الجليد البحري في المحيط المتجمد الشمالي.
حقوق الصورة: ثيو ويلسون، جامعة ليدز
تمكن الباحثون للمرة الأولى من إثبات أن العوالق النباتية (الحياة النباتية) في المناطق النائية في المحيطات يمكن أن تساهم في تكوين أعداد قليلة من الجسيمات التي تُحمل في الجو وتؤدي إلى تكوّن الجليد في السحب. نتائج البحث الذي نشر في مجلة نيتشر Nature أظهرت أن المخلفات العضوية الناتجة عن الحياة البحرية في المحيطات والتي تطرد إلى الجو عبر الرذاذ الناتج من الموجات البحرية المتكسرة تحفّز قطرات السحاب لكي تتجمد وتكوّن جسيمات جليدية. وهذا يؤثر على كيفية حركة السحب وتأثيرها على المناخ العالمي، فهو أمر مهم لتحسين توقعات تغيّر المناخ في المستقبل.
تتكون السحب في الغلاف الجوي للأرض من قطرات الماء السائل، وجسيمات الجليد أو مزيج من الاثنين معاً. تؤثر جسيمات الجليد على مدة بقاء السحابة وكمية المطر أو البرد أو الثلج التي تنتجها. كما أنها تساعد على التحكم في درجة حرارة المناخ من خلال عكسها لأشعة الشمس (مع حفظ درجة حرارة السطح باردة) أو تحبس الحرارة قرب سطح الأرض (حتى تُبقي درجات الحرارة أكثر دفئاً). يتغير المناخ في المناطق القطبية بسرعة أكبر من أي جزء آخر على الأرض، ولكن تبقى التنبؤات عن كيفية تغيره في المستقبل غير مؤكدة. إنّ فهمَنا لعمليةِ تكوّن السحب بشكلٍ أفضل يُعد خطوة هامة تساعد على زيادة موثوقية نماذج المناخ العالمي.
قام فريق دولي من الباحثين بدراسة الحياة البحرية من خلال النظام البيئي الحيوي في المحيط المتجمد الشمالي، وغرب المحيط الأطلسي وشمال المحيط الهادئ عن طريق تجميع المواد البيولوجية باستخدام قارب مُعد للأبحاث ومعدات يدوية لأخذ العينات. وبدمج هذه القياسات المباشرة مع السيناريوهات المختلفة الناتجة عن النمذجة الحاسوبية العالمية للغلاف الجوي، وجد الفريق أن الجسيمات العالقة في الهواء والناتجة من رذاذ البحر كانت الأكثر تأثيراً في المناطق القطبية والمناطق النائية الأخرى في المحيطات.
يقول الدكتور ثيو ويلسون Theo Wilson، المؤلف الرئيسي من جامعة ليدز University of Leeds: "تُولّد الموجات المتكسرة في المحيط كميات كبيرة من رذاذ البحر المحمولة جواً. وبعض جسيمات هذا الرذاذ البحري تحتوي على مواد بيولوجية تعود إلى النظام البيئي للمحيط. لقد اعتقدنا في الماضي أن بعض هذه المواد البيولوجية قد تؤدي إلى تكوّن الجليد في السحب -ما يجعل هذه الجسميات أنوية للجليد (ice nucleating particles" (INPs" في الغلاف الجوي. أما الآن فلدينا دليل واضح على أن المواد البيولوجية البحرية مثل المادة الناضحة من العوالق النباتية قادرة على عمل أنوية جليدية وفعل الأمر ذاته في الغلاف الجوي. وقد يكون لهذا أهمية خاصة في المناطق القطبية".
المؤلف الرئيسي المشارك في البحث الدكتور لويس لادينو Luis Ladino، والذي عمل على هذا المشروع كزميلٍ باحث في جامعة تورنتو University of Toronto، وهو حالياً زميل زائر في مركز أبحاث العلوم الطبيعية والهندسة NSERC في هيئة البيئة الكندية يقول: "تَحقق الفريق أيضاً في المختبر من أشكال محددة للحياة البحرية وذلك من أجل معرفة المزيد عن المواد التي احتوتها العينات. لقد وجدنا أن أصنافاً محددة من الطحالب algae (تدعى Thalassiosira psuedonana، وهي صنف شائع من العوالق النباتية) تفرز موادَّ عضوية قادرة على تشكيل نواة للجليد مثل جسيمات INPs التي وجدت في البحر. ولذلك نعتقد أن أنواعاً أخرى كالعوالق النباتية ربما تكون مسؤولة عن إنتاج INPs التي وجدناها في الرذاذ المتشكل من مياه المحيطات".
يقول المؤلف المشارك الدكتور بنيامين موراي Benjamin Murray من جامعة ليدز: "إنّ فهم مصادر ومصير والانتشار العالمي للجسيمات التي تُكوّن الجليد في السحب، يعد مطلوباً، ليس فقط لتحسين نماذج الطقس لدينا، ولكن أيضا لزيادة ثقتنا في تنبؤات نموذج المناخ لِما سيحدث خلال القرون القادمة. إنه من المهم فهم من أين تأتي INPs للتنبؤ بالمناخ المستقبلي. وعلى سبيل المثال، كلما تقلص الغطاء الجليدي القطبي (وحيث أننا نتجه نحو رقم قياسي آخر لنقص الغطاء الجليدي في القطب الشمالي في وقت لاحق من هذا الشهر) سيكون هناك محيطٌ أكثر انفتاحاً والذي تصدر عنه هذه الجسيمات، وهذا المصدر البحري من INPs قد يصبح أكثر أهمية".