هل اكتشاف الأمواج الثقالية سيحدث ثورة جديدة في عالم الفيزياء؟!

انفجار ضوئي مفاجئ يحدث في السماء بعد تصادم ثقبين أسودين (black holes). هل هو مجرد مصادفة كونية أم أنّه سيدفع الفيزيائيين لإعادة التفكير بما قد تفعله الثقوب السوداء؟

في 14 أيلول/سبتمبر عام 2015، في الوقت نفسه الذي التقط فيه زوج من أجهزة كشف الأمواج الثقالية المترامية صوتَ اللحظة الأخيرة من تصادم ثقبين أسودين، تمّ رصد حالة أكثر تحييراً. فقد سجل تلسكوب الفضاء فيرمي العاملُ في مجال الأشعة غاما (FermiGamma-Ray) الذي يُحلّق على ارتفاع 500 كيلومترٍ فوق سطح الأرض، انفجاراً عابراً لأشعة غاما على شكل طاقة عالية من الضوء، لكن الإشارة كانت طفيفة إلى درجة أن علماء ناسا المسؤولين عن الأقمار الصناعية لم يلاحظوها في البداية.

في هذه المحاكاة الحاسوبية، ينهار نجم فائق الكتلة يدور بسرعة كبيرة مشكلاً ثقبين أسودين  يقومان بالاندماج فيما بعد ليشكلا ثقباً واحداً. تمّ استخدام طريقة مشابهة لهذه لشرح كيف أن اصطدام الثقوب السوداء قد يؤدي إلى انفجار أشعة غاما.

كيف بدأ مشروع مرصد LIGO؟

واحد من الأجهزة الثنائية لمشروع LIGO الممتد عبر الصحراء بالقرب من هانفورد - واشنطن، وتمتد كل ذراع على طول 4 كيلومترات، بشكلٍ متعامد فيما بينهما. تحوي زاوية التقاء الذراعين على أبنية الدعم والمخابر التي تملك المعدات الإلكترونية والبصرية المسؤولة عن إطلاق حزم الأشعة الليزرية جيئةً وذهاباً داخل الذراعين لتتداخل هذه الحزم مع الإشارات المتناهية في الصغر الناتجة عن الأمواج الثقالية. حقوق الصورة: LIGO.
واحد من الأجهزة الثنائية لمشروع LIGO الممتد عبر الصحراء بالقرب من هانفورد - واشنطن، وتمتد كل ذراع على طول 4 كيلومترات، بشكلٍ متعامد فيما بينهما. تحوي زاوية التقاء الذراعين على أبنية الدعم والمخابر التي تملك المعدات الإلكترونية والبصرية المسؤولة عن إطلاق حزم الأشعة الليزرية جيئةً وذهاباً داخل الذراعين لتتداخل هذه الحزم مع الإشارات المتناهية في الصغر الناتجة عن الأمواج الثقالية. حقوق الصورة: LIGO.

 

بُني مرصد مقياس التداخل للأمواج الثقالية (the Laser Interferometer Gravitational-Wave Observatory) أو اختصاراً (LIGO) للكشف عن التموّجات في نسيج الفضاء نفسه التي تنبأ بها أينشتاين عام 1916، والتي تُسمّى الأمواج الثقالية (gravitational waves)، حيث يُعدّ هذا المشروع الأكثر طموحاً بتمويل من مؤسسة العلوم الوطنية National Science Foundation. يتكون LIGO من مقياسَيْن للتداخل على شكل حرف L مع ذراعين طويلين بطول 4 كيلومترات، عُلِّق على نهايتيهما مرايا تُقاس حركتها بحدود واحد بالألف من قطر البروتون.

من يريد الرّهان ضد آينشتاين؟ أنت؟ أو أنت؟ أو ربما أنت؟


بالطبع كان هناك القليل من العقبات، لكن سجل الرجل في النسبية ناصع، فقد فسر الطريقة الغريبة التي يدور بها عطارد حول الشمس، وخمن أن علماء الفلك سيشهدون انحراف ضوء النجوم بفعل جاذبية الشمس خلال الكسوف الشمسي. كما توقع أن الجاذبية سوف تسبب انزياح الضوء نحو القطاع الأحمر من الطيف المعروف بالانزياح نحو الأحمر (redshift)، الأمر الذي استغرق علماء الفيزياء 50 عاماً للتوصل -أخيراً- إلى تجربة للتحقق منه. 

