يمكنك الاستماع إلى المقال عوضاً عن القراءة
دور الإنسان في تكوين الصحراء العربية الكبرى

الإنسان القديم ساعد في تكون أكبر صحاري العالم بحسب دراسة جديدة،  وهو السبب في تغير المناخ منذ 6000 سنة قبل الميلاد.

يبدو من المستحيل أن نتصور كيفية هيمنة المناظر الطبيعية للكثبان الرملية على الصحراء اليوم. قبل بضعة آلاف من السنين، كانت هناك أراضي عشبية شاسعة وتتوزع في أنحائها البحيرات. 

يقترح أحد علماء الآثار اليوم أننا نحن البشر لعبنا دورًا محوريًا في إحداث التغيرات السريعة في البيئة التي تسببت في انخفاض معدل هطول الأمطار، الأمر الذي يوفر لنا رؤية دقيقة حول كيفية التعامل مع تغير المناخ على نطاق واسع في المستقبل. وتوجد تحت أعماق الرمال الصحراوية علامات لأنهار قديمة وآثار لنباتات وحيوانات، تحافظ على ما يذكرنا بالماضي الأكثر اخضرارا في المنطقة. 


ويعود امتداد فترة ما يقرب من 10 آلاف سنة مما يسمى بـ "الفترة الافريقية الرطبة" إلى حد كبير إلى حلقة من الرياح الموسمية التي ضربت القارة، وهي فقط واحدة في عصر من الفترات الرطبة المماثلة التي يعود تاريخها إلى 9 ملايين سنة، والتي تقترح الفرضيات الحالية أنها انتهت مع تغيرات في مدار الأرض.


في حين أن التفكير الحالي يلقي اللوم على "تمايل" 20.000 سنة في محور مدار كوكبنا لإنهاء آخر عصر رطب كبير، ديفيد رايت David Wright من جامعة سيول الوطنية "Seoul National University" غير مقتنع بذلك. 


ويقول: "في شرق آسيا هناك نظريات راسخة منذ زمن طويل حول كيفية تغيير السكان في العصر الحجري الحديث للمشهد بشكل عميق، حيث توقفت الرياح الموسمية عن النفاذ إلى الداخل ولا تزال كذلك حتى اليوم".


وتعد الصحراء الكبرى حاليًا أكبر صحراء في العالم، إذ تستوعب 10 بلدان أفريقية وتمتد على مساحة 9 ملايين كيلومتر مربع (3.5 مليون ميل مربع). يتفاوت متوسط هطول الأمطار، مع تلقي معظم الصحراء أقل من 20 مليمتر (0.799) بوصة سنويًا، ارجع بالزمن حوالي 11.000 سنة، بكل الأحوال كان الطقس مختلفًا إلى حد كبير. 


تقول جيسيكا تيرني Jessica Tierney من جامعة أريزونا "the University of Arizona"، وهي مختصة في علم المناخ القديم والتي قامت بقياس معدل هطول الأمطار على مدى آخر فترات "الصحراء الخضراء" من خلال تحليل الرواسب البحرية التي أُخذت من قبالة ساحل غرب أفريقيا، "كان الطقس أكثر رطوبةً من اليوم بعشرة أضعاف" وتتزامن هذه الفترة الزمنية مع هجرة بشرية جلبت معها الزراعة الى المنطقة. 


وهذا الحال بعد مضي 8000 سنة، مع العلم أنّ الرياح الموسمية قد بدأت في التضاؤل خلال الألف سنة الأولى. يقول تيرني Tierney: "يبدو أنَّ هذه الفترة الجافة التي استمرت 1000 عام تسببت في رحيل السكان. "ما يثير الاهتمام هو أنّ الناس الذين عادوا بعد فترة الجفاف كانوا مُختلفين – أي مع أعداد أكثر من الماشية، وهذه الفترة الجافة تفصل بين حضارتين مختلفتين، سِجلنا يقدِّم خلفية مناخية لهذا التغيير في استيطان الأرض ونمط الحياة في الصحراء الغربية". 


لقد كان تأثير مزارعي المحاصيل العامل الذي غير المناخ في نهاية المطاف من الرطوبة إلى الجفاف. وشملت أبحاثه تحليل الأدلة الأثرية من أول علامات الرعي في منطقة الصحراء ومطابقتها مع غطاء الشجيرات القديمة. وتشير القصة إلى أنّه مع انتشار مجتمعات من البشر، غيروا مكونات المشهد الطبيعي لاستيعاب المحاصيل والماشية، مما تسبب في تغيُّر أنواع النباتات التي غطت الأرض بالنسبة للعينات التي كشفت عنها التربة.


وبينما ارتدت أشعة الشمس عن التربة الأكثر إشراقًا، عملت على تسخين الهواء، وبناء حلقة تغذية مرتدة من شأنها أن تحوّل الظروف الجوية بما فيه الكفاية تحوُّلًا يحد من الأمطار الموسمية المتكررة التي تستفيد منها الشجيرات على حساب المراعي العشبية إلى أن اختفت الأمطار تقريبًا، تاركةً فقط شتاتًا من النباتات الصحراوية القاسية.


إنّها فكرة مثيرة للاهتمام -وهي لا تتعارض بالضرورة مع فرضية 'التمايل'، التي يقترح ديفيد رايت أنّه كان لها تأثير ضئيل منذ حوالي 8200 سنة ولم تكن دائمة. ولكن رايت سيحتاج إلى بناء قضية أقوى لإقناع الباحثين الآخرين بإعادة كتابة الكتب بصفة الدراسية بعد الآن - وهو يخطط حاليًا للبحث عن المزيد من الأدلة لدعم هذه القضية. 


وقال "كانت هناك بحيرات في كل مكان في الصحراء في ذلك الوقت، وسيكون لديهم سجلات عن الغطاء النباتي المتغيّر، كما أنّنا بحاجة إلى البحث عميقًا في هذه البحيرات للحصول على سجلات الغطاء النباتي، والاستعانة بعلم الآثار لرؤية ما فعله الناس هناك". وبما أنَّ قرابة سدس سكان العالم يعيشون في الصحراء، فإن البحث الذي يصف علاقتنا بالنظم الإيكولوجية الرطبة والجافة أمر مهم. من يدري، ربما يومًا ما سنتمكن حتى من ايجاد وسيلة لجعل الصحراء تزهر مرة أخرى.

إمسح وإقرأ

المصادر

شارك

المساهمون


اترك تعليقاً () تعليقات