الكشف عن الأمواج الثقالية أصبح ممكناً في غضون خمس سنوات

بُني مرصد مقياس التداخل للأمواج الثقالية (the Laser Interferometer Gravitational-Wave Observatory) أو اختصاراً (LIGO) للكشف عن التموّجات في نسيج الفضاء نفسه التي تنبأ بها أينشتاين عام 1916، والتي تُسمّى الأمواج الثقالية (gravitational waves)، حيث يُعدّ هذا المشروع الأكثر طموحاً بتمويل من مؤسسة العلوم الوطنية National Science Foundation. يتكون LIGO من مقياسَيْن للتداخل على شكل حرف L مع ذراعين طويلين بطول 4 كيلومترات، عُلِّق على نهايتيهما مرايا تُقاس حركتها بحدود واحد بالألف من قطر البروتون.
 

 

وصول خزانات التفريغ إلى هانفورد في أغسطس/آب 1997، حقوق الصورة: LIGO. Credit: LIGO.
وصول خزانات التفريغ إلى هانفورد في أغسطس/آب 1997، حقوق الصورة: LIGO. Credit: LIGO.

يُدار هذا المشروع بشكل مشترك بين معهد كاليفورنيا للتكنولوجيا Caltech ومعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا MIT، وقد تم تقديم المشروع للعمل بشكلٍ أولي عام 2001، أما الجيل الثاني قد قُدّم بتاريخ 19 مايو/أيار. 

 

 

 

ولمعرفة كيف بدأ مشروع LIGO قمنا بمحاورة كل من:


  •  باري باريش Barry Barish أستاذ الفيزياء الفخري من معهد رولاند وماكسين ليند Roland and Maxine Linde، وباحث رئيسي لمرصد LIGO من عام 1994 وحتى عام 1997، ومديراً للمشروع من عام 1997 إلى 2006.
     
  •  ستان وايتكومب Stan Whitcomb حاصل على بكالوريوس في العلوم عام 1973، وكان أستاذاً مساعداً في الفيزياء في معهد كاليفورنيا للتكنولوجيا في الفترة الممتدة من عام 1980 وحتى عام 1985. وبعدها عاد للحرم الجامعي كعضو في الطاقم المهني عام 1991، وقد خدم مرصد LIGO في جوانب عديدة.


س: كيف بدأ مشروع مرصد LIGO؟


باريش: لم يعتقد أينشتاين أبداً أنه من الممكن الكشف عن الأمواج الثقالية، لأن قوة الجاذبية ضعيفة. لكن في الستينيات حوَّل جوزيف ويبر Joseph Weber من جامعة ميرلاند Maryland طناً مترياً من الألمنيوم إلى قضيب طوله 153 سم، اهتز القضيب بشكل طبيعي عند تردد مقداره 1000 هرتز. ومن المتوقع للسوبرنوفا المنهار أن يُنتج أمواجاً ثقالية بنفس التردد، ففي حال عبور أمواج بترددات مماثلة للقضيب فإن طنين هذا القضيب قد يضخّمها كفاية لتصبح قابلةً للقياس. كانت فكرة برّاقة، وهيّئت المشروع تجريبياً. تعتمد الإشارة التي ستراها على حجم الكاشف، والمشكلة أنه لا يمكنك جعل الشريط فيه أكبر من ذلك.

بدأ رون دريفر Ron Drever أستاذ الفيزياء الفخري الذي قمنا بتعيينه من جامعة غلاسكو Glasgow، العملَ على الكواشف ذات الشريط (bar detectors) ، لكن عندما قمنا بتعيينه قام هو ورينر فايس Rainer Weiss من معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، كلٌ على حدة، بتطوير كاشف لمقياس التداخل، وهي فكرة اقترحها أساتذة أخرون سابقاً.


نربط عادةً مرايا مقياس التداخل في الأسفل بإحكام مما يحافظ على اتّساقها، لكن مرايا مشروع LIGO عليها أن تكون حرةً في التأرجح، مما يسمح للأمواج الثقالية بتحريكها. مع العلم أنه من الصعب جداً أن نُراعي الدقة الشديدة مع أجسامٍ كبيرة الكتلة، تستطيع الحركة بسلاسة.

وايتكومب: بالرغم من أن الكواشف ذات الشريط كانت إلى حد بعيد التكنولوجيا الأكثر حساسية في ذلك الوقت، إلا أنها تحتاج إلى جُهدٍ كبير لبلوغ درجة الحساسية القصوى المطلوبة. وقد كان لـ كيب ثورن Kip Thorne دورٌ فعّال في جعل معهد كاليفورنيا للتكنولوجيا يتقدم في مجال تكنولوجيا مقاييس التداخل ومحاولة إبقائها مستمرة.

