تلسكوب جديد يتيح للعلماء رؤية مراكز التشكل النجمي للمجرات البعيدة

يعمل علماء الفلك على تقدير معدّل تشكل النجوم في المجرات البعيدة المظلمة، لكن تلك المجرات محاطة بسحب من الغبار، و هو أمرٌ يجعل من دراستها صعبة جداً، لكن البيانات القادمة من أداة جديدة، وفرّت أكثر الصور دقة لما حدث قبل 4 مليارات سنة في المراكز المخبأة "للمجرات البعيدة".

 

نشر فريق دولي، من علماء الفلك بقيادة جامعة ماساشوستس أمهرست مع متعاونين من المركز الوطني للفيزياء الفلكية و البصريات و الالكترونيات (INAOE)، التفاصيل في ورقة علمية أولى مستندين إلى بيانات جمعها تلسكوب ألفونسو سيرانو الميليمتري الكبير (LMT)، و مستقبِله الخاص بقياس الانزياح نحو الأحمر، و يوجد في الفريق أعضاء آخرون من جامعة كاليفورنيا للتكنولوجيا في باسادينا و جامعة نانجينغ من الصين.

 

نُشرت النتائج على الانترنت و ستظهر في إصدار العاشر من ديسمبر من مجلة الفيزياء الفلكيّة.

 

تقول طالبة الدكتوراه و المؤلفة الأولى أليسون كيركباتريك (Allison Kirkpatrick): "يُشبه النظر إلى هذه المجرات، البعيدة و المحاطة بالغبار اللغز، فهناك كميات كبيرة من الغبار تتوهج بسطوع كبير، و لكن من أجل فهم ما يجري داخل المجرة: نريد في البداية أن نعرف ما الذي يُسخّن الغبار"، و تضيف: "الاحتمالان الرئيسيان هما إما النجوم جديدة التشكُل و الأكثر ضخامة و حرارة من النجوم القديمة، أو النوى المجرية النشطة (AGN)، و التي هي عبارة عن ثقب أسود فائق الكتلة و موجود في مركز كل مجرة، فعندما ينمو الثقب الأسود، يقوم بقذف كمية من الطاقة كافية من أجل تسخين الغبار المحيط به".

 

يقول الباحثون بأن اكتشافات الدراسة الجديدة لتلسكوب (LMT) ستساعد في حل الغموض الذي بقي لسنوات حول العلاقة بين الغاز الجزيئي و الغبار المحيط بتلك المجرات، إذ يُمثّل الغاز الجزيئي وقود عملية التشكل النجمي، و تقيس المراقبات الجديدة لتلسكوب LMT كمية الغاز الجزيئي الموجود في كل مجرة، و هذا الأمر بدوره يجعل العلماء يعرفون عدد النجوم التي بمقدور كل مجرة القيام بتشكيلها.

 

من ناحية أخرى يُخبر الضوء القادم من الغبار العلماء عن عدد النجوم التي تشكلت منذ عشرة ملايين سنة إلى مئة مليون سنة مضت، و إذا كان معدّل تشكُل النجوم في المجرة ثابت، ستكون هناك علاقة مميزة بين كمية الغاز الجزيئي و الغبار الدافئ الموجود في المجرة.

 

يقترح العلماء وجود علاقة مختلفة بين الغاز الجزيئي و الغبار في المجرات "المشتعلة نجمياً"، حيث يتشكل عدد كبير جداً من النجوم عبر عملية انفجارية و تحصل خلال فترة زمنية قصيرة جداً، و من المرجّح أن تلك العملية ناتجة عن التصادم مع مجرة أخرى.

 

بعد إزالة مساهمة النوى المجرية النشطة في حرارة الغبار، تقترح النتائج الجديدة نموذجاً تمتلك فيه كل المجرات نفس العلاقة بين الغاز و الغبار، مع عدم وجود علاقة منفصلة تنطبق فقط على المجرات المشتعلة نجمياً، هذا مهمٌ جداً نظراً لصعوبة قياس الغاز الجزيئي مباشرةً، في حين أن قياس انبعاثات الغبار أسهل بكثير.

 

سيتمكن العلماء في حال وُجدت علاقة ثابتة و معلومة بين الغبار و الغاز، من استنتاج خصائص الغاز في المجرة ببساطة و ذلك عبر دراسة انبعاثات الغبار منها.

 

تقول كيركباتريك: "بمقارنة إسهامات الغاز و الغبار، حصلنا على لمحة عن السبب الكامن وراء عملية التشكل النجمي في المجرة، النواة المجرية النشطة الموجودة في مركز المجرة، و الضوء المنبعث من النجوم الجديدة يمتلكان أطياف ضوئية مختلفة، وما قمنا به من أجل حساب ذلك، هو إزالة النواة المجرية النشطة، تاركين ما نعتقد بأنه نموذج أكثر دقة لعملية التشكل النجمي، و هو أمرٌ لم يتم فعله في السابق".

 

تستخدم البروفسور الكسندرا بوب (Alexandra Pope) -المشرفة على كيركباتريك- الضوء المنبعث من المجرات المحاطة بالغبار و اللامعة من أجل دراسة تطورها، و قامت أيضاً بتطوير التقنية المستخدمة في هذه الدراسة لتحديد ضوء النواة المجرية النشطة الموجود في انبعاثات الغبار.

 

تعتقد كيركباتريك و هي خبيرة في نمذجة طاقات الأطياف تحت الحمراء القادمة من المجرات البعيدة جداً، بأن التلسكوب LMT أضاف مصدراً جديداً هاماً للمعلومات حول عملية تشكل النجوم بالإضافة إلى الدراسة التجريبية الحالية لـ 24 مجرة محاطة بالغبار و موجودة في كوكبة التنين و هي جزء من (5MUSES)، و هو المسح الذي يقوده جورج حلو (George Helou) من معهد كاليفورنيا للتكنولوجيا.

 

صُمم التلسكوب LMT بطول يصل إلى 50 متر (164 قدم تقريباً) ليكون الأكبر من نوعه و يكون الأداة ذات الفتحة العدسية الواحدة و الأكثر حساسية من نوعها في العالم، و بدأ هذا التلسكوب مهامه العلمية في العام الماضي كتلسكوب 32.5 متر، و هو موجود على قمة سييرا نيجرا و هي قمة بركان خامد ،موجود في وسط ولاية بويبلا و في أعلى قمة جبلية في المكسيك.

 

التلسكوب LMT أسرع من أي تلسكوب أحادي الهوائي موجود حالياً، و يعمل هذا التلسكوب على كشف الغاز الجزيئي الموجود في المجرة، و تقول كيركباتريك: "إنه مثالي من أجل دراسة المراحل المبكرة من عمر الكون لأنه عند العودة بالزمن إلى الوراء، فإنك تنظر إلى مجرات أكثر خفوتاً، و عليك توجيه التلسكوب نحو تلك المجرات لفترات زمنية أطول. قمنا بجمع الضوء خلال ساعات و هو أمر سيتطلب العديد من الأيام في حال استخدمنا أجهزة أخرى. كانت هذه الدراسة توجيهية و تعتمد على حجم عينات صغير، لكننا نُخطط من أجل استخدام LMT لزيادة حجم العينة و جعل نتائجنا أكثر قوةً".

إمسح وإقرأ

المصادر

شارك

المساهمون


اترك تعليقاً () تعليقات