الزمن لا يعود للوراء أبداً!

لأول مرّة، أثبتَت تجربة بأنّ قوانين الديناميكا الحرارية تَبقى صحيحة حتّى في المستويات الكموميّة، والذي يعني أنّه حتى في العالم الكمومي، لا يمكنك إعادة كأس الحليب المُراق.

والسبب في أنّ الزمن يجري في نفس الاتِجاه الذي يجريه في حياتنا اليوميّة هو القانون الثاني في الديناميكا الحرارية، والذي ينص على أنّه ومع الوقت تصبح كل الأنظمة أكثر اضطراباً، أو تزداد الإنتروبي -الفوضى- بها، وهي عمليّة غير قابلة للعكس، وهي السبب في أنّ الزمن يجري فقط للأمام، ولكن علماء الفيزياء النظريّة قد توقعوا أنّه في المستوى الكمومي، فإنّ العمليّة بإمكانها السير في كلا الطريقين.


وذلك لأنّه عندما تبدأ في التعامل مع الجسيمات الصغيرة حقاً، فإنّ قوانين الفيزياء- معادلة شرودنجر Schrödinger equation- تكون متناظرة مع الزمن (time-symmetric)، أو معكوسة، حيث كتبت ليزا زيغا Lisa Zyga لـ phys.org: "من الناحية النظريّة، لا يُمكن التمييز بين العمليات المجهريّة التي تجري بالاتجاه الأمامي أو العكسي".

والآن قد أجرى علماء الفيزياء بقيادة الجامعة الفيدراليّة ABC في البرازيل تجربةً تؤكّد بأن هذه النظريات لا تتطابق مع الواقع، والعمليات الثرموديناميكيّة (الحرارية) بقيت غير قابلة للعكس حتى في الأنظمة الكموميّة، لكن حتى الآن لم يدرك العلماء السبب وراء ذلك.


يقول أحد الباحثين وهو ماورو باتيرنسترو Mauro Paternostro مِن جامعة الملكة في إيرلندا Queen's University لـ Phys.org : "إنّ تجربتنا تُظهر الطبيعة غير المعكوسة لِميكانيكا الكم، ولكنّها لا تُحدد بدقّة وبالتجربة ما الذي يسببها عند المستوى المجهري، ما الذي يحدّد بداية مُتجه الزمن" ،ويضيف قائلاً: "حيث أنّ معالجتها قد توضّح لنا السبب النهائي لظهورها".


لذا كيف يمكننا التوجه نحو اختبار قوانين الديناميكا الحرارية في نظام كمومي؟ بشكل أساسي يحتاج العلماء لأن يكونوا قادرين على عَزل نظام كمومي ومُراقبة انعكاس عمليّة طبيعيّة ما - وهو أمر خادع أكثر ممّا يبدو.

ومن أجل هذه التجربة، استخدم الباحثون حزمة من ذرات الكربون -13، ضمن سائل الكلوروفورم، وقاموا بعكس الدوران المغزلي لها باستخدام حقل مغناطيسي متأرجح، ومن ثم استخدموا نَبضة مغناطيسيّة أخرى لعكس جهة الدوران المغزلي لها مرّة أخرى.


كتب زيغا: "إذا كان الإجراء قابلاً للعكس، لعاد اللف المغزلي للذرات من حيث بَدأ، ولكنّهُ لَم يَفعل". بدلاً من ذلك، ما رأوه هو أنّ النبضات المغناطيسيّة المتأرجحة تم تطبيقُها بسُرعة كَبيرَة حتى أنّه بعض الأحيان لم يكن بإمكان اللف المغزلي للذرات مجاراته، ما أدى بالنظام المَعزول لِلخروج عن نقطة التوازن.

أثبت الفيزيائيون أنّه وبعد التجربة كان الإنتروبي يزداد بالفعل، ما يُظهر بأنّ عمليّة الديناميكا الحرارية كانت غير معكوسة، وذلك بغض النظر عن مدى صِغر الأجسام المُتضمنة فيها. كُل تلك الانحرافات الأساسيّة التي يوجد فيها مُتجه الزمن وحيد الاتجاه حتّى من أجل أصغر الجسيمات في الكون، يتحدى القوانين المجهريّة الفيزيائيّة، ويشير بأنّ شيئاً ما قد تدخّل لوقف كَون الأنظمة الكموميّة معكوسة.

عُلماء الفيزياء الآن مهتمون باكتشاف مهية هذا الأمر، ويعتقدون بأنّ رؤية جديدة في نظم الكم قد تُساعد في دَفع مسيرة الحواسيب الكموميّة وأجهزة الكم الأخرى. يقول باتيرنسترو: "إنّ أي تقدم نحو إدارة العمليات الثرموديناميكيّة ذات الزمن المحدود في المستوى الكمومي هو خطوة للأمام باتجاه تحقيق آلات حرارية مطوّرة بالكامل يمكنها أن تستغل قوانين ميكانيكا الكم للتغلب على حدود الأداء للأجهزة التقليديّة".

في الوقت الحالي، بإمكاننا الاستخلاص من هذه الدراسة المعرفة بأنّه لا يمكننا الرجوع بالزمن، بالقدر الذي نريد، فإنَّ الماضي قد مرّ بالفعل، حتى عند المستوى الذري.

إمسح وإقرأ

المصادر

شارك

اترك تعليقاً () تعليقات