رصد تلسكوب فيرمي الفضائي العامل بأشعة غاما Fermi Gamma-ray Space Telescope التابع لناسا، إشارات في مركز المجرة الجارة أندروميدا المرأة المتسلسلة (Andromeda) تشير إلى وجود المادة الغامضة المعروفة باسم المادة المظلمة dark matter. وإشارة أشعة غاما هذه مشابهة لما تمت رؤيتها من قِبل فيرمي في مركز مجرتنا درب التبانة Milky Way.
أشعة غاما هي أعلى أشكال الطاقة التي يوجد عليها الضوء، وصادرة عن الظواهر الأكثر نشاطًا في الكون. هذه الظواهر شائعة في المجرات كدرب التبانة، نتيجة تحرك الأشعة الكونية والجسيمات بسرعة قريبة من سرعة الضوء، لتنتج بدورها أشعة غاما عند تفاعلها مع سحب الغاز بين النجمية وضوء النجوم.
والمثير للدهشة، أنَّ البيانات الأخيرة لفيرمي تظهر أشعة غاما في أندروميدا -التي تعرف أيضا بـM31- منتشرة فقط في مركز المجرة بدلًا من انتشارها في كافة أرجائها. ولتفسير هذا التوزيع غير العادي، يقترح العلماء أنَّ الانبعاثات تأتي من مصادر عدَّة غير محدَّدة. يمكن أن يكون إحداها المادة المظلمة، وهي مادة غير معروفة والتي تشكل معظم الكون - حوالي 80% من الكتلة الكلية للكون (المصدر: ).
كشف تلسكوب فيرمي التابع لناسا زيادة كبيرة في أشعة غاما في مركز مجرة أندروميدا مماثلة للتي شوهدت في مركز مجرتنا درب التبانة. شاهد لتعرف أكثر.
Credits: NASA’s Goddard Space Flight Center/Scott Wiessinger, producer
قال العالم الرائد بيريك مارتن Pierrick Martin، عالم الفيزياء الفلكية في المركز الوطني للبحوث العلمية ومعهد بحوث الفيزياء الفلكية وعلم الكواكب في تولوز- فرنسا: "إننا نتوقع تجمع وتراكم المادة المظلمة في مناطق أعمق من مجرة درب التبانة والمجرات الأخرى، لذا فإيجادنا لمثل هذه الإشارة لأمر مثير للغاية." وأضاف قائلًا: "ستكون مجرة M31 طريقًا لفهم ما يعنيه ذلك لمجرة أندروميدا نفسها وكذلك درب التبانة".
ستعرض الورقة هذه النتائج في العدد المقبل من مجلة الفيزياء الفلكية The Astrophysical Journal.
هناك مصدر آخر محتمل لهذه الانبعاث، يمكن أن يكون احتشاد عدد كبير من النجوم النابضة في مركز M31. هذه النجوم النيوترونية الدوارة spinning neutron stars تزن ما يصل إلى ضعف كتلة الشمس وهي من بين الأجسام الأكثر كثافة في الكون. فيمكن لملعقة صغيرة من مادة هذا النجم النيوتروني أن تزن مليار طن على كوكب الأرض.
الآن، وبعد أن كشف فيرمي إشارة أشعة غاما متماثلة في كلا المجرتين أندروميدا ودرب التبانة، بإمكان العلماء استخدام تلك البيانات في حل ألغاز كلا المجرتين. على سبيل المثال، يشير انبعاث مقدار قليل من أشعة غاما من قرص مجرة أندروميدا الضخم، حيث تتشكل معظم النجوم، إلى وجود أقل للأشعة الكونية المتجولة هناك.
قال زيان هاو Xian Hou، الباحث الرئيسي وعالم الفيزياء الفلكية في مراصد يوننان والأكاديمية الصينية للعلوم في كنمينج، الصين: "نحن لا نفهم تماماً الدور الذي تلعبه الأشعة الكونية في المجرات، أو كيفية ترحالها عبر المجرات." ويضيف: "تتيح لنا M31 رؤية سلوك الأشعة الكونية تحت ظروف مختلفة عن تلك الموجودة في مجرتنا".
الاكتشاف المماثل في كلا المجرتين درب التبانة وأندروميدا، سيمكّن العلماء من استخدام المجرات كنماذج لبعضها البعض عند إجراء الأرصاد الصعبة. في حين أنَه بإمكان فيرمي إجراء أرصاد مفصَّلة وأكثر حساسية لمركز درب التبانة، إلا أنَّ مشهده محجوب جزئيًا من قبل الانبعاث الصادر من قرص المجرة. لكن التلسكوبات تعرض شكل أندروميدا الخارجي وهو الأمر المستحيل تحقيقه مع درب التبانة.
قالت المؤلفة المشاركة ريجينا كابوتو Regina Caputo، عالمة الأبحاث في مركز الطيران الفضائي جودارد التابع لناسا في جرينبيلت، ماريلاند: "مجرتنا مشابهة جدًا لمجرة أندروميدا، حقًا إنها تساعدنا لنكون قادرين على دراستها، لأننا لا نستطيع معرفة المزيد عن مجرتنا وتشكلها". وتضيف: "الأمر أشبه بأننا نعيش في عالم بلا مرايا ولكن لديك توأمك، يمكنك أن تراه وتعرف كل شيء حوله".
في حين أنه من الضروري إجراء المزيد من الأرصاد لتحديد مصدر الفائض من أشعة غاما، إلا أنَّ هذا الاكتشاف يقدم نقطة انطلاق مثيرة لمعرفة المزيد عن كلا المجرتين، وربما معرفة طبيعة المادة المظلمة الغامضة.
قالت كابوتو: "لا زال أمامنا الكثير لنتعلمه عن سماء أشعة غاما، كلما ازدادت معلوماتنا، كلما استطعنا توظيفها في نماذج مجرتنا".
تلسكوب الفضاء فيرمي لأشعة غاما التابع لناسا هو شراكة بين أبحاث الفيزياء الفلكية وفيزياء الجسيمات، وقد تم تطويره بالتعاون مع قسم الطاقة في الولايات المتحدة، وبمساهمةٍ كبيرةٍ من عدة معاهد أكاديميةٍ في فرنسا وألمانيا وإيطاليا واليابان والسويد والولايات المتحدة.
لمزيد من المعلومات حول تليسكوب الفضاء فيرمي لأشعة غاما التابع لناسا، يرجى زيارة الرابط هنا.