أصبح المهندس الكهربائي الرائد نيكولا تيسلا في ذروة حياته المهنية مهووساً بفكرة ما. لقد افترضَ أن الكهرباء يمكنُ أن تنتقلَ لاسلكياً عبر الهواء على مسافات طويلة إما عبر سلسلة من الأبراج ذات المواقع الاستراتيجية، أو التنقل عبر نظام من البالونات المُعلقة.
لم تسرِ الأمور كما هو مخطط لها، ولم تتحققْ طموحات تسلا في توفير إمدادات كهربائية عالمية لاسلكية، لكن النظرية نفسها لم يتمْ دحضها فقد كانت تتطلبُ ببساطة قدراً غير عادي من القوة، وكان الكثير منها سيُهدر.
الآن، اقترحت ورقة بحثية أن المهندسين المعماريين لشبكة 5G ربما قاموا عن غير قصد ببناء ما فشل تسلا في بنائه في مطلع القرن العشرين "شبكة طاقة لاسلكية" يمكن استخدامها لشحن أو تشغيل الأجهزة الصغيرة المُدمَجة في السيارات والمنازل وأماكن العمل والمصانع.
نظراً لأن 5G تعتمد على شبكة كثيفة من الصواري، وسلسلة قوية من الهوائي، فمن المُحتمَل أن نفس البنية التحتية مع بعض التعديلات يمكنها إرسال الطاقة إلى الأجهزة الصغيرة، لكن ناقل الحركة سيظلُ يعاني من العيب الرئيسي لأبراج تسلا الذي يتمثل في الهدر الكبير للطاقة، والذي قد يكون من الصعب تبريره نظراً لإلحاح أزمة المناخ.
شبكات 5G
منذ عقود تمَّ اكتشاف أن حزمة الراديو المُركزَة بإحكام يمكنها نقل الطاقة عبر مسافات كبيرة نسبياً دون استخدام سلك لحمل الشحنة حيث تُستخدَم نفس التقنية الآن في شبكة 5G (أحدث جيل من التكنولوجيا لإرسال اتصال الإنترنت إلى هاتفك عبر موجات الراديو المنقولة من هوائي محلي).
تهدف تقنية 5G إلى مضاعفة السعة بمقدار 1000 مرة عن الجيل الأخير 4G للسماح لما يصلُ إلى مليون مستخدم بالاتصال لكل كيلومتر مربع مما يجعل تلك اللحظات التي تبحث عن إشارة في المهرجانات الموسيقية أو الأحداث الرياضية شيئًا من الماضي.
لدعم هذه الترقيات تستخدم 5G بعض السحر الهندسي، ويأتي هذا السحر في ثلاثة أجزاء وهي: شبكات كثيفة للغاية مع العديد من الصواري، وتقنية الهوائي الخاصة، وإدراج إرسال الموجة المليمترية (mmWave) جنباً إلى جنب مع النطاقات التقليدية.
آخرها (mmWave) والذي يفتح نطاقاً ترددياً أكبر بكثير على حساب مسافات نقل أقصر.
بالنسبة للسياق تعمل معظم أجهزة توجيه WiFi في نطاق 2 جيجا هرتز. إذا كان جهاز التوجيه الخاص بك يحتوي على خيار 5 جيجاهرتز فستلاحظ أن الأفلام يتم بثها بسلاسة أكبر ولكن عليك أن تكون أقرب إلى جهاز التوجيه الخاص بك حتى يعمل.
قم بزيادة التردد بشكل أكبر (مثل mmWave الذي يعمل بسرعة 30 جيجاهرتز أو أكثر) وستلاحظ تحسينات أكبر في عرض النطاق الترددي، ولكن عليك أن تكون أقرب إلى المحطة الأساسية للوصول إليها، وهذا هو السبب في أن صواري 5G تكون أكثر كثافة من صواري 4G.
يتمثل الجزء الأخير من السحر الهندسي في إضافة العديد من الهوائيات ما بين 128-1024 مقارنة برقم أصغر بكثير (اثنان فقط في بعض الحالات) لـ 4G.
تسمحُ الهوائيات المتعددة للأعمدة بتشكيل مئات الحزم الشبيهة بالقلم الرصاص والتي تستهدف أجهزة معينة مما يوفر إنترنت فعّال وموثوق به لهاتفك أثناء التنقل.
