في الربيع القادم ستحلق طائرة بوينغ 757 (Boeing 757) المجهزة خصيصاً لحمل تجربتين لصالح ناسا. وقد صُممت هاتان التجربتان للمساعدة في تقليل استهلاك الوقود والانبعاثات. ويطلق على هذه الطائرة اسم "إيكو ديمونسترايتر" (ecoDemonstrator).
تضم إحدى التجربتين 31 جهازا صغيرا. وستقوم هذه الأجهرة بإطلاق الهواء بقوة على الذيل العمودي للطائرة، بينما تتعلق التجربة الثانية بطلاء غير لاصق دوره إبعاد حشرات البق من الحافة الأمامية لأجنحة الطائرات.
يقول فاي كولي (Fay Collier)، مدير أبحاث ناسا للملاحة الجوية، المهمة التابعة لإدارة مشروع الطيران البيئي المسؤول (Environmentally Responsible Aviation) واختصاره (ERA)عن التجربتين : "لقد صممت التجربتان لتحسين مرور الهواء فوق السطح ومن ثَم تقليل قوى السَّحب. ويضيف: "تعني زيادة قوى السَّحب زيادةَ استهلاك الوقود، وهذا ما يؤدي بدوره إلى زيادة الملوثات في الغلاف الجوي. إن هدف مشروعنا هو تطوير مفاهيم وتقنيات الطائرات للحد من تأثير الطيران على البيئة على مدى السنوات الثلاثين المقبلة."
يطلق على أول تقنية سيتم اختبارها اسم تجربة التحكم في التدفق الفعال لذيل الطائرة العمودي المحسّن (Active Flow Control Enhanced Vertical Tail Flight Experiment). وقد عملت وكالة ناسا مع شركة بوينغ لتثبيت 31 نفاث صغير، وتسمى هذه المنافث بالمحركات الكاسحة النفاثة (sweeping jet actuators)، ويمكن المناورة بها حسب الحاجة بحيث يتدفق منها الهواء على سطحَي ذيل الطائرة ecoDemonstrator) 757) العمودي ودفة توجيهها.
في المقام الأول، يُستخدم الذيل العمودي للطائرة لزيادة الاستقرار والتحكم في الاتجاهات أثناء الإقلاع والهبوط، خاصة في حالة وجود عطل في المحرك. لكن عندما تحلق الطائرة على ارتفاع معين، فعندها يصبح هذا الذيل الكبير والثقيل ليس ضروريا.
يعتقد المهندسون أنه من الممكن التقليل من حجم الذيل العمودي باستخدام نفاثات كاسحة لتوليد القوى الجانبية المماثلة لتلك التي يولدها ذيل ذو حجم أكبر أثناء الإقلاع والهبوط. ومن شأن ذلك أن يقلل من الوزن وقوى السَّحب على الطائرة وكذا من استهلاكها للوقود.
ستقوم الأجهزة على متن طائرة الرحلة التجريبية (ecoDemonstrator 757) بقياس أداء التحكم في التدفق الفعال والمعزز لذيل الطائرة العمودي وذلك من خلال تسع رحلات مخطط لها بالقرب من سياتل، بولاية واشنطن. وخلال تلك الاختبارات، ستقوم الطائرة بالتحليق في مناورات متعددة لتقييم الزيادة في القوى الجانبية المطبقة على كل من ذيل الطائرة العمودي ودفة التحكم، الناجمة عن النفاثات. كما ستشمل المناورات محاكاة لفشل المحرك وتغيرات في ضبط النفاثات ومعدلات التدفق.
أنجز فريق من وكالة ناسا وبوينغ وجامعة أريزونا وباحثون من معهد كاليفورنيا للتكنولوجيا مجموعةً من الدراسات الأرضية على نموذج لذيل الطائرة 757 العمودي بقياسه الحقيقي، وقد أُنجزت في نفق الرياح لمركز أبحاث أميس التابع لناسا في موفيت فيلد بولاية كاليفورنيا. وقد أظهرت تلك الدراسات أن نفاثات التحكم في التدفق الفعال يمكن أن تزيد القوى الجانبية بنسبة تتراوح بين 20 و 30 في المئة. ويتوقع الباحثون تأكيد هذه النتائج خلال رحلات الطيران التجريبية.
إن زيادة بنسبة 20 في المئة في القوى الجانبية قد تسمح للمصممين بتصغير حجم ذيل الطائرة العمودي بنحو 17 في المئة، وبالتالي تخفيض استهلاك الوقود بنسبة تصل إلى 50 بالمئة.
بعد بضعة أسابيع وخلال رحلات طيران اختبارية أخرى بالقرب من شريفبورت (Shreveport) في ولاية لويزيانا، سيقيّم مشروع (ERA) التابع لناسا مدى فعالية خمس طبقات مختلفة في درء تراكمات الحشرات في تجربة يُطلق عليها اسم الحشرات المتراكمة والتخفيف من آثارها (Insect Accretion and Mitigation).
