الثامن من آذار: الموعد القادم للكسوف الكلي

سيشاهد العالم في أجزاء من جنوب شرق آسيا الشمس بمظهر مختلف، وذلك في الثامن من آذار/مارس 2016 بالتوقيت الشرقي (التاسع بالتوقيت الغربي)، أثناء كسوف كلّي للشمس سيستمر لأكثر من دقيقة في كل المواقع التي يمر بها. 


أثناء عبوره بين الشمس والأرض، سيحجب القمرُ وجه الشمس المضيء، وسيظهرُ "إكليل الشمس" وهو الغلاف الجوي الشمسي الرقيق والخافت نسبيا. تعتبر هذه الظاهرة نادرة الحدوث نسبيا؛ إذ تتكرر مرة كل عام تقريبا؛ وذلك لأنّ القمر والشمس لا يدوران في المستوى نفسه.

 


 سيعبر القمر أمام الشمس، وسيلقي ظلاله على معظم أجزاء جنوب شرق آسيا في الثامن من آذار/مارس 2016 بالتوقيت الشرقي (التاسع بالتوقيت الغربي). سيشاهد الكسوف الكلي سكان المناطق الواقعة على طول خط الاكتمال بعرض 100 ميل، بحيث سيحجب القمرُ القرصَ الشمسي بالكامل، أما سكان المناطق الواقعة خارج هذا الخط، فإنهم سيشهدون نسبا متفاوتة من الكسوف الجزئي. 
حقوق الصورة: NASA's Goddard Space Flight Center/E. Wright



وفي هذا السياق قالت سارة جايجلي Sarah Jaeggli، عالمة الفضاء في مركز جودارد لرحلات الفضاء التابع لناسا في جرينبيلت بولاية ماريلاند، والتي شاهدت الكسوف الكلي للشمس مرتين : "ستلاحظ تغيّرا في أشعة الشمس أثناء اكتمال الكسوف، كما سينتشر الظلام حولك، بالرغم من أنك في النهار والسماء مازالت زرقاء".


سيستمر الكسوف الكلي "الاكتمال" ما بين دقيقة ونصف إلى أربع دقائق في كل المناطق، على الرغم من أنّ ثلاث ساعات ستمضي ما بين بداية الكسوف في مناطق أقصى الغرب، ونهايته في مناطق أقصى الشرق. ستتمكن من رؤية الإكليل الشمسي على طول خط الاكتمال فقط عندما يغطي القمر وجه الشمس كليّا. (يقدر طول خط الاكتمال ب 8800 ميل، ولكنّ عرضه يبلغ 97 ميلا فقط عند أعرض نقطة).


تقول جايجلي: "يحجب القمر ضوء سطح الشمس بدقة متناهية، بحيث سيمكّنك من رؤية جذور الإكليل الشمسي، وهي منطقة التقاء سطح الشمس بالغلاف الجوي".

 

يحدث الكسوف الشمسي عندما يقع ظل القمر على الأرض، ويشتمل الظل على اثنين من المخاريط أحادية المركز تسمى الظل وشبه الظل. وفي داخل المخروط الأصغر، أو الظل المركزي، سيحجب القمر الشمس بالكامل، كما سيشاهد الأشخاص داخل مخروط الظل كسوفا كليا، كما هو مبين في هذا العرض التصويري للكسوف الكلي للشمس في آذار/مارس 2016. أما الأشخاص في المخروط الخارجي، أو شبه الظل، فسيشاهدون كسوفا جزئيا فقط.
حقوق الصورة: NASA's Goddard Space Flight Center/E. Wrigh

 

 
يحدث الكسوف الكلي للشمس بسبب الهندسة الدقيقة للكواكب، حيث إن الشمس أكبر من القمر بـ 400 مرة، ولكنها أثناء الكسوف الكلي للشمسي تكون أيضاً أبعد عن الأرض أكثر بقليل من 400 مرة من بعدها عن القمر، لذا يبدو للناظر أنهما بنفس الحجم في السماء. هذا يعني أنه يمكن للقمر حجب سطح الشمس بالكامل بينما يخفي في الحقيقة جزءاً صغيراً من الإكليل الداخلي.

 
أعطى الكسوف الكلي للشمس عام 1860 (كما هو موضح في الرسم التخطيطي من تلك الفترة الزمنية) العلماء نظرة أولية على القذف الكتلي الإكليلي coronal mass ejection، وهو سحابة من مواد شمسية قُذفت من الشمس لملايين الأميال في الساعة الواحدة. تُرى هذه الأحداث أثناء الكسوف فقط، أو باستخدام الكوروناجراف (coronagraph)، وهي أداة تخلق كسوفاً شمسياً اصطناعياً، لأن سطح الشمس المضيء مغطى بالإكليل الشمسي الخافت نسبياً. حقوق الصورة: G. Tempel (public domain
أعطى الكسوف الكلي للشمس عام 1860 (كما هو موضح في الرسم التخطيطي من تلك الفترة الزمنية) العلماء نظرة أولية على القذف الكتلي الإكليلي coronal mass ejection، وهو سحابة من مواد شمسية قُذفت من الشمس لملايين الأميال في الساعة الواحدة. تُرى هذه الأحداث أثناء الكسوف فقط، أو باستخدام الكوروناجراف (coronagraph)، وهي أداة تخلق كسوفاً شمسياً اصطناعياً، لأن سطح الشمس المضيء مغطى بالإكليل الشمسي الخافت نسبياً. حقوق الصورة: G. Tempel (public domain


إن الكسوف الكلي للشمس ليس مجرد عرض بصري مذهل، فلقد لعب دوراً مهماً عبر العصور في عملية فهم النجم الذي نعيش معه. خلال العصور الوسطى، مكّن الكسوف الكلي علماء الفلك الأوائل من تسجيل أولى ملاحظاتهم لإكليل الشمس. في كسوف عام 1860، شهد الفلكيون ما يعتقد أنه أول تسجيل للقذف الكتلي الإكليلي، وهو عبارة عن غيوم عملاقة من المواد الشمسية التي تندلع من الشمس وتسافر عبر الفضاء.
 
ما زالت المقذوفات الكتلية الإكليلية قيد الدراسة في ناسا لفهم تأثيرها على الفضاء القريب من الأرض، حيث يمكن أن تؤثر اضطرابات الحقل المغناطيسي على الاتصالات اللاسلكية وإلكترونيات الأقمار الصناعية ونظام تحديد المواقع GPS.

يدرس الباحثون اليوم الغلاف الجوي للشمس بشكل مستمر عن طريق تكرار تأثيرات الكسوف، وذلك باستخدام أداة تسمى كوروناجراف، تستخدم هذه الأداة قرصاً صلباً لحجب سطح الشمس المضيء. إن الكوروناجراف أقل فاعلية من الكسوف الطبيعي، بسبب انحناءات الضوء عند الحواف الحادة، وهي ظاهرة تسمى الحيود. للتمكن من حجب قرص الشمس، يجب أن تكون أقراص الكوروناجراف أكبر مما هي عليه. لذلك يعتقد العلماء أن الكوروناجراف يحجب معظم الغلاف الجوي الداخلي للشمس، جاعلاً من الكسوف فرصة نادرة لمشاهدة المستويات الدنيا من الإكليل.

على الرغم من أن سكان المناطق التي تقع على طول خط الاكتمال هم فقط من سيتمكنون من رؤية الكسوف الكلي، ولكن الملايين أيضاً سيشهدون نسباً متفاوتة من الكسوف الجزئي للشمس في آسيا والمحيط الهادئ، بما في ذلك جزر هاواي وغوام وأجزاء من ألاسكا. كما أن الكسوف الجزئي سيكون واضحاً أيضاً على طول خط الاكتمال لمدة تزيد على ساعة قبل وبعد الكسوف الكلي.

إن الكسوف الجزئي للشمس أقل إثارة من الكسوف الكلي، فالتغيرات في الضوء المحيط عموماً غير ملحوظة حتى يغطي القمر 95% من قرص الشمس، حتى أن جزءاً صغيراً مرئياً من سطح الشمس يعد كافياً لحجب الإكليل الشمسي.

يمكنك النظر إلى الكسوف باستخدام تلسكوب التنقية الشمسية solar-filtered telescope، أو النظارات الخاصة بالكسوف، أو جهاز عرض الثقوب pinhole projector. يجب أن لا ننظر إلى الشمس مباشرة، حتى عندما يغطي القمر 99% من قرص الشمس، لأن جزءاً صغيراً ظاهراً من الشمس كفيل بإيذاء العينين.

إمسح وإقرأ

المصادر

شارك

المساهمون


اترك تعليقاً () تعليقات