تؤكد النتائج وجود كثافة جديدة من الثقوب السوداء.
قام مرصد مقياس تداخل الأمواج الثقالية لايغو The Laser Interferometer Gravitational-wave Observatory او اختصاراً (LIGO) بثالث رصد للأمواج الثقالية في نسيج الزمكان، مما يدل على أن نافذة جديدة قد فُتحت في مجال علم الفلك. كما في الرصدين الأول والثاني، فقد تولّدت الأمواج عندما اصطدم ثقبان أسودان ببعضهما ليشكلا ثقباً أسود واحداً أكبر.
تبلغ كتلة الثقب الأسود المكتشف حديثاً 49 ضعف كتلة شمسنا، ويملأ ثقب أسود جديد هذه الفجوة بين كتلتي الثقبين الأسودين المتّحدين الذين اكتشفهما لايغو سابقاً، وبكتل شمسية تبلغ 62 (في الاكتشاف الأول) و21 (في الاكتشاف الثاني).
ويقول ديفيد شوماخر David Shoemaker من معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا MIT والمتحدث الرسمي باسم جمعية علماء لايغو LIGO Scientific Collaboration او اختصاراً LSC (وهي هيئة تضم أكثر من 1000 عالِم دولي ممن يقومون بأبحاث لايغو معاً بالتعاون مع جمعية فيرغو Virgo Collaboration الأوروبية): "لدينا إثباتات أكثر على وجود الثقوب السوداء ذات الكتل النجمية التي تكون أكبر من 20 كتلة شمسية -هذه أجسام لم نكن نعلم بوجودها قبل أن يقوم لايغو برصدها.
من المثير للاهتمام كيف يمكن للبشر القيام بتجميع فرضيّات واختبارها بالنسبة لحدث غريب كهذا الذي وقع قبل مليارات السنين من الآن، وعلى بعد مليارات السنوات الضوئية منّا. لقد عمل كلّ من طاقمي جمعيتيّ علماء لايغو وفيرغو بشكل كامل ليحلوا هذا اللغز".
محاكاة رياضية لاندماج ثقبين أسودين تتوافق مع أرصاد لايغو. ما يشير إلى قوة الموجة الثقالية هو ارتفاع الحزم، وكذلك اللون، حيث يشير اللون الأزرق إلى الحقول الضعيفة واللون الأصفر إلى الحقول القوية. يتم إعادة تنظيم مطال الموجة الثقالية أثناء المحاكاة لإظهار الإشارة أثناء الحركة بأكملها، وتزداد أحجام الثقوب السوداء بمقدار الضعفين. تُظهر اللوحة السفلية في الفيديو شكل الموجة الثقالية.
حدث هذا الكشف الجديد خلال جولة لايغو الحالية للرصد التي بدأت في 30 تشرين الثاني/نوفمبر 2016 وستبقى مستمرة خلال الصيف. تجدر الإشارة إلى كون ليغو اتحاداً دولياً يضم أعضاء من جميع أنحاء العالم. يتم الرصد فيه بواسطة المرصدين التوأمين الواقع أحدهما في هانفورد بواشنطن Hanford Washington، والثاني في ليفينغستون بولاية لويزيانا Livingston Louisiana، ويديره كل من معهد كالتيك وماساتشوستس للتكنولوجيا، كما تموله مؤسسة العلوم الوطنية الأميريكية National Science Foundation او اختصاراً (NSF) .
قام لايغو بأول رصد مباشر للأمواج الثقالية gravitational waves على الإطلاق في أيلول/سبتمبر 2015 خلال أول جولة رصد له منذ ترقيات كبيرة في برنامج يدعى بـ Advanced LIGO. وحصل الرصد الثاني في كانون الأول/ديسمبر 2015. أما الرصد الثالث والمسمّى بـ GW170104 والحاصل في 4 كانون الثاني/يناير 2017، فقد تم تداوله في ورقة علمية للنشر في صحيفة Physical Review Letters.
قام كل من المرصدين التوأمين التابعين للايغو بتسجيل أمواج ثقالية ناتجة عن اندماج ذو طاقة هائلة لزوجين من الثقوب السوداء في كل من الحالات الثلاث السابقة. تُنتج هذه الاصطدامات طاقة أكبر من الطاقة المشعّة على شكل ضوء بواسطة جميع النجوم والمجرات في الكون في أي وقت، ويبدو الرصد الأخير بأنه الأبعد حتى الآن، حيث تبعد الثقوب السوداء حوالي 3 مليارات سنة ضوئية عنّا. أما الثقوب السوداء في الرصدين الأول والثاني، فقد كانت تبعد 1.3 و1.4 مليار سنة ضوئية على التوالي.
كما توفّر أحدث عملية مراقبة أدلّةً حول اتجاه دوران الثقوب السوداء. تدور أزواج الثقوب السوداء حول بعضها وفي الوقت نفسه حول محاورها الخاصة، مثل متزلجين يدور كل منهما حول نفسه خلال دورانه حول الآخر. في بعض الأحيان، تدور الثقوب السوداء في نفس الاتجاه المداري العام الذي يتحرك فيه الثنائي -ما يشير إليه علماء الفلك على أنه محاذاة دورانية- وأحياناً يدوران في الاتجاه المعاكس للحركة المدارية. بالإضافة إلى ذلك، يمكن أيضاً أن تتحرك الثقوب السوداء بعيداً عن المستوي المداري، ما يعني أنه يمكن للثقوب أن تدور في أي اتجاه!
لا يمكن لبيانات لايغو LIGO الجديدة أن تحدد ما إذا كانت الثقوب السوداء التي لوحظت مؤخراً مائلةً أم لا، إلّا أنها تشير ضمنياً إلى أن واحداً على الأقل من الثقوب السوداء قد يكون غير متراصف بالمقارنة مع الحركة المدارية الكلية، إلا أننا بحاجة إلى المزيد من ملاحظات لايغو LIGO للوصول إلى نتيجة نهائية فيما يخص دوران الثقوب الثنائية السوداء، ولكن هذه البيانات المبكرة تقدّم أدلةً حول كيفية تشكل هذه الأزواج.
يقول بنغالور ساتيا براكاش Bangalore Sathyaprakash من ولاية بنسلفانيا وجامعة كارديف، وهو واحد من محرري الدراسة الجديدة التي ألفها تعاون LSC و Virgo: "هذه هي المرة الأولى التي يكون لدينا أدلة على أن الثقوب السوداء قد لا تكون متحاذية، مما يعطينا مجرد تلميح صغير أن الثقوب السوداء الثنائية قد تتشكل في كتل نجمية كثيفة".
ﻫﻨﺎﻙ نموذجان أوليان يشرحان كيف يمكن أن تتشكل ﺃﺯﻭﺍﺝ ﻣﻦ ﺍﻟﺜﻘﻮﺏ ﺍﻟﺴﻮﺩﺍﺀ الثنائية، حيث ﻳﻘﺘﺮﺡ ﺍﻟﻨﻤﻮﺫﺝ ﺍﻷﻭﻝ ﺃﻥ ﺍﻟﺜﻘﻮﺏ ﺍﻟﺴﻮﺩﺍﺀ ﺗﻮﻟﺪ ﻣﻌﺎً، ﻓﻬﻲ ﺗﺘﺸﻜﻞ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻳﻨﻔﺠﺮ ﻛﻞ ﻧﺠﻢ من النجوم الثنائية، ﺑﻌﺪ ﺫﻟﻚ، ﻭﻷﻥ ﺍﻟﻨﺠﻮﻡ ﺍﻷﺻﻠﻴﺔ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﺪﻭﺭ ﻓﻲ ﺗﺤﺎﺫ، فمن ﺍﻟﻤﺮﺟﺢ ﺃﻥ ﺗﻈﻞ الثقوب السوداء ﻣﺘﺤﺎﺫﻳﺔ.
ﻓﻲ ﺍﻟﻨﻤﻮﺫﺝ ﺍﻵﺧﺮ، تنشأ ﺍﻟﺜﻘﻮﺏ ﺍﻟﺴﻮﺩﺍﺀ ﻓﻲ ﻭﻗﺖ ﻻﺣﻖ ﻓﻲ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ ﺩﺍﺧﻞ ﻋﻨﺎﻗﻴﺪ ﺍﻟﻨﺠﻮﻡ ﺍﻟﻤﺰﺩﺣﻤﺔ، ثم تجتمع ﺍﻟﺜﻘﻮﺏ ﺍﻟﺴﻮﺩﺍﺀ على شكل أزواج ﻋﻨﺪﻣﺎ تغوص وصولاً إلى مركز العنقود النجمي. ﻓﻲ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺤﺎﻟﺔ، ﻳﻤﻜﻦ ﻟﻠﺜﻘﻮﺏ ﺍﻟﺴﻮﺩﺍﺀ ﺃﻥ ﺗﺪﻭﺭ ﻓﻲ ﺃﻱ ﺍﺗﺠﺎﻩ نسبي ﻟﺤﺮﻛﺘﻬﺎ ﺍﻟﻤﺪﺍﺭﻳﺔ. ﻭﻷﻥ ﻻﻳﻐﻮ LIGO ﻳﺮﻯ ﺑﻌﺾ ﺍﻷﺩﻟﺔ ﻋﻠﻰ ﺃﻥ ﺍﻟﺜﻘﻮﺏ ﺍﻟﺴﻮﺩﺍﺀ GW170104 ﻏﻴﺮ متحاذية، ﻓﺈﻥ ﺍﻟﺒﻴﺎﻧﺎﺕ ترجح ﻧﻈﺮﻳﺔ ﺍﻟﻌﻨﻘﻮﺩ ﺍﻟﻨﺠﻤﻲ ﻛﺜﻴﻒ ﺍﻟﻜﺘﻠﺔ على أنه النموذج الحاصل هنا.
تقول كيتا كوابي Keita Kawabe من كالتيك، وهي أيضاً محررة البحث، من مرصد لايغو هانفورد: "بدأنا في جمع إحصاءات حقيقية عن أنظمة الثقب الأسود الثنائية، هذا أمر مثير للاهتمام لأن بعض نماذج تشكل الثقب الأسود الثنائي مفضّلة إلى حدٍ ما على غيرها الآن وفي المستقبل، وبذلك نتمكن من تضييق الاحتمالات".
كما تختبر الدراسة مرة أخرى نظريات ألبرت أينشتاين. على سبيل المثال، بحث الباحثون عن تأثير يسمى التشتت dispersion، والذي يحدث عندما تنتقل أمواج الضوء في أوساط مادية مثل الزجاج بسرعات مختلفة اعتماداً على طولها الموجي، وهذه هي الطريقة التي يخلق فيها الموشور قوس قزح. نظرية النسبية العامة لأينشتاين تنفي حدوث التشتت من الأمواج الثقالية، لأنها تنتشر من مصدرها إلى الأرض. إلّا أنّ لايغو LIGO لم يجد أدلة على هذا التأثير.
تقول لورا كادوناتي Laura Cadonati من معهد جورجيا للتكنولوجيا Georgia Tech ونائب المتحدث باسم LSC: "يبدو أن أينشتاين كان على حق -حتى بالنسبة لهذا الحدث الجديد، الذي يقع على مسافة أبعد بمرتين من اكتشافنا الأول، لا يمكننا أن نرى انحرافاً من تنبؤات النسبية العامة، وهذه المسافة الكبيرة تساعدنا على الإدلاء بهذا البيان بمزيد من الثقة".
يقول جو فان دن براند Jo van den Brand، المتحدث باسم فيرغو Virgo Collaboration، وعالم الفيزياء في المعهد الوطني الهولندي للفيزياء الذرية (نيخيف) Nikhef وأستاذ في جامعة فرايج في أمستردام Vrije Universiteit: "لقد وصلت أدوات لايغو LIGO إلى درجة حساسية مثيرة للإعجاب، كما أننا نتوقع بحلول الصيف أن يقوم فيرجو Virgo، مقياس التداخل الأوروبي، بتوسيع شبكة أجهزة الكشف مما سيساعدنا في تحسين تحديد مكان الإشارات".
ويواصل فريق لايغو-فيرجو LIGO-Virgo البحث في أحدث بيانات لايغو عن علامات تموجات الزمكان من المناطق الكونية البعيدة. كما أنهم يعملون على تحسينات فنية لتشغيل النسخة الجديدة من لايغو LIGO والتي من المقرر أن تعمل في أواخر سنة 2018، ومن سيتم خلالها تحسين حساسية أجهزة الكشف.
يقول ديفيد ريتز David Reitze من كالتيك، المدير التنفيذي لمختبر لايغو: "مع الكشف المؤكد الثالث عن الأمواج الثقالية الناجمة عن اصطدام ثقبين أسودين، يقوم لايغو بنفسه بإنشاء مرصد قوي للكشف عن الجانب المظلم من الكون"، ويضيف: "في حين أن لايغو LIGO مناسب تماماً لمراقبة هذه الأنواع من الأحداث، نحن نأمل أن نرى أنواع أخرى من الأحداث الفلكية قريباً، مثل الاصطدام العنيف لاثنين من النجوم النيوترونية neutron stars".
يتم تمويل لايغو LIGO عن طريق مؤسسة العلوم الوطنية NSF، ويديره معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا MIT وكالتيك Caltech، الذي صور ونفذ المشروع. وقد ترأست الالتزامات المالية كل من مؤسسة العلوم الوطنية NSF وألمانيا (جمعية ماكس بلانك) Max Planck Society والمملكة المتحدة (مجلس العلوم والتكنولوجيا والمرافق) Science and Technology Facilities Council وأستراليا (مجلس البحوث الأسترالي) Australian Research Council فحقق ذلك مساهمات هامة في المشروع.
يشارك أكثر من 1000 عالم من جميع أنحاء العالم في هذا الجهد من خلال التعاون العلمي لايغو LIGO، بما في ذلك GEO Collaboration. ويتشارك لايغو LIGO مع فيرغو Virgo Collaboration، مجموعة تضم 280 عالماً إضافياً من جميع أنحاء أوروبا بدعم من المركز الوطني للبحث العلمي CNRS، والمعهد الوطني للفيزياء النووية INFN، و Nikhef، إضافةً إلى مؤسسة فيرغو المضيفة والمرصد الأوروبي للجاذبية.
يتم إدراج شركاء إضافيين على لايغو.