تلسكوب فيرمي مستعد لرصد مصادر الأمواج الثقالية

في 14 سبتمبر/أيلول عام 2015، انتقلت موجات من الطاقة لما يزيد عن مليار سنة، وهزت بلطف نسيج الزمكان بالقرب من الأرض. ورصد الاضطرابات الناجمة عن اندماج ثقبين أسودين، بواسطة مرافق مرصد الليزر المتطور لرصد تداخل الأمواج الثقالية (Laser Interferometer Gravitational-Wave Observatory) أو اختصاراً لايغو LIGO في هانفورد، وواشنطن، وليفينغستون في ولاية لويزيانا. ويعد هذا الحدث الأول من نوعه فيما يخص اكتشاف الأمواج الثقالية ورصدها، وهو يفتح نافذة علمية جديدة نطل عبرها على كيفية عمل الكون.

وبعد أقل من نصف الثانية، رصد جهاز مراقبة انفجار أشعة غاما GBM الموجود على متن تلسكوب الفضاء فيرمي لرصد أشعة غاما، انفجاراً ضوئياً ضعيفاً ذا طاقة عالية تتوافق مع الجزء نفسه من السماء. ويشير تحليل هذا الانفجار إلى وجود فرصة بنسبة 0.2% لأن يكون هذا الأمر من قبيل الصدفة.

 

وبطبيعة الحال، تمثل أشعة غاما الناجمة عن اندماج الثقب الأسود اكتشافاً تاريخياً، ذلك لأنه من المتوقع أن تندمج الثقوب السوداء دون أن يؤدي ذلك إلى إنتاج أي نوع من الضوء. 





 

يبين هذا التصور الأمواج الثقالية المنبعثة من اثنين من الثقوب السوداء (الكرات السوداء) متقاربي الكتلة، إذ يلتفان حول بعضهما لينتهي الأمر باندماجهما. كما توضح الهياكل الصفراء الموجودة بالقرب من الثقبين الأسودين الانحناء القوي لنسيج الزمكان في المنطقة المحيطة. وتمثل التموجات البرتقالية التشوهات الحاصلة لنسيج الزمكان بفعل أجسام ذات كتل سريعة الدوران.

 

انتشرت هذه التشوهات وضعفت بعد ذلك، لتصبح في نهاية المطاف الأمواج الثقالية التي نعرفها (ذات اللون البنفسجي). ويعتمد النطاق الزمني للاندماج على كتل الثقوب السوداء. وبالنسبة لنظام يحتوي على ثقوب سوداء ذات كتلة تفوق كتلة الشمس بمقدار 30 مرة، أي مماثل لذلك الذي اكتشف بواسطة لايغو في 2015، فإن الفترة المدارية تصل في بداية الفيلم إلى 65 ميلي ثانية فقط، مع ثقوب سوداء تصل سرعتها إلى 15% من سرعة الضوء.

 

تبعث تشوهات الزمكان الطاقة المدارية بعيداً متسبِّبَةً بانكماش نظام الثقوب السوداء الثنائي بشكل سريع. وبما أن الثقبين الأسودين متواجدان بجوار بعضهما، فإنهما يندمجان، ويَلي مرحلة الاندماج مرحلة أخرى تُدعى مرحلة الاستقرار (ringdown) وهي المرحلة التي تستقر فيها حركة الثقب الأسود الجديد، لتنبعث حينها الأمواج الثقالية في النهاية. وبالعودة إلى اكتشاف لايغو في 2015، فقد انتهت هذه الأحداث في غضون ربع الثانية. ومن جهة أخرى، أجريت هذه المحاكاة بواسطة الحاسوب العملاق الثُرَيّا (Pleiades) الموجود في مركز أبحاث أميس التابع لناسا.


وفي هذا الصدد، تقول فاليري كونوتون Valerie Connaughton، عضوة فريق GBM في منشأة جمعية بحوث الجامعات لعلوم الفضاء والتكنولوجيا، في هانتسفيل بولاية ألاباما: "إنه اكتشاف مثير للغاية يصاحبه فرصة ضئيلة حول كونه إنذاراً كاذباً، ولكن قبل أن نعيد كتابة الكتب الدراسية، سنحتاج لرؤية المزيد من الانفجارات التابعة للأمواج الثقالية الناتجة عن اندماج الثقوب السوداء". ومن الجدير ذكره أن كونوتون هي المؤلفة الرئيسية لورقة الانفجار. 