بنى فريق رون في غلاسكو مقياساً للتداخل بطول 10 أمتار، وهو الحيز الذي كان متاحاً لديهم. أما نحن فقمنا ببناء نسخة بطول 40 متراً تعتمد بشكلٍ كبير على تصاميمهم، لكننا نحاول تطويرها قدر الإمكان. في هذه الأيام نقوم بالعمل على ليزرات الأرجون المؤيّن (argon-ion lasers) والمتوفرة بشكل أفضل، لكنها الأكثر مشاكسةً، فمياه تبريدها تُنتج كميات كبيرة من الضجيج للنظام، مما يجعل من الصعب الوصول إلى الحساسية التي نحتاجها. 

نقوم أيضاً بتطوير أنظمة التحكم، التي يجب أن تعمل هذه الأيام وفق الإلكترونيات التماثلية. ولدينا البعض من المرايا الفائقة (supermirrors) التي كانت تُستخدم في التقنيات العسكرية، والتي صرنا قادرين على استخدامها للأغراض العلمية. وكلما كانت أذرع مقياس التداخل أطول، كلما قلّ مقدار الإزاحة التي تستطيع قياسها، والطول الفعال هو المسافة التراكمية التي يقطعها الضوء. جعلنا الضوء يرتد ذهاباً وإياباً مئات المرات، جاعلين مقدار التداخل بشكل أساسي بطول عدة آلاف من الكيلومترات.


س: متى بدأ التعاون الرسمي مع معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا؟


باريش: أدار كل من فايس و دريفر مشاريعهما في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا ومعهد كاليفورنيا للتكنولوجيا على التوالي، حتى قام روبي فوغوت Robbie Vogt الأستاذ الفخري في الفيزياء في جامعة آر ستانتون أفيري R. Stanton Avery وعميد معهد كاليفورنيا للتكنولوجيا بإحضارهما للعمل معاً. كانت لديهما طرق مختلفة لاستكشاف العالم، لكن روبي بطريقة أو بأخرى حصل على ما يحتاج من كل منهما.


بحلول فبراير/شباط لعام 1998، رُكبت معدات التفريغ على شكل حرف L، ويأوي الخزان المركزي العمودي على مقسم الأشعة. يمتد الجانب الأيمن لأنابيب الأشعة نحو الصحراء، حقوق الصورة: LIGO. Credit: LIGO.
بحلول فبراير/شباط لعام 1998، رُكبت معدات التفريغ على شكل حرف L، ويأوي الخزان المركزي العمودي على مقسم الأشعة. يمتد الجانب الأيمن لأنابيب الأشعة نحو الصحراء، حقوق الصورة: LIGO. Credit: LIGO.

قاد روبي الاقتراح الذي تم تقديمه للمؤسسة الوطنية للعلوم في عام 1989، والذي كان عبارة عن مجلدين يحويان ما يُقارب 300 صفحة من الوثائق المتضمنة للأسس المطلوبة وهي: الأفكار الرئيسية، والتقنيات، والمفاهيم المُستخدمة في مشروع LIGO اليوم. هناك الكثير من التفاصيل مختلفة، وكثير من الأشياء قد ابتُكِرت، لكن بشكل أساسي الأبعاد ما زالت كما هي تقريباً.

وايتكومب: عندما عُدت في عام 1991 أصبح LIGO مشروعاً مشتركاً بين كل من معهد كاليفورنيا للتكنولوجيا ومعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا بمدير واحد هو روبي فوغت Robbie Vogt وظّف فوغت مجموعة من المهندسين للقيام بعمل التصاميم، كان الكثير منهم يعمل لدى مختبر الدفع النفاث.(JPL) كان مهندس التفريغ لدينا الراحل بود مور Boude Moore يعمل على طريقة لم يسبق لأحد أن قام بها من قبل، وتكمن هذه الطريقة في جعل أنظمة المشروع عالية التفريغ تتخلص من التسرب المنخفض لغاز الهيدروجين من الفولاذ المقاوم للصدأ (stainless steel)، حيث تتسرب ذرات الهيدروجين المُمتصة في المعدن ببطء خلال حياة النظام، لكن قياساتنا دقيقة للغاية بحيث أن الذرات الشاردة التي تصطدم بالمرايا قد تُفسد البيانات. قام بود بعمل بعض التجارب على نطاق واسع نسبياً، معظمها في بناء السنكروترون [1]، لكننا بنينا أيضاً أسطوانة اختبار بطول 80 متراً بالقرب من ميدان كرة القدم التابع لمعهد كاليفورنيا للتكنولوجيا، وراء الصالة الرياضية.

