يمكنك الاستماع إلى المقال عوضاً عن القراءة
المنظور: لم لا تبدو أشعة الشمس متوازية؟

منذ مدةٍ ليست بطويلةٍ دخلتُ في نقاشٍ حادٍّ على الإنترنت مع أحد الأشخاص الذين يؤمنون بنظرية الأرض المسطحة وطرح حديثًا لم أسمع به من قبل، إذ أصرّ على أنّ الشمس لا تبعد عن الأرض إلا بضع مئاتٍ من الأميال، وأنّ ذلك يمكن إثباته بتحليلٍ رياضيٍّ بسيطٍ لأشعّة الشمس فقط، ويتمّ ذلك بقياس الزاوية الظاهرة بين أشعة الشمس التي تصل إلى الجوانب المتقابلة لوادٍ معلوم الاتساع، حيث يمكن اقتفاء أثرها واستخدام علم الهندسة لحساب البعد المفترض لمصدرها.

 

أودّ مشاركتكم بهذه الطرفة لأنها تذكيرٌ رائعٌ لنا بأهمية كون التعليم متشعّبًا وشاملًا، فمن تلقّى تدريبًا في الفنون البصرية يجب ألّا يفوته الخطأ الذي ارتكبه هذا الشخصُ.
 
تسلّل أشعة من الشمس عبر ظُلّة غابة مُشتّتةً شذرات السحاب لتبدو مرئية
تسلّل أشعة من الشمس عبر ظُلّة غابة مُشتّتةً شذرات السحاب لتبدو مرئية
 
فلندقّق في الصورة أعلاه، المسافة بين أعلى شعاعٍ يمكن رؤيته، لحظة مروره عبر الشجرة الضخمة في الجانب الأيسر الصورة، والأرض نحو أربعين قدمًا كحدٍّ أقصى. هنا لا نحتاج لأرقامٍ شديدة الدقة، وستعرف السبب خلال لحظات.
 
والآن لننظر للزاوية الواضحة بين شعاع الشمس هذا وذاك الذي يصل للأرض في قاعدة تلك الشجرة، فإن وضعت زاوية ورقة على شاشتك سترى أنَّ البُعد بين هذين الشعاعين قريبٌ من الزاويةِ القائمة (90°)!
 
من الواضح أنّ شيئًا ما غير صحيحٍ هنا، فإن قمنا بالحساب باعتبار أنّ الشجرة وترٌ لمثلثٍ قائمٍ طوله 40 قدمًا، سنجد بحسب نظرية فيثاغورس أنّ الشمس تقبع في أيكة الأشجار هذه شأنها شأن المصوِّر.
 
هناك شيءٌ غير صحيح، فوفقًا لحساباتي يُفترض أن أحترق
هناك شيءٌ غير صحيح، فوفقًا لحساباتي يُفترض أن أحترق
 
بالاعتماد على المشهد الذي تحلّله بهذه الطريقة ستجد أن الشمس تبعد بمقدار رمية حجرٍ عنّا، أو بضعة آلافٍ من الأميال، وكلّ رقمٍ تحصل عليه سيكون خاطئًا كسابقه. ثمّة حقيقةٌ تتعلمها في العديد من صفوف الفيزياء التمهيدية: "كلّ فوتون يصل الأرض من الشمس يتّجه موازيًا بشكلٍ تام تقريبًا لكلّ الفوتونات الأخرى". ويُعزى ذلك جزئيًا لحجم الشمس، لكن بشكلٍ أكبر للبعد بين الأرض والشمس، فإن كان البعد بين فوتونين ولو جزءًا من الدرجة في بداية مسارهما، سيصبح مساويًا أضعاف اتّساع الأرض بعد أن يكونا قد قطعا الـ 92 مليون ميلٍ التي تبعدها الشمس عن نصف قطر الأرض. لذا قد لا يفاجئنا أنّ شخصًا ذي تفكيرٍ بعيد المدى وعقلٍ رقميٍّ قد ينظر إلى ما أمامه ويخلص إلى عدم وجود ارتباط بين ما تعلمه سابقًا وما يشاهده حاليًا.
 
لكن هنا تبرز فائدة قليلٍ من الثقافة الفنّية: فالانتشار الظاهر بين أشعة الشمس ليس انتشارًا حقيقيًا، وإنما هو تأثير المنظور كما توضّح الصورة التالية تمامًا:
 
إذا كان خطّا سكة القطار يلتقيان فعليًا عند نقطةٍ واحدةٍ كما هو ظاهر، فسيقع أحدهم في متاعبَ جمّةٍ
إذا كان خطّا سكة القطار يلتقيان فعليًا عند نقطةٍ واحدةٍ كما هو ظاهر، فسيقع أحدهم في متاعبَ جمّةٍ
 
كل ما يحدث هنا، وفي صورة أشعة الشمس أعلاه، أن الأجسام في الصورة تبدو أصغر كلما كانت أبعد، وهذا لا ينطبق فقط على الأجسام بل أيضًا على المسافات. فكلّما قطعت مسارات أبعد، بدت المسافة بينها أصغر، مخلّفةً انطباعًا أنها تلتقي في نقطةٍ ما في المدى البعيد، تُسمى هذه النقطة في التصميم الغرافيكي وفي الفن نقطة التلاشي.
 
طبعًا كعادة النقاشات في الإنترنت، لم يُجدِ شرح ذلك بكثيرٍ من النفع؛ فقد نعتني المعلّق بالخروف أو شيء من هذا القبيل وصرّح بأن لو كان ما قلته صحيحًا ستبدو المباني البعيدة مائلةً بدلًا من كونها منتصبةً عموديًا.
 
مهما يكن فهو درس ممتع عن التداخل بين الفيزياء والفن ويستحقّ أن تحفظه للمرة القادمة التي يحاول فيها أحدهم أن يخبرك أنّ الثقافة الفنية ليست مهمة أو أن الشمس لا تبعدُ عنا سوى بضع مئاتٍ من الأميال.
 
ستيفن سكولنيك Stephen Skolnick.

إمسح وإقرأ

المصادر

شارك

اترك تعليقاً () تعليقات