خطوة جديدة في علاج سرطان الثدي، بروتين جديد يمكن استهدافه

اكتشف الباحثون أن البروتين المنظم للكروماتين المدعو BPTF من الضروري وجوده لتقوم الخلايا الجذعية في الثدي بوظائفها الطبيعية (كالمحافظة على مخزون من الخلايا الجذعية وتأمين خلايا جديدة متخصصة في الثدي حين الحاجة، خلال الحمل، على سبيل المثال).

بالتماثل مع الفئران في منتصف الحمل، يحدث بشكل طبيعي (كما توضح الصورة اليسرى) تكاثر لأقنية الحليب (وهي البنى بنفسجية اللون في كلا الصورتين). عندما يتأذى بروتين BPTF في الخلايا الجذعية للثدي عند الفئران وذلك في وقت مبكر من الحمل، يحدث انخفاض شديد في عدد الأقنية (كما في الصورة اليمنى). اقترح دوس سانتوس وزملاؤه أن القضاء على (BPTF) في الخلايا السرطانية للثدي قد يكبح هذه الخلايا أو يقتلها.

لسنواتٍ، أدرك خبراء السرطان أن الخلايا السرطانية تتصرف بطرقٍ معينةٍ كالخلايا الجذعية، وهي خلايا غير متخصصةٍ لكنها يمكن أن تتمايز عندما تتعرض لإشاراتٍ معينةٍ. عندما تتمايز الخلية الجذعية، فإنها تبدأ مسارًا وحيد الاتجاه ينتج عنه تخصصها وفي نهاية المطاف موتها. مثلًا خليةٌ جذعيةٌ في الثدي يمكنها أن تصبح خليةً لمعيةً (إحدى خلايا الثدي المنتجة للحليب)، وتمتلك الخلايا كهذه مدىً محدودًا للحياة.

الخلايا السرطانية تماثل الخلايا الجذعية، ليس فقط بقدرتها على التحول لخلايا أخرى، ولكن لأنها في مراحل تطورها قد تذهب بالاتجاه العكسي، حيث تنفد بشكلٍ سريعٍ من كلّ إشارات التوقف والحواجز وتستمر رغم هذا بالتضاعف.

البروفسورة المساعدة كاميلا دوس سانتوس Camila dos Santos من مختبر كولد سبرينغ هاربور واختصارًا (CSHL) تدرس الخلايا الجذعية للحصول على معلوماتٍ عن التغيرات التي تحدث عندما تتحول خلايا الثدي الطبيعية إلى سرطانية.

اليوم، هناك فريقٌ بقيادة دوس سانتوس وبالتعاون مع البروفسور غريغوري هانون (Gregory Hannon) من معهد كامبريدج لأبحاث السرطان في المملكة المتحدة والبروفسور المساعد ويليام بوميرانتز (William pomerantz) من جامعة مينيسوتا في الولايات المتحدة، وتمكن هذا