يمكنك الاستماع إلى المقال عوضاً عن القراءة
تشابك كمومي في الفضاء ورقم قياسي جديد للفيزيائيين

"عمل مرعب" على مسافة 1200 كم.

جيما كونري GEMMA CONROY في 16 حزيران/يونيو 2017


لربّما عُدَّ التشابك الكمومي ذات مرة الفرع المخيف في عالم الفيزياء، إلا أنَّه قطع شوطاً طويلاً منذ أن وصفه آينشتاين ضاحكاً "نشاط مخيف يحصل بعيداً".

فبحسب دراسة جديدة نقل العلماء فوتونات متشابكة من قمر اصطناعي إلى الأرض عبر مسافة تبلغ 1200 كم، فحطّموا بذلك رقم توزيعِ تشابك سابق كان قد بلغ 100 كم فقط.

ويقول خوان ين Juan Yin المؤلف الرائد والفيزيائي في جامعة العلوم والتكنولوجيا في شانجهاي ضمن ورقة بحثه: "لقد وضّحنا توزيع فوتونين متشابكين من قمر صناعي على محطتين أرضيتين تفصلهما عن بعضهما مسافة 1203 كم، وتكمن أهمية توزيع التشابك طويل المدى في تجارب الفيزياء الكمومية والشبكات الكمومية".

تحدث ظاهرة التشابك الكمومي الغريبة عندما يرتبط جسيمان أو أكثر ويؤثران ببعضهما لحظياً بغض النظر عن المسافة بينهما، فعلى سبيل المثال لو أثرنا على جسيم وجعلناه يدور مع عقارب الساعة سينبِّئُنا التشابك الكمومي بأن الجسيم الآخر يدور بالاتجاه المعاكس سواء كانت المسافة بينهما سنتيمتراً واحداً أو كان كل واحد منهما في إحدى نهايتي الكون.

وبينما لم يكن آينشتاين متأكداً من حدوث ذاك السلوك الجسيمي الغريب حقيقة في الكون، إلا أن التشابك الكمومي صار مفتاحاً نستكشف من خلاله إمكانية نقل المعلومات عبر مسافات طويلة، وأضحى هذا مفيداً في عمليات منع قرصنة البنوك وفي الحوسبة الخارقة (super-computing).

ولكن حتى الآن لم ينجح الفيزيائيون بتوزيع الجسيمات المتشابكة إلا عبر مسافة تبلغ 100 كم، والجزء المعقد من تحقيق التشابك عبر مسافات بعيدة هو بسبب ضياع الجسيمات أثناء رحلتها عبر الألياف البصرية أو في أراضٍ مفتوحة، وقد تمكّنوا من معالجة هذه المشكلة باستخدام إحدى طريقتين، أولّهما هي تحسين توزيع الجسيمات من خلال تقسيم خط النقل إلى أجزاء أصغر، ومن ثم تبديل وتصفية وتخزين المعلومات الكمومية عبر الألياف البصرية.


قد يبدو هذا الكلام كله جيداً جداً للوهلة الأولى ولكن يبقى عائقُ كيفية تنفيذ كل تلك العناصر معاً بلا خلل هو المهمة الأصعب، خصوصاً عند علمنا باختزان المعلومات لفترات طويلة وحاجتنا لاسترجاعها بسرعة، ولكن لحسن الحظ وضّح لنا ين وزملاؤه في الفريق طريقة أفضل لإنجاز شبكات كمومية عالمية باستخدام أشعة الليزر وتقنية الأقمار الاصطناعية.

فبمساعدة ميسيوس (Micius) -أول قمر اصطناعي ذي قدرات كمومية الذي أُطلِق في السنة الماضية- شرع الباحثون بالتواصل مع ثلاث محطات أرضية في مختلف أنحاء الصين باستخدام الفوتونات المتشابكة (جسيمات ضوئية)، إذ تبعد المحطات عن بعضها مسافة تقارب 1200 كم، كما يبعد كل منها عن القمر المداري مسافة تتراوح ما بين 500-2000 كم.

وقد جزّأ الباحثون الشعاع الليزري باستخدام مشتت الأشعة إلى حالتين قطبيتين متمايزتين، فقد استخدموا الجزء الأول من الشعاع لإرسال الفوتونات المتشابكة بينما كان الشعاع الآخر يعمل كمُستقبِلٍ لها، فوجدوا أن الفوتونات حافظت على حالة التشابك بنجاح على الرغم من طول رحلتها، فقد استقبلتها المستقبلات الأرضية التي تبعد عنها مسافة تفوق الألف كيلومتر.

ويكتب لنا الفريق في بحثهم: "تُؤكد النتائج مجدداً على ميزة التشابك التي لا يحدّها المكان وتَستبعِد النماذج الواقعية القائمة على تصورات عن المكان والواقعية، ومقارنةً بالطريقة السابقة لتوزيع التشابك باستخدام النقل المباشر لفوتونين من ذات المصدر نجد أنّ فاعلية الربط لمقاربتنا المبنية على الأقمار الاصطناعية هي من مرتبة 12 و17 أو أعلى".

ومن أهم فوائد هذا الأسلوب هو أن الأقمار الاصطناعية باستطاعتها تغطية موضعين أرضيين يبعدان عن بعضهما آلاف الكيلومترات بسهولة، وبما أن معظم مسار النقل هو عبارة عن فراغ فاحتمال خسارة الجسيمات سيكون شبه معدوم.

ويكتب الفريق مجدداً: "وحتى إن أنتجنا أليافاً بصرية مثالية في المستقبل فستتفوق طريقتنا المبنية على الأقمار الاصطناعية بالفاعلية بتراتبية تتراوح ما بين أربع إلى ثماني درجات."

لربما لن يكُفَّ التشابك الكمومي عن العبث بعقولنا، ولكنّ هذه الاكتشافات الجديدة تفتح أمامنا عالماً جديداً بالمطلق من تطبيقات عملية على أرض الواقع ابتداء من شبكاتِ تواصلٍ أفضل إلى أنظمةِ تسديدِ أموال آمنة.

فلنأمل ألّا يطول انتظارنا قبل أن يُحطِّم أحدهم هذا الرقم.

تم نشر هذا البحث في مجلة (Science).

إمسح وإقرأ

المصادر

شارك

اترك تعليقاً () تعليقات