أو في محطات التحويل. وبالتالي يمكن أن تقاس ثلاث كميات وثيقة الصلة وهي الحقول الكهربائية والاهتزازات ودرجات الحرارة، بجهاز قياس واحد.

إمسح وإقرأ

المصادر

شارك

المساهمون


اترك تعليقاً () تعليقات