قد تكون تراكمات حشرات البق مصدر إزعاج للسيارات، ولكن بالنسبة لبعض تصاميم الطائرات فقد تساهم هذه التراكمات في زيادة قوة السحْب بشكل كبير وفعلي. وقد أظهرت الدراسات أن الحفاظ على التدفق السلس أو ما يسمى بـ "التدفق الصفائحي" على طول الجناح من شأنه أن يقلل من استهلاك الوقود بمقدار ستة في المئة. كما أنه من الممكن أن تتسبب أجسام صغيرة مثل حشرات البق المتراكمة على الحافة الأمامية للجناح، في اضطراب الأوتاد التي ستعيق بدورها التدفق الصفائحي مما سيؤدي إلى زيادة في قوى السَّحب واستهلاك الوقود.
يعمل المهندسون في مركز أبحاث لانغلي التابع لناسا في هامبتون بفيرجينيا، على تطوير واختبار عدد من الطلاءات غير اللاصقة في نفق رياح صغير على جناح طائرة لانغلي التابعة لناسا.
بينما يعمل المهندسون على اختيار أفضل المرشحين من الطلاء لاختباره على الجناح الأيمن من طائرة (ecoDemonstrator)، يبحث فريق متكون من أفراد من وكالة ناسا وبوينغ إلى جانب وزارة النقل (فولبي) وجامعة كاليفورنيا-ديفيس عن المنطقة الأنسب لإجراء الاختبارات على أسطح أجنحة الطائرة أثناء الطيران، وهي المنطقة التي تنتشر فيها حشرات البق بكثافة.
بعد حصر قائمة المطارات المرشحة للإقلاع من تسعين مطارا إلى ستة، اُختيرَ مطار شريفبورت بالاعتماد على بعض المعايير مثل طول المدرج ودرجة الحرارة والرطوبة والطقس، والقدرة على التعامل مع طائرات من نموذج 757 والعواصف الرعدية المتواترة.
خلال رحلات الطيران الخمسة عشر المخطط لها، سيدرس الباحثون أنواع الطلاء بوضعها على شفرات الحافة الأمامية لجناح الطائرة (ecoDemonstrator 757). سيقومون في البداية باستخدام أسطح أجنحة غير مطلية لتحديد خط الأساس لمعدلات تراكم حشرات البق، وبعدها ستزال تلك الأجزاء (غير المطلية) لتثبت بدلاً عنها خمس عينات من أسطحٍ معالجة.
من بين الأمور التي يرغب المهندسون في اختبارها مدى صمود الطلاء، بحيث أن الأسطح المعالجة ستكون فعالة في خفض قوة السحب فقط إذا كان بإمكانها الصمود في بيئة تحليق قاسية. يقول كولي: "قد لا تبدو الحلول المستخدمة لتخفيض استهلاك الوقود بنسبة واحد أو اثنان بالمئة كميةً كبيرة، لكن بتقليل استهلاك وقود الطائرات حتى ولو ببضع نقاط مئوية، فنستطيع أن نوفر الملايين من الدولارات وأن نساعد في حماية البيئة من الانبعاثات الضارة."
تعد التجربتان على متن طائرة (ecoDemonstrator 757) جزءا من ثمانية تجارب علمية تكنولوجية متكاملة وواسعة النطاق تُجرى في عام 2015 ضمن مشروع (ERA)، كما ستكونان خاتمة لتجارب هذا المشروع التابع لناسا. ولقد صممت هاتان التجربتان لتعزيز أهداف المشروع (ERA) والتي هي تخفيض بشكل آني لكمية الوقود المستخدم ومستوى الضوضاء وكذا الانبعاثات التي ستنتجها طائرات النقل التجارية المستقبلية.
تركز التجارب العلمية الثمانية على التقليل من قوى السَّحب للطائرات من خلال مفاهيم مبتكرة للتحكم في التدفق، وتخفيض الوزن باستخدام مواد مركبة متطورة، وأيضا تخفيض استهلاك الوقود والحد من الضوضاء الناتجة عن المحركات المتطورة، كما أنها تهتم بتخفيض الانبعاثات من خلال تحسين غرف الاحتراق للمحرك، وتخفيض استهلاك الوقود والحد من الضوضاء المحلي باستخدام هياكل طائرات مبتكرة وتصاميم مدمجة للمحركات.
وباستثناء الملكية التقنية الخاصة بشركة بوينغ، فستقوم وكالة ناسا بنشر كل المعرفة التي اكتسبتها خلال بحوث طائرة ecoDemonstrator المنجزة بتعاون مع شركة بوينغ، لتكون متاحة للجمهور وتعمم الاستفادة منها في الصناعة.