هذه هي نفس المكونات الخام اللازمة لإنشاء شبكة طاقة لاسلكية.
تعد كثافة الشبكة المتزايدة ذات أهمية خاصة لأنها تفتحُ إمكانية استخدام نطاقات (mmWave) لنقل موجات الراديو المختلفة التي يمكنها نقل كل من اتصال الإنترنت والطاقة الكهربائية.
تجربة قوة 5G
استخدمت التجاربُ أنواعاً جديدة من الهوائي لتسهيل الشحن اللاسلكي. تمكن الباحثون في المختبر من إرسال طاقة 5G على مسافة قصيرة نسبياً تزيد قليلاً عن مترين، لكنهم يتوقعون أن الإصدار المستقبلي من أجهزتهم سيكون قادراً على إرسال 6μW (6 مليون وات) على مسافة 180 مترا.
تستهلك أجهزة إنترنت الأشياء (IoT) الشائعة حوالي 5μW، ولكن فقط عندما تكون في وضع السكون العميق. بالطبع ستتطلبُ أجهزة إنترنت الأشياء طاقة أقل لتعمل كخوارزميات ذكية ويتم تطوير إلكترونيات أكثر كفاءة، ولكن 6 ميكرواوات لا تزالُ كمية صغيرة جداً من الطاقة.
هذا يعني في الوقت الحالي على الأقل أن طاقة 5G اللاسلكية من غير المرجح أن تكون عملية لشحن هاتفك المحمول أثناء ذهابك إلى يومك، ولكن يمكنها شحن أو تشغيل أجهزة إنترنت الأشياء، مثل أجهزة الاستشعار وأجهزة الإنذار، والتي من المتوقع أن تنتشر على نطاق واسع في المستقبل.
على سبيل المثال في المصانع من المُرجَح أن تُستخدَم المئات من مستشعرات إنترنت الأشياء لمراقبة الظروف في المستودعات، أو للتنبؤ بالفشل في الآلات، أو لتتبُع حركة الأجزاء على طول خط الإنتاج. ستشجعُ القدرة على إرسال الطاقة مباشرةً إلى أجهزة إنترنت الأشياء على الانتقال إلى ممارسات تصنيع أكثر كفاءة.
ولكن ستكون هناك تحديات يجب التغلب عليها قبل ذلك الحين لتوفير الطاقة اللاسلكية ستستهلك صواري 5G حوالي 31 كيلو وات من الطاقة أي ما يعادل 10 غلايات تغلي الماء باستمرار.
على الرغم من أن العلماء قد كشفوا زيفَ المخاوف من أن تكنولوجيا الجيل الخامس يمكن أن تسبب السرطان على نطاق واسع، إلا أن هذه الكمية من الطاقة المنبعثة من الصواري قد تكون غير آمنة حيث تشيرُ الحسابات التقريبية إلى أن المستخدمين سيحتاجون إلى أن يكونوا على بعد 16 متراً على الأقل من الصواري للامتثال للوائح السلامة التي وضعتها لجنة الاتصالات الفيدرالية الأمريكية.
ومع ذلك فإن هذه التكنولوجيا في مهدِها، ومن المؤكد أن الأساليب المستقبلية مثل الهوائي الجديد مع حزم أضيق وأكثر استهدافاً يمكن أن تقلل بشكل كبير من الطاقة المطلوبَة والمُهدَرة لكل سارية.
في الوقت الحالي يُذكرُنا النظام المقترح إلى حد ما بــ "Wonkavision" الخيالي في مسرحية تشارلي ومصنع الشوكولاتة لرولد دال، والتي حققت إنجازاً في نقل الحلوى إلى أجهزة التلفزيون، ولكن كان عليها استخدام كتلة ضخمة من الشوكولاتة لإنتاج واحدة أصغر بكثير في نهاية اخرى.
نظراً لأنها ستستهلكُ قدراً كبيراً من الطاقة مقارنةً بالطاقة التي ستوفرها للأجهزة فإن طاقة 5G اللاسلكية في الوقت الحالي تخمينية، ولكن إذا تمكن المهندسون من إيجاد طرق أكثر فاعلية لشعاع الكهرباء عبر الهواء فقد يكون حلم نيكولا تسلا في الطاقة اللاسلكية يتحقق على مدى 100 عام منذ أن فشلت محاولاته.