العلماء يكشفون أسرار الانشطار النووي

انشطار الذرات أبطأ مما كنا نعتقد.


عندما تقذف ذرةً كبيرةً بالنيوترونات، في النهاية سيصطدم نيوترون واحد فقط بالذرة، متسببا في انشطار الذرة إلى ذرتين صغيرتين وبعض النيوترونات الكثيرة، وينطلق بذلك كمٌ كبير من الطاقة. تُعرف عملية انشطار الذرات الكبيرة هذه إلى ذرات صغيرة بالانشطار النووي (nuclear fission)، وإذا حدث واصطدمت النيوترونات بأكثر من ذرة مرارا وتكرارا، فهناك سلسلة من الطاقة التي تعتمد على زاوية الميل خاصتك، بإمكانها مد مدينة بالطاقة أو تحويلها إلى فتات.


نعرف هذا، ولكن كبشر اكتشفنا طرقا عدة للحصول على المزيد والمزيد من الطاقة المدمرة من الانشطار منذ اكتشافه لأول مرة عام 1939، أننا تركنا بَغْتَةً بعض الأسئلة الأساسية حول العملية والتي لم يجاب عنها. على سبيل المثال، كم من الوقت تحديداً تستغرق نواة كبيرة لتنشطر إلى أجزاء صغيرة؟ وفقا لدراسة جديدة، ربما يستغرق ذلك الانشطار وقتا أكثر مما تتوقعه النماذج الحالية بحولي 10 مرات.


لماذا استغرق الأمر وقتا طويلا لمعرفة المقياس الزمني للانشطار؟ لأن الانشطار معقد إلى حد كبير، وذلك لكل من القياس والتنبؤ. لقياس شيء ما، إما أن تنتظر حتى يطلق شيئاً ما في كاشفك، كما يفعلون في مصادم الهادرونات الكبير، وإما أن تطلق شيئا ما كالإلكترون فيه وترى كيفية ارتداد الإلكترون.

 
إن إطلاق الإلكترونات على ذرة كبيرة وغير مستقرة يمكن أن يغير من المدة التي يستغرقها الانشطار -مبعثرا الشيء الذي تحاول قياسه. لذلك عليك أن تجلس وتنتظر لترى ما سيحدث. و لكن المشكلة أننا نتعامل مع الملايين من الذرات ضمن عينة واحدة هنا، لذا فإن معرفة أيّ منها هي التي انفجرت هو أمر شائك ومُعقد -وخاصة عندما تعمل على خط زمني من تريليونات من تريليونات من الثواني.


وهناك طريقة أكثر فعالية لقياس ذلك باستخدام النماذج النظرية والمحاكاة الحاسوبية، ولكنها تبرز تحدياتهم نظراً للمدى الفعلي الذي تحتاجه.


هناك نواة أساسية مع مئات من النيوكليونات (البروتونات والنيوترونات) التي تنشطر لنواتين غير متكافئتين، بالإضافة إلى الفوتونات والنيوترونات التي تطير في اتجاهات عشوائية. حتى لو كنت تحاول التركيز فقط على كيفية تأثير كل نيوكليون والنيوكليونات الأخرى، تميل مهمتك إلى الارتكاز في مكان ما بين الغير معقول والمستحيل، وهذا يتوقف على حجم السبورة أو ثقتكم بأجهزة الكمبيوتر. 


للتعامل مع هذا الكم الهائل من التحديات، تعامل الفيزيائيون مع النواة تقليديا على أنها جسم مفرد مع مجموعة خصائص والتي يبدو أنه يتم تأكيدها بواسطة التجارب. ولكن معاملة مجموعة من الأمور على أنها كيان واحد هو أمر معقد للغاية.


في خضم المعركة يأتي فريق الفيزيائي أوريل بولجاك Aurel Bulgac من جامعة واشنطن. وقرروا محاكاة نواة مع نوع من نهج موحد الذي يعامل النواة ككيان مفرد في حين أنه يتبع طريقة النيوكليونات الفردية التي جعلتها تتفاعل مع بعضها البعض. هذا لم يكن سهلا. 


استخدم الباحثون حوالي 1760 جهاز كمبيوتر (وخاصة وحدات معالجة الرسومات) لحل 56.000 معادلة فردية كل 120.000 لحظة من الزمن -استغرق الأمر لمحاكاة كل ذلك 5 مليار من المليار من الثانية مباشرة بعد أن بدأت ذرة البلوتونيوم في الانشطار، ووجد الباحثون في المحاكاة أن الانشطار استغرق وقتا أكثر من المتوقع بحوالي 10 مرات كما تنبأت النماذج السابقة أن الأمر سيستغرق كل ذلك. 


حسناً، ولكن ماذا لو كان نموذجهم هو الخطأ؟ بعد كل شيء، يعترف الباحثون أن ذلك يحوي قليلا الكثير من الطاقة وهناك عدد قليل جدا من النيوترونات التي قذفت نتيجة لردة الفعل. إضافة إلى ذلك، لم يُصمَّم نموذج لمطابقة أي من تلك النتائج التجريبية. لقد كان مجرد نوع من إثبات صحة مفهوم.


بشكل ملفت، ورغم ذلك، أظهر النموذج مطابقته للنتائج التجريبية على أية حال. في قطعة رائعة من الصراحة العلمية، كتب الفريق: "فاجأتنا جودة ودقة مدى المطابقة مع الملاحظات التجريبية، بما أننا لم نبذل أي مجهود لإعادة إنتاج أي من البيانات المقاسة".


أعطتهم المطابقة الغير متوقعة الثقة الجيدة في دقة معظم نتائجها، بما في ذلك مدة الانشطار. وبمعرفة أن الانشطار قد استغرق وقتا أكثر من المتوقع بحوالي 10 مرات قد لا يحدث ذلك ثورة في الطريقة التي نؤدي بها الأشياء، ولكنها لا تزال مذهلة حيث هناك أسئلة بلا إجابة حول قطعة الفيزياء تلك التي سيطرت على السياسة العالمية لأكثر من 80 عام منذ اكتشافها. 


نشرت هذه الدراسة في Physical Review Letters

إمسح وإقرأ

المصادر

شارك

اترك تعليقاً () تعليقات