لقد كانت كل من هذه التجارب تتمُّ مجزأة في أماكن مختلفة، لكننا قمنا بها مجتمعةً في جهاز مقياس التداخل الذي يبلغ من الطول 40 متراً. مازلنا نستخدم بشكل كبير الإلكترونيات التماثلية، لكن لدينا نظام تفريغ حديث أعدنا فيه استخدام جميع الأنظمة المعلقة، وأضفنا العديد من المزايا الجديدة للكاشف، وحصلنا على درجة من الحساسية التي كنا سنحتاجها للحجم الكامل لكواشف LIGO ذات الطول البالغ 4 كيلومترات. وفي نفس الوقت من عام 1991، حصلنا على الموافقة على مشروع كامل النطاق.

س: كيف تم اختيار المواقع في كل من هانفورد، وواشنطن، وليفينغستون، ولويزيانا؟


وايتكومب: ترأست لجنة تقييم الموقع مع كبير مهندسي المشروع، بيل ألثوس Bill Althouse وهو عضو في الطاقم المهني، وقمنا بزيارة معظم المواقع المحتملة وقمنا بتقييمها، وأوصينا بمجموعة من أفضل ثنائيات المواقع لمؤسسة العلوم الوطنية، فكان لدينا عدة مجموعات من المعايير.
 

تضمنت المعايير الهندسية مستوى الموقع، ومدى استقراره ضد الصقيع، وطول الطُّرق التي نحتاج لتعبيدها، والتكلفة الإجمالية للبناء. وكان لدينا معايير حول القرب من الناس، ومصادر الضجيج مثل المطارات وسكك القطارات، وبالإضافة لذلك كان لدينا معايير علمية، فعلى سبيل المثال أردنا أن يكون كلا الموقعين بعيدين عن بعضهما داخل الولايات المتحدة بشكل معقول، وأردنا من المشروع أن يعمل بشكل جيد مع كلٍّ من الكاشفين الأوروبيَّين جيو (GEO) في هانوفر- ألمانيا، وفيرغو (Virgo) في توسكانا - إيطاليا، لذلك احتجنا أن نكون قادرين على تقسيم موقع المصدر على شكل أثلاث من السماء، حيث لم نُرِد لمواقع LIGO أن تكون على خط واحد مع بعضها.



س: ما الذي يجعل مشروع LIGO المتقدم أكثر حساسيةً؟


باريش: حسناً..الأمر معقد. معظم تجارب الفيزياء الحساسة كانت محصورة بسبب بعض مصادر الضجيج في الخلفية، لذلك عليك التركيز على هذا الشيء ومحاولة التغلب عليه. لكن LIGO لديه ثلاثة قيود، فنحن نبحث عن الأمواج الثقالية ضمن مجال من الترددات يتراوح ما بين 10 هيرتز إلى 10 كيلوهيرتز، وكوكبنا يعج بالضجيج زلزالياً بشكلٍ كبير، لذلك علينا أن نعزل أنفسنا عن الاهتزاز في المجال الترددي من 10 هيرتز إلى 10 كيلوهيرتز، وعند ترددات عالية جداً علينا أخذ العينات بسرعة كافية لرؤية الإشارة، لذلك كنا محصورين باستطاعة الليزر التي تحدد عدد الفوتونات الداخلة في العينة في وقت قصير. وفي الترددات المتوسطة نحن مقيَّدون بما يسمى الضجيج الحراري (thermal noise) ، حيث تتحرك الذرات في المرايا بشكل غير منتظم، وهكذا دواليك.


مرايا ذات سماكة 4 إنش، وقطر 10 إنش، التي تتوضع عند نهايات أنابيب الأشعة، حتى تعكس ضوء الليزر. تُغطى هذه المرايا المصقولة بحوالي 35 طبقة من العوازل البنفسجية اللون، وقد تم تصميم هذه الطبقات لتحقيق انعكاسية وناقلية للأطوال الموجية للضوء المستخدمة في LIGO، حقوق الصورة: LIGO.
مرايا ذات سماكة 4 إنش، وقطر 10 إنش، التي تتوضع عند نهايات أنابيب الأشعة، حتى تعكس ضوء الليزر. تُغطى هذه المرايا المصقولة بحوالي 35 طبقة من العوازل البنفسجية اللون، وقد تم تصميم هذه الطبقات لتحقيق انعكاسية وناقلية للأطوال الموجية للضوء المستخدمة في LIGO، حقوق الصورة: LIGO.