بناءاً على توقعاته، أكد العلماء أن المجرات تحني الضوء بواسطة جاذبيتها، وأن الفوتونات تختبر التمدُّد الزمني عندما تمر بالقرب من الشمس، بالإضافة إلى أن الساعات التي تتحرك بسرعات عالية تختبر وقتاً أقل من الساعات على الأرض. 

بل حتى أنهم فحصوا الانزياح الثقالي نحو الأحمر، وتباطؤ الإطار المرجعي، ومبدأ التكافؤ. وهو خليط من الكلمات التي سوف نوضحها مستقبلاً، أو -لأولئك الذين لا يستطيعون الانتظار- ابحثوا عنها بواسطة جوجل.

هل تم بالفعل رصد الأمواج الثقالية؟


أظهرت مُعادلات أينشتاين أن الأمواج الثقالية هي نتيجة لتسارع حركة الأجسام فائقة الكتلة (المقصود هنا تلك الظواهر التي تؤدي إلى نتائجَ كارثيةٍ ودراماتيكيةٍ، كانفجارات السوبرنوفا (المستعر الأعظم) واندماجِ الثقوبِ السوداءِ، وهي التي تُنتج أقوى الموجات الثقالية). تشع هذه التشوهات الموجودة في الزمكان إلى الخارج بسرعة مُماثلة لسرعة الضَّوء. 

مرصد لايغو عبارة عن مَجموعة تتألف من اثنين من أجهزة الرصد المتطابقة ذات الحَساسية العالية. بنى الباحثون هذه الأجهزة في كل من ليفينغستون بولاية لويزيانا وهانفورد بولاية واشنطن لرصد الحركاتِ الصغيرة في الزمكان التي تصل إلى الأرض، والتي تتسبب بها الأمواج الثقالية.

ما هي الأمواج الثقالية؟


الأمواج الثقالية هي انحناءات في نسيج الكون، وقد تم التنبؤ بها منذ وقت طويل لكن لم يرها أحد بشكل مباشر.

شبه ألبرت أينشتاين شكل الكون بالنسيج المفرد المأخوذ من المكان والزمان. وبحسب نظرية النسبية العامة الخاصة به، فإن قوة الجاذبية ناتجة عن الانحناء في هذا الزمكان، والأمواج الثقالية عبارة عن تموجات فيه، تنشأ نتيجة لتصادم الأجسام الضخمة مثل الثقوب السوداء.


كيف كانت ردة فعل هوكينج بعد اكتشاف الأمواج الثقالية؟


سارع عالم الفيزياء البريطاني المختص بنظريات الثقوب السوداء ستيفن هوكينج Stephen Hawking إلى تهنئة فريق الباحثين بقيادة الولايات المتحدة الأميركية، وذلك عقِب الإعلان عن اكتشاف مرصد قياس التداخل للأمواج الثقالية لايغو (LIGO) كأول أثر مباشر للأمواج الثقالية. هذا وعبّر هوكينج عن بالغ سعادته وسروره بمناسبة هذا الحدث العلمي التاريخي.

وفي معرض تعليقه على هذا الأمر، قال هوكينج خلال مقابلة مع قناة BBC: "تؤكد هذه النتائج العديد من التنبؤات الهامة التي تضمنتها النظرية النسبية العامة لأينشتاين. ولعل أبرز ما جاءت به هو تأكيد وجود الأمواج الثقالية (gravitational waves) عبر رصدها بشكل مباشر".


 مشاهدة مقابلة ستيفن هوكينج مع قناة الـ BBC


يُعتبر الاكتشاف المباشر لوجود هذه التموجات في الزمكان أمراً في غاية الأهمية. فبالإضافة إلى تأكيد صحة النظرية النسبية العامة لأينشتاين، سيمنحنا هذا الاكتشاف فرصة رؤية الكون "المظلم" أو المجهول لأول مرة.

