دلائل جديدة على جسيم مراوغ مضاد لذاته!

مادة ومادة مضادة بنفس الوقت.

طرح فيزيائيٌّ إيطالي منذ ما يقارب الثمانين عاماً الفكرة القائلة بأن الجسيم بإمكانه أن يوجد على شكل مادة ومادة مضادة بنفس الوقت؛ دعيت هذه الحالة بـ"فيرميون ماجورانا" Majorana fermion، وهذه الحالة الغامضة من المادة أطلقت حملة البحث التي طالت لعقود، حتى وجد العلماء الدليل الحقيقي الأول لوجودها في وقت مبكر من هذا العام.

والآن اكتشف علماء صينيون بأن نموذجاً مراوغاً من أشباه الجسيمات يمكنها أن تسلك تماماً مثل فيرميونات ماجورانا، وقد تساعدنا في أن نفهم أخيراً هذه الظاهرة الغريبة التي لا تصدق.


وإن لم تكن مطلعاً على "فيرميون ماجورانا"، فأول من طرح فكرته هو عالم الفيزياء النظرية الإيطالي إيتور ماجورانا Ettore Majorana عام 1937؛ حيث تنبأ بأن نوعاً من الجسيمات يدعى فيرميون fermion باستطاعته أن يسلك بحيث يكون مضادًا لنفسه. ففي النموذج القياسي للفيزياء، لكل جسيم particle جسيم مضاد antiparticle، عادةً تكون هذه الجسيمات المضادة منفصلة بالكامل عن الجسيمات الأصلية، وتملك ذات الكتلة لكنها تكون معاكسة لها بشحنتها.

وحتى الجسيمات المتعادلة كهربائيا تملك جسيماتٍ مضادة، كالنيوترون neutron المكون من الكواركات. وفي حالات نادرة جداً يمكن للجسيمات التي لا تملك كتلة أو شحنة أن تسلك كجسيمات مضادة لذاتها، وقد حددنا أمثلة قليلة عنها فقط حتى الآن، كالفوتونات (جسيمات الضوء) والغرافيتونات المفترضة gravitons وجسيمات المادة المظلمة (الجسيمات الضخمة ضعيفة التفاعل) WIMPs.

وإن وجدت فيرميونات ماجورانا فهي تقع في هذه الفئة الأخيرة، وإن كان باستطاعتنا إيجادها وتسخيرها، ستغير كل شيء عن كيفية تسجيل ومعالجة المعلومات في الجيل التالي من الحواسيب الكمومية.


وفي حديث للفيزيائي ليونيد روكينسون Leonid Rokhinson من جامعة بوردو purdue يعود للعام 2012 يقول: "إن البحث عن هذا الجسيم بالنسبة لفيزيائيي المادة المكثفة، يشبه عملية البحث عن بوزون هيغز Higgs boson بالنسبة لفيزيائيي الجسيمات عالية الطاقة"، ويردف: "إنه جسيم خاص جداً لأنه فيرميون ومع هذا فهو مضاد لنفسه وكتلته وشحنته معدومتان".

وبشكل مختلف عن الحواسيب التقليدية التي تستخدم البيتات بحالة 0 أو 1، فإن الحواسيب الكمومية تستخدم البيتات الكمومية التي يمكنها أن توجد في حالة 0 أو 1 أو في حالة تراكب فائق من كليهما (أي 0 و 1 معاً).

وتكمن المشكلة في بناء حواسيب كمومية اعتماداً على البيتات الكمومية (أو الكيوبيت qbits) بأن من الصعب جداً تسجيل الحالة التي كانت عليها قبل أن تتحول إلى أخرى، فلا فائدة من الحصول على حاسوب لا يمكنه حفظ المعلومات؛ لكن الفيزيائين يعتقدون بأن فيرميونات ماجورانا قد تكون المفتاح لحل كل هذا.

يقول روكينسون: "يمكن للمعلومات ألا تحفظ في كل جسيم مفرد، إنما في التموضع النسبي لهذه الجسيمات؛ وبالتالي إن دفعت قوة محلية جسيماً قليلاً، فالأمر لا يهم". ويتابع: "وطالما أن ذاك التداخل المحلي Local noise ليس قويا جداً بحيث يغير التموضع الإجمالي لمجموعة الجسيمات، فالمعلومات ستبقى محفوظة؛ وسيوفر هذا مدخلاً جديداً للتعامل مع المعلومات".

وفي نيسان/ أبريل من هذا العام تمكن فريق من مختبر أوك ريدج الوطني Oak Ridge في ولاية تينيسي من إيجاد الدليل الحقيقي الأول على وجود فيرميونات ماجورانا في شيء يدعى شبه جسيم Quasiparticle.

وعلى خلاف الجسيم النظامي، والذي هو عبارة عن جسم مادي يكون ذرة؛ فشبيه الجسيم عبارة عن كينونة تملك بعض خصائص جسيم مميز، لكنه مكون من تجمع جسيمات متعددة بدلاً من ذلك. لذا فإيجاد شبيه جسيم فيرميون ماجورانا أحد الأهداف، لكن الهدف الحقيقي هو إيجاد جسيم فيرميون ماجورانا.

وفي خطوات متقدمة وصلناها الآن، يقول فيزيائيون من الأكاديمية الصينية للعلوم أنهم حددوا نوعاً آخر من أشباه الجسيمات يسلك تماما كفيرميون ماجورانا، تدعى أنماط ماجورانا الصفرية Majorana Zero Modes واختصارا MZMs.


وقد تمكن الفريق من اصطناع أشباه الجسيمات هذه داخل محاكاة كمومية، والتحكم بها بطريقة يمكنها أن تعمل ضمن نظام حاسوب كمومي؛ والأكثر أهمية هو أنهم أظهروا أن بإمكانها الاحتفاظ بالمعلومات بشكل مشفر في أنماط الماجورانا الصفرية خاصتها، حتى وإن حصلت أخطاء أو 'تداخل' Noise في النظام.




 

وقد وصفوا ذلك في ورقتهم البحثية المنشورة في Nature Communication قائلين: "برهنا على مناعة المعلومات الكمومية المشفرة في أنماط ماجورانا الصفرية أمام الأخطاء المحلية خلال المحاكاة". وإن أمكن تكرير هذه المحاكاة في ظروف تجريبية، فهذا يعني أن بإمكاننا الحصول على مرشح آخر يشبه سلوكه فيرميون ماجورانا بين أيدينا، ومجدداً الوقوع على شيء نبني به حواسيب المستقبل الكمومية.

إمسح وإقرأ

المصادر

شارك

المساهمون


اترك تعليقاً () تعليقات