مشروع LIGO المتقدم لديه ليزر أقوى بكثير للتعامل مع الترددات العالية، ولديه أنظمة عزل أفضل بكثير، بما في ذلك نُظم التغذية الراجعة الفعّالة. ولدينا كتل اختبار ضخمة مع طلاء مرايا أفضل لتقليل أثر الخلفية الحرارية. كل هذه التحسينات كانت في اقتراح عام 1989، والتي دعت إلى بناء مشروع LIGO الأساسي مع تقنيات محسنة تم اختبار معظمها هنا في الحرم الجامعي في النموذج الأولي ذو الأربعين متراً، تبعها المشروع المتقدم الذي بُني بتقنيات اختُبرت في نموذج المشروع الأولي الذي قمنا بتشغيله. ونحن نستخدم الآن مختبر الأربعين متراً لتطوير واختبار الجولة القادمة من التحديثات.

 


س: برأيك، ما مدى قربنا من الكشف؟


واحد من الأجهزة الثنائية لمشروع LIGO الممتد عبر الصحراء بالقرب من هانفورد - واشنطن، وتمتد كل ذراع على طول 4 كيلومترات، بشكلٍ متعامد فيما بينهما. تحوي زاوية التقاء الذراعين على أبنية الدعم والمخابر التي تملك المعدات الإلكترونية والبصرية المسؤولة عن إطلاق حزم الأشعة الليزرية جيئةً وذهاباً داخل الذراعين لتتداخل هذه الحزم مع الإشارات المتناهية في الصغر الناتجة عن الأمواج الثقالية. حقوق الصورة: LIGO.
واحد من الأجهزة الثنائية لمشروع LIGO الممتد عبر الصحراء بالقرب من هانفورد - واشنطن، وتمتد كل ذراع على طول 4 كيلومترات، بشكلٍ متعامد فيما بينهما. تحوي زاوية التقاء الذراعين على أبنية الدعم والمخابر التي تملك المعدات الإلكترونية والبصرية المسؤولة عن إطلاق حزم الأشعة الليزرية جيئةً وذهاباً داخل الذراعين لتتداخل هذه الحزم مع الإشارات المتناهية في الصغر الناتجة عن الأمواج الثقالية. حقوق الصورة: LIGO.

باريش: لقد كنت دائماً مولعاً بأننا سنجدها في عام 2016، الذي يوافق الذكرى المئوية لنظرية أينشتاين، النسخة المحدّثة عن المشروع قد تحتاج من ثلاث إلى خمس سنوات للوصول إلى الحساسية المُصممة، لكننا سنأخذ البيانات باستمرار، لذا فإن إمكانية الكشف ستتزايد باستمرار، وصُمّمت درجة الحساسية لتتحسّن بمُعامل يتراوح بين 10 إلى 20، ومُعامل 10 يزيد احتمالية الكشف بمُعامل 1000. تخبرنا الحساسية بمدى ما نستطيع رؤيته، وللحجم علاقة بمكعب المسافة بحيث يزداد بازديادها.


عندما بدأنا سابقاً في عام 1989، كان بعض الناس مُشكِّكين قليلاً، حيث اعتبروه اندماجاً من نوعٍ ما. وكانوا يتحدثون عن الاندماج، ويعتبرونه حديثاً جداً لدرجة أننا لن نصله حتى انقضاء 50 عاماً. مع LIGO فالمُعتقد الشائع أننا على بعد 10 سنوات من اكتشاف الأمواج الثقالية، لكنّي أود القول أنها لم تعد عشر سنوات بعد الآن، فمن المحتمل أن تكون خمس سنوات فقط.

ملاحظات:



[1] السنكروترون (Synchrotron) هو جهاز يُستخدم في توليد الإلكترونات السريعة، ويُعرف أيضاً باسم مسرّع الإلكترونات التزامني.

إمسح وإقرأ

المصادر

شارك

المصطلحات
  • الأمواج الثقالية (gravitational waves): عبارة عن تموجات في الزمكان، نشأت عن حركة الأجسام في الكون. أكثر المصادر التي تُنتج مثل هذه الأمواج، هي النجوم النترونية الدوارة، والثقوب السوداء الموجودة خلال عمليات الاندماج، والنجوم المنهارة. يُعتقد أيضاً بأن الأمواج الثقالية نتجت أيضاً عن الانفجار العظيم. المصدر: ناسا
  • مقياس التداخل (interferometer): عبارة عن أداة تقوم بقياس التداخل (Interferometry)

المساهمون


اترك تعليقاً () تعليقات