تعود شهرة هوكينج الكبيرة ربما إلى أبحاثه التي جمع فيها بين نظرية الكم وبين خصائص الثقوب السوداء، حيث أدرك أن الثقوب السوداء تتبخر مع مرور الوقت، مما جعله يوجه أبحاثه إلى مفارقة الجدار الناري (Firewall Paradox)، والتي لا زالت إلى الآن تثير الكثير من الجدل في أوساط الفيزياء النظرية.

الأمواج الثقالية المكتشفة ناجمة عن ثقبين أسودين متصادمين


أكدت تجربة LIGO ما تنبَّأ به أينشتاين بوجود تموجات في الزمكان وتعِدُ ببدء عصرٍ جديدٍ في الفيزياء الفلكية.


كيف يعمل مرصد  ليغو LIGO
كيف يعمل مرصد ليغو LIGO


قبل حوالي 1.3 بليون سنة دار ثقبان أسودان حول بعضهما، وظلا يقتربان من بعضهما حتى تحطَّما بانفجارٍ له هيجان شديد. يحمل كلُّ ثقبٍ أسود منهما كتلةً تصل إلى 30 ضعف كتلة الشمس، في حجمٍ ضئيل، وتصادما مواجهةً وهما يقتربان من بعضهما بسرعةٍ تُقارب سرعة الضوء. قوة الاندماج الهائلة ولَّدت ثقبًا أسودَ جديدًا فنشأ حقلٌ ثقالي من الشدَّة بحيث أنه شوَّه الزمكان وولد موجاتٍ انتشرت عبر المكان حاملةً قوة تفوق خمسين ضعفًا تقريبًا جميع النجوم البرَّاقة والمجرات المتوهجة المشاهدة في كوننا المرصود.

 

والمثير للدهشة أن العلماء يعتقدون أن مثل هذه الأحداث كثيرة الوقوع في الفضاء، لكن هذا التصادم كان الأول الذي يُرصد وتُلتقط موجاته. لقد أعلن العلماء في مرصد الأمواج الثقالية بمقياس التداخل الليزري Laser Interferometer Gravitational-Wave Observatory والمعروف اختصارًا باسم LIGO في الحادي عشر من شباط/فبراير من العام الحالي في مؤتمرٍ صحفي في العاصمة الأمريكية واشنطن أن نصف قرنٍ من البحث عن الأمواج الثقالية قد وصل أخيرًا إلى مبتغاه.


الكشف عن الموجات الثقالية للمرة الثانية!


بعد أربعة أشهر فقط من اكتشاف الموجات الثقالية، أعلن فريق أسترالي عن تحقيق إنجاز ثانٍ، إذ تمكّنوا فعلياً من رصد موجاتٍ ثقالية بشكل مباشر حيث أفادوا أن هذه الموجات نتجت عن اصطدام ثقبين أسودين يفوق حجمهما حجم شمسنا بحوالي 14 مرة.

في 26 كانون أول/ديسمبر 2015، تمكّن باحثون أستراليون من إلقاء نظرة خاطفة على دوران ثقبين أسودين حول بعضهما 27 مرة في الثانية الأخيرة لهما قبل اصطدامهما ببعضهما، وقد كانت الإشارة الناتجة عن الانفجار أطول بعشرِ مراتٍ من إشارة الموجة الثقالية الأولى التي رُصدت سابقاً، الأمر الذي مكّن الفريق أخيراً من تحليلها.

أظهرت التحليلات أن هذا الاصطدام حدث فعلياً قبل 1.4 مليار سنة، في مجرة بعيدة جداً، ولكن موجات الصدمة الناجمة عنه وصلتنا للتوّ!