سيساعد رصد الضوء من مصادر الأمواج الثقالية في فهم هذا الحدث بشكل أعمق. كما يرى فريق GBM التابع لفيرمي، أن الأرض لا تمثل عائقاً أمام السماء بأكملها وهي حساسة للأشعة السينية وأشعة غاما مع طاقات تتراوح بين 8,000 و40 مليون إلكترون فولت. على سبيل المقارنة، تتراوح طاقة الضوء المرئي بين 2 و3 إلكترون فولت تقريباً. 


التقطت هذه الصورة في مايو/أيار عام 2008، بينما كان يتم تجهيز تلسكوب فيرمي لأشعة غاما الفضائي من أجل إطلاقه، مسلطة الضوء على كاشفات جهاز مراقبة انفجار أشعة غاما. مراقب انفجار أشعة غاما عبارة عن مجموعة مكونة من 14 كاشف بلوري.  المصدر: NASA/Jim Grossmann
التقطت هذه الصورة في مايو/أيار عام 2008، بينما كان يتم تجهيز تلسكوب فيرمي لأشعة غاما الفضائي من أجل إطلاقه، مسلطة الضوء على كاشفات جهاز مراقبة انفجار أشعة غاما. مراقب انفجار أشعة غاما عبارة عن مجموعة مكونة من 14 كاشف بلوري. المصدر: NASA/Jim Grossmann


وبفضل طاقته بعيدة المدى ومجال رؤيته الواسع، فإن جهاز مراقبة انفجار أشعة غاما هو الأداة الرئيسية للكشف عن ضوء انفجارات أشعة غاما القصيرة gamma-ray bursts واختصاراً (GRBs)، التي تستمر لأقل من ثانيتين. ويعتقد على نطاق واسع أن ذلك يحدث عندما تدور بعض الأجسام المدارية المدمجة والمضغوطة، مثل النجوم النيوترونية والثقوب السوداء، حول بعضها فيما يشبه الدوامة وصولاً إلى ارتطامهما. يعتقد أيضاً أن هذه الأنظمة ذاتها هي المصدر الرئيسي للأمواج الثقالية.

ويقول ليندي بلاكبيرن Lindy Blackburn، وهو زميل ما بعد الدكتوراة في مركز هارفارد سيمثونيان للفيزياء الفلكية في كامبريدج-ماساتشوستس، وعضو في تعاون لايغو العلمي: "مع حدث واحد مشترك فقط، فإن أشعة غاما والأمواج الثقالية ستخبرنا بالتحديد عما يتسبب في انفجارات أشعة غاما القصيرة. هناك عوامل مشتركة مدهشة بين اثنين من الأرصاد لأشعة غاما التي تكشف التفاصيل حول إنتاج الطاقة في المصدر، والبيئة المحلية، والأمواج الثقالية التي تقدم بحثاً فريداً للديناميكيات المؤدية إلى حدوث تلك الظاهرة". 

تمتلك مراصد الموجة الثقالية رؤية ضبابية نسبياً. وسيتحسن ذلك مع مرور الوقت عندما تبدأ العديد من المنشآت الجديدة في العمل، ولكن في اكتشاف سبتمبر/أيلول، الذي يطلق عليه الآن GW150914، تمكن علماء لايغو من تتبع قطاع في السماء يمتد على مساحة 600 درجة مربعة فقط، وهو مماثل لمنطقة الزاوية التي تشغلها الولايات المتحدة على سطح الأرض. 

ويقول المؤلف المشارك إريك بيرنز Eric Burns، وهو أحد أعضاء فريق GBM وطالب دراسات عليا في جامعة ألاباما- هانتسفيل: "يشبه هذا الأمر البحث عن إبرة (انفجارات أشعة غاما القصيرة) في كومة قش كبيرة جداً، والتي يمكن أن تكون سريعة وخافتة، وهذا ما صُممت أدواتنا من أجله". وأضاف قائلاً: "ساعدنا كشف جهاز اكتشاف أشعة غاما في التقليل من مساحة لايغو وتقليص حجم الأمور التي نبحث فيها بشكل كبير جداً".

 



رأى جهاز مراقبة انفجار أشعة غاما التابع لفيرمي وميضاً خافتاً للأشعة السينية تقريباً في اللحظة نفسها التي رصد فيها لايغو الأمواج الثقالية الناتجة عن الثقب الأسود المندمج في عام 2015. يبين هذا الفيلم القصير الكيفية التي تُمكن العلماء من تقليص الموقع وتحديد مصدر الأمواج الثقالية، على افتراض أنها تأتي تابعة لذلك الانفجار. في هذه الحالة، قلل باحثو لايغو المنطقة بمقدار الثلثين. سيشهد مستقبل الرصد تطورات أفضل من ذلك.

المصدر: NASA's Goddard Space Flight Center


 

بعد رصد لايغو للأمواج الثقالية بأقل من نصف الثانية، التقط GBM نبضة خافتة لأشعة سينية عالية الطاقة لم تستمر إلا لثانية فقط. حدث الانفجار عملياً أسفل مرصد فيرمي وعند زاوية عالية بالنسبة لجهاز مراقبة انفجار أشعة غاما، الأمر الذي من شأنه أن يحد من قدرتهم على تحديد موقع دقيق. لحسن الحظ، حجبت الأرض رقعة كبيرة من موقع انفجار مرجح كما يراه مرصد فيرمي في ذاك الوقت، ما أتاح للعلماء مواصلة تقليص موقع الانفجار.

حسب فريق GBM فرصة تقدر بأقل من 0.2% على حدوث أمواج عشوائية قرب الاندماج. على افتراض أن الأحداث مرتبطة، فإن موقع GBM ومنظر فيرمي يجتمعان معاً لتقليص موقع البحث الخاص بلايغو حتى الثلثين، باتجاه 200 درجة مربع. كما يأمل الباحثون حدوث انفجار ذي موقع جيد بالنسبة لمراصد GBM، أو واحد ساطع كفاية ليُرى بواسطة تلسكوب فيرمي واسع المساحة، حتى تُتاح المزيد من التحسينات. 

نتج حدث لايغو عن اندماج ثقبين أسودين كبيرين نسبياً، يفوق كل منهما كتلة الشمس بنحو 30 مرة. لا نتوقع أن تكون مثل هذه الأنظمة الثنائية للثقوب السوداء شائعةً في الكون، وتبقى العديد من الأسئلة حول طبيعة وأصل هذا النظام.

لم يكن في الحسبان أن تصدر عمليات اندماج الثقب الأسود إشارات من الأشعة السينية أو أشعة غاما، لأن الغاز المداري في حاجة لإنتاج الضوء. توقع النظريون أن أي غاز حول الثقوب السوداء الثنائية قد انجرف قبل الانهيار النهائي. لهذا السبب، يرى بعض علماء الفلك أن انفجار أشعة غاما على الأرجح من قبيل الصدفة ولا علاقة له ب GW150914. قدم آخرون سيناريوهات بديلة إذ تندمج الثقوب السوداء لينتج عنها انبعاث أشعة غاما القابلة للرصد. سيستغرق ذلك المزيد من الأرصاد لتوضيح ماهية الأمور التي تحدث عند اصطدام الثقوب السوداء.

تنبأ ألبرت أينشتاين بوجود الأمواج الثقالية في نظريته "نظرية النسبية العامة" منذ مئة عام، وظل العلماء يحاولون اكتشافها خلال الخمسين عام الأخيرة. صور أينشتاين هذا الأمواج على أنها تموجات في نسيج الزمكان، التي تنتجها الأجسام الضخمة والمتسارعة مثل الثقوب السوداء التي تدور حول بعضها. اهتم العلماء بمراقبة وتمييز هذه الأمواج لمعرفة المزيد عن مصادر إنتاجها، وعن الجاذبية ذاتها.

تلسكوب الفضاء فيرمي لأشعة غاما التابع لناسا هو شراكة بين أبحاث الفيزياء الفلكية وفيزياء الجسيمات، وقد تم تطويره بالتعاون مع قسم الطاقة في الولايات المتحدة، وبمساهمةٍ كبيرةٍ من عدة معاهد أكاديميةٍ في فرنسا وألمانيا وإيطاليا واليابان والسويد والولايات المتحدة. لمزيد من المعلومات حول تليسكوب الفضاء فيرمي لأشعة غاما التابع لناسا، يرجى زيارة: https://www.nasa.gov/fermi

 

إمسح وإقرأ

المصادر

شارك

المصطلحات
  • انفجارات الأشعة غاما (GRBs) (gamma-ray bursts): هي عبارة عن ومضات من أشعة غاما تترافق مع انفجارات عالية الطاقة يرصدها علماء الفلك في المجرات البعيدة.
  • انفجار الأشعة غاما (Gamma-Ray Burst): الجمع هو GRBs. يستمر الانفجار بالأشعة غاما لفترة من الزمن تمتد بين جزء من الثانية إلى العديد من الدقائق. لا وجود لنتائج علمية محددة تدل على أسباب هذه الانفجارات. و مؤخراً فقط، تم تحديد البعد الذي يفصلنا عن هذه الانفجارات الذي تبين أنه كبير، مما يدل على أن هذه الانفجارات تحصل في مجرات أخرى. المصدر: ناسا
  • مقياس التداخل (interferometer): عبارة عن أداة تقوم بقياس التداخل (Interferometry)

المساهمون


اترك تعليقاً () تعليقات