انطلاق بعثة جولد لمراقبة ديناميكيات الغلاف الجوي العلوي

أطلقت وكالة ناسا الفضائية المرصدَ العالمي لمراقبة القرص الأرضي وأطرافها (Global-scale Observations for Limb and Disk)، أو بعثة (GOLD)، في 25 يناير/كانون الثاني عام 2018، وهي حمولة مستضافة على متن القمر الاصطناعي للاتصالات التجارية (SES-14).

ستبحث بعثة جولد (GOLD) عن التمازج الديناميكي للغلاف الجوي العلوي الأرضي والفضائي، وتُعدّ البعثة أول أداةٍ علميةٍ تابعةٍ لوكالة ناسا الفضائية تُحلِّق كحمولةٍ مستضافة تجاريًا.

الفضاء ليس فارغًا تمامًا، إنه يعجّ بالجسيمات المشحونة سريعة الحركة، والمجالات الكهربائية والمغناطيسية التي توجه حركة الجسيمات.

للمزيد عن الغلاف الأيوني للأرض تابع المقال التالي

تُسمَّى الجسيمات المشحونة المتواجدة في الحدود بين الغلاف الجوي للأرض والفضاء (الغلاف الأيوني) (ionosphere)، وتُسمّى الجسيمات المتواجدة في الطبقات العليا للغلاف الجوي المحايد (الغلاف الحراري) (thermosphere). يتمازج الغلافان الأيوني والحراري مع بعضهما، ويؤثر أحدهما على الآخر باستمرار.

يتمحور تركيز بعثة (GOLD) على الدور التفاعلي للطقس الأرضي، وطقس الفضاء، والمجال المغناطيسي للأرض، ودور كلّ واحدٍ منها على حدة.

انطلقت أداة GOLD في 25 يناير/كانون الثاني عام 2018، والتي تهدف إلى دراسة المنطقة الديناميكية، التي يدمج محتواها بين الغلاف الجوي العلوي للأرض والفضاء، ويوضح الفيديو السبب وراء سعي وكالة ناسا الفضائية إلى استكشاف حافة كوكب الأرض.
المصدر: NASA's Goddard Space Flight Center/Joy Ng

يقول ريتشارد إيستيس Richard Eastes، الباحث الرئيسي في مختبر الغلاف الجوي وفيزياء الفضاء (the Laboratory of Atmosphere and Space Physics) في جامعة كولورادو بولدر: "يُعتبَر الغلاف الجوي العلوي مُتغيرًا ومُتقلبًا أكثر مما كنا نتصوره سابقًا، ومع ذلك ينقصنا الإدراك المعرفي حول طبيعة التفاعلات بين جميع العوامل المنخرطة في التفاعل"، ويضيف: "وهو الأمر الذي ستقوم به بعثة (GOLD)، حيث سترسم البعثة للمرة الأولى الصورة الكبرى لكيفية تفاعل مختلف القوى السائرة من الجسيمات، ومدى تأثير كل منها على الآخر".

من الصعب تاريخيًا ملاحظة منطقة الغلاف الجوي العلوي، حيث نفتقر إلى امتلاك المفهوم المعرفي بخصوصها، فالمنطقة تستجيب لكلٍّ من انخفاض الغلاف الجوي الأرضي في الأسفل، وفي ذات الوقت لاضطراب الطقس الفضائي في الأعلى، كما أن استجابتها سريعة، إذ أنها تُحدث تغيراتٍ دراماتيكيةً مفاجئةً في أقل من ساعة.

تمتد طبقة الغلاف الأيوني من ارتفاع يبلغ نحو 360-50 ميلًا فوق سطح الأرض، وتُظهر الصورة مساحاتٍ من الضوء الأحمر والأخضر، تُعرف باسم التوهج الليلي (airglow)، المرئية حول أطراف الأرض، التقطت الصورة محطةُ الفضاء الدولية. المصدر: NASA
تمتد طبقة الغلاف الأيوني من ارتفاع يبلغ نحو 360-50 ميلًا فوق سطح الأرض، وتُظهر الصورة مساحاتٍ من الضوء الأحمر والأخضر، تُعرف باسم التوهج الليلي (airglow)، المرئية حول أطراف الأرض، التقطت الصورة محطةُ الفضاء الدولية. المصدر: NASA

 

تخلق الأحداث الكبيرة في الغلاف الجوي السفلي مثل الأعاصير أو الأمواج العالية (تسونامي)، تياراتٍ موجيةً بإمكانها أن تسافر على طول واجهة الفضاء مُسبِّبةً تغيراتٍ في أنماط الرياح، ومُحدثةً الاضطرابات، وعلى الجانب الآخر، تحمل الجسيمات النشطة المضطربة والعواصف الشمسية المتواجدة في المنطقة العليا، المجالات المغناطيسية والكهربائية التي من شأنها أن تعمل على تشويش البيئة الفضائية للأرض، والجمع بين هذه العوامل يجعل من الصعب التنبؤ بطبيعة التغيرات الحاصلة في طبقة الغلاف الأيوني، كما يمكن أن يكون لطبيعة هذه التغيرات تأثيرٌ كبيرٌ على البيئة.

تصرح سارة جونز Sarah Jones العالمة في بعثة (GOLD) التابعة لمركز غودارد لرحلات الطيران التابع لوكالة ناسا الفضائية، في غريبنبلت- ولاية ماريلاند،بقولها: "الفضاء ليس مجرد موطنٍ لرواد الفضاء والأقمار الصناعية، إنه يؤثر على حياتنا اليومية، فالأقمار الصناعية ذات المدار الأرضي المنخفض، بما في ذلك محطة الفضاء الدولية تُحلِّق في طبقة الغلاف الأيوني، كذلك تسير إشارات الاتصالات مثل الإشارات الراديوية، والإشارات التي تجعل نظام تحديد المواقع العالمي (GPS) مُفعّلًا في طبقة الغلاف الأيوني، وبالتالي فحدوث التغيرات المفاجئة قد يشوهها ويحرفها، حتى أن بإمكانها أن تقطع عملها تمامًا".

تسعى بعثة (GOLD) إلى إماطة اللثام عن دوافع التغيير في هذه المنطقة الحرجة، وستسهم البيانات الناتجة في تحسين تصميم النماذج التنبؤية المتعلقة بأحوال الطقس الفضائي التي قد تؤثر على طبيعة الحياة في الأرض، فضلًا عن مدى تأثيرها على البيئة العملية للأقمار الاصطناعية والحياة اليومية لرواد الفضاء.

تُعدّ بعثة (GOLD) أول بعثةٍ بمقدورها المساهمة في إعطاء ملاحظاتٍ سريعةٍ حول التغيرات المنتظمة في الطقس الفضائي، والمستمرة على مدار الساعة، ولا تقتصر الملاحظات على رصد المناخ الشامل فقط.

ويقول السيد طلعت كبير علماء الفيزياء الشمسية (heliophysics) في مقر المكتب الرئيسي لوكالة ناسا الفضائية في واشنطن: "أحدثت الأقمار الاصطناعية للأرصاد الجوية ثورةً في طبيعة إدراكنا لأحوال الطقس الأرضي، والقدرة على التنبؤ بها"، ويواصل قائلًا: "نتوقع أن تُعزِّز بعثة (GOLD) الرؤية الجديدة المماثلة لفكرتنا حول ديناميكيات الغلاف الجوي العلوي، والبيئة الفضائية لكوكبنا".
 

تقوم أداة (GOLD) بفحص شامل لقرص الكرة الأرضية، كل نصف ساعة. المصدر: NASA’s Goddard Space Flight Center/Scientific Visualization Studio
تقوم أداة (GOLD) بفحص شامل لقرص الكرة الأرضية، كل نصف ساعة. المصدر: NASA’s Goddard Space Flight Center/Scientific Visualization Studio

 

يبلغ حجم أداة (GOLD) حجم ثلاجةٍ صغيرةٍ تقريبًا، حيث تزن 80 رطلًا، وهي عبارةٌ عن أداة تصويرٍ طيفيٍّ، يقوم مبدأ عملها على تقسيم الضوء إلى أطواله الموجية المكونة له، وقياس شدتها، وعلى وجه الخصوص قياس شدة الأشعة فوق البنفسجية صانعةً صورًا قرصيةً إشعاعيةً فوق بنفسجية كاملةً للأرض من مدارها الجغرافي الثابت (المتزامن مع الأرض في مستوى خط الاستواء- المترجم)، فوق نصف الكرة الغربي.

يوضح إيستيس بقوله: "تسمح (GOLD)، مثلها مثل كاميرا الأشعة تحت الحمراء، برؤية كيفية حدوث التغيرات الحرارية الطارئة استنادًا إلى استخدامها ألوانًا مختلفة، كذلك تعمل صور (GOLD) اعتمادًا على استخدامها لإضاءة الأشعة فوق البنفسجية على توفير خريطة للأرض، مميطةً اللثام عن كيفية نشوء التغيرات في درجات الحرارة، إضافةً إلى التغيرات في بنية الغلاف الجوي، حسب موقعها".

وبناءً على هذه الصور، يستطيع العلماء تحديد درجة الحرارة والكميات النسبية للجسيمات المختلفة، مثل الأوكسجين الذري والنيتروجين الجزيئي، المتواجدة في طبقة الغلاف الجوي المحايد، كما تتمحور فائدة الصور أيضًا في تحديد كيفية تشكيل الغازات المحايدة لظروف طبقة الغلاف الأيوني. وستعزز البيانات المعطاة رسم الخرائط الأولى لبنية الغلاف الجوي العلوي وتقلباتها الحرارية في جميع أنحاء الأمريكيتين.


تستكشف بعثتا (ICON) و(GOLD) البيئة الفضائية القريبة من الأرض، حيث تتوفر معطيات معرفية ضئيلة متعلقة بهذه المنطقة القريبة من موطننا الأرض، إذ يصعب تاريخيًا مراقبتها. المصدر: NASA’s Goddard Space Flight Center/Mary Pat Hrybyk
تستكشف بعثتا (ICON) و(GOLD) البيئة الفضائية القريبة من الأرض، حيث تتوفر معطيات معرفية ضئيلة متعلقة بهذه المنطقة القريبة من موطننا الأرض، إذ يصعب تاريخيًا مراقبتها. المصدر: NASA’s Goddard Space Flight Center/Mary Pat Hrybyk

 

تقود بعثة (GOLD) التابعة لوكالة ناسا الفضائية جامعة سنترال فلوريدا، وقد أنشأ مختبر الغلاف الجوي وفيزياء الفضاء في جامعة كولورادو بولدر، أداة (GOLD)، وهي حمولةٌ مستضافةٌ على قمر اصطناعي غير ذي صلة، وتحلق أداة (GOLD) في المدار الجغرافي الثابت على متن القمر الاصطناعي للاتصالات التجارية (SES-14)، وقد أنشأته شركة إيرباص اللوكسمبورغية (Airbus for Luxembourg)، معتمدةً في صنعه على مشغل القمر الاصطناعي (SES).

يصرح إيستيس بقوله: "عملنا طيلة السنوات الماضية على دراسة تفاصيل طبقة الغلاف الجوي العلوي للأرض من المدار الأرضي المنخفض، لكن اعتمادًا على المدار الجغرافي الثابت (المتزامن مع مستوى خط الاستواء- المترجم)، سنتمكن من وضع الأمور في سياقها العالمي، حيث سيكون بمقدورنا رؤية نصف الكرة الأرضية، بناءً على معطيات المدار الجغرافي الثابت".

من ناحيةٍ أخرى، ينطلق هذا العام مستكشف اتصال طبقة الغلاف الأيوني (the Ionospheric Connection Explorer)، أو (ICON) الذي سيدرس طبيعة طبقة الغلاف الأيوني وطبقة الغلاف الجوي العلوي المحايد.

 

تُظهر الصورة القمر الاصطناعي للاتصالات التجارية (SES-14) الذي سيحمل أداة GOLD التابع لوكالة ناسا الفضائية. المصدر: NASA Goddard's Conceptual Image Lab/Chris Meaney
تُظهر الصورة القمر الاصطناعي للاتصالات التجارية (SES-14) الذي سيحمل أداة GOLD التابع لوكالة ناسا الفضائية. المصدر: NASA Goddard's Conceptual Image Lab/Chris Meaney

 

تُحلِّق أداة (GOLD) في المدار الجغرافي الثابت الذي يرتفع نحو 22,000 ميلًا فوق نصف الكرة الغربي، بينما يحلق (ICON) على ارتفاعٍ يبلغ 350 ميلًا فوق الأرض، حيث يمكنه جمع صورٍ مقربةٍ لهذه المنطقة. علاوةً على ذلك، تقدم البعثتان معًا عمليات مراقبةٍ لطبقة الغلاف الأيوني بصورةٍ أكثر شمولًا، مما يتيح فرصة تعميق مفهومنا المعرفي للظروف البيئية التفاعلية بين كوكبنا والفضاء.

تُعتبر أداة (GOLD) أحدث إضافةٍ إلى أسطول بعثات الفيزياء الشمسية التابعة لوكالة ناسا الفضائية، ويقوم مبدأ عمل بعثات الفيزياء الشمسية على دراسة النظام المترابط الواسع والممتد من البيئة الشمسية إلى البيئة الفضائية المحيطة بالأرض والكواكب الأخرى، بالإضافة إلى دراسة الحدود القصوى لعواصف الرياح الشمسية المتدفقة باستمرار من الشمس. 

ستقدم أداة (GOLD) الحقائق المعرفية العلمية المتعلقة باكتشاف كيفية ومدى الترابط بين الغلاف الجوي العلوي للأرض وهذا النظام الديناميكي المعقد.
 

إمسح وإقرأ

المصادر

شارك

المصطلحات
  • الغلاف الجوي (Atmosphere): هو الغلاف المكون من الغازات المُحيطة بالأرض أو أي كوكب آخر.
  • الأيونات أو الشوارد (Ions): الأيون أو الشاردة هو عبارة عن ذرة تم تجريدها من الكترون أو أكثر، مما يُعطيها شحنة موجبة.وتسمى أيوناً موجباً، وقد تكون ذرة اكتسبت الكتروناً أو أكثر فتصبح ذات شحنة سالبة وتسمى أيوناً سالباً

المساهمون


اترك تعليقاً () تعليقات