الأعجوبة الهندسية "لايغو" بطل رصد الموجة الثقالية


وفقاً لتعريف ميثاق مختبر "لايغو" (LIGO) (مرصد الليزر لقياس التداخل في الموجات الثقالية)، فإن مهمة لايغو هي فتح مجال الفيزياء الفلكية "للموجة الثقالية "(gravitational wave) من خلال الرصد المباشر لهذه الموجات.

تستخدم كواشف لايغو "التداخل الليزري" (laser interferometry) لقياس تشوهات الزمكان بين الكتل المعلقة الثابتة والناتجة عن مرور الموجات الثقالية. ولايغو هو مرفق وطني لأبحاث الموجة الثقالية، يوفر الفرص للمجتمع العلمي حول العالم للمشاركة في تطوير الكاشف والمرصودات وتحليل البيانات.


اكتمل بناء كاشفي لايغو الأصليين للموجة الثقالية في العام 1999. وبدأ أول بحث عن الموجات الثقالية في العام 2002، واختتمَ في العام 2010، وفي أثناء هذه الفترة لم تُكتشف أي موجات ثقالية. بيد أن هذه الخبرة أفادت كثيراً في التحضير للمرحلة الثانية من بحث لايغو عن الموجات الثقالية.

الأمواج الثقالية وموجات الجاذبية ... ما الفرق؟


حسناً، يبدو الأمر وكأننا سنتحدث كثيراً عن الأمواج الثقالية (gravitational waves) خلال الأيام القادمة، لكن لماذا لا يمكننا تسميتها بموجات الجاذبية؟ (gravity waves). في عالم وسائل التواصل الاجتماعي الذي نعيشه يعتبر الاختصار هو مفتاح الحل، يبدو أن عملية اقتصاص الثقالي gravitational إلى الجاذبية gravity ليس بالأمر المهم، إنه يختصر ستة أحرف كي نحصل على تغريدة أكثر اختصاراً.

 

حسناً، النتيجة هي أن الجاذبية مسؤولة عن كل من الأمواج الثقالية وموجات الجاذبية، لكنهما تمتلكان خصائص مختلفة للغاية لا ينبغي الخلط بينها.

إمسح وإقرأ

المصادر

شارك

المصطلحات
  • الأمواج الثقالية (gravitational waves): عبارة عن تموجات في الزمكان، نشأت عن حركة الأجسام في الكون. أكثر المصادر التي تُنتج مثل هذه الأمواج، هي النجوم النترونية الدوارة، والثقوب السوداء الموجودة خلال عمليات الاندماج، والنجوم المنهارة. يُعتقد أيضاً بأن الأمواج الثقالية نتجت أيضاً عن الانفجار العظيم. المصدر: ناسا
  • قياس التداخل (Interferometry): التداخل: يعود أصل هذه الكلمة بشكلٍ أساسي إلى ظاهرة تداخل فيزو المسماة نسبةً إلى عالم الفيزياء الفرنسي هيبوليت فيزو (Hippolyte Fizeau) الذي اقترح استخدام التداخل لقياس أحجام النجوم. الفكرة بسيطة جداً: خذ الضوء القادم إلى جميع تلسكوباتك وقم بإسقاط هذه الأضواء على سلسلة من المرايا المرتبة بشكلٍ جيد بحيث تكون جميعها موجودة في نفس مستوي الصورة وكأن المرايا جزء من مرآة وحيدة ضخمة. إذا ما تمَّ القيام بذلك بطريقة تسمح بوصول أضواء التلسكوبات المختلفة إلى نفس مستوي الصورة وفي الوقت ذاته، تُنتج حزمة أضواء التلسكوبات هذه تابع الانتشار النقطي (PSF) الذي يُمثل تحويل فورييه لفتحات التلسكوبات مجتمعةً. وباختصار هي تقنية يستخدمها علماء الفلك للحصول على دقة تلسكوب عملاق بالاعتماد على مجموعة من التلسكوبات الصغيرة.
  • مقياس التداخل (interferometer): عبارة عن أداة تقوم بقياس التداخل (Interferometry)
  • الجاذبية (gravity): قوة جذب فيزيائي متبادلة بين جسمين.

المساهمون


اترك تعليقاً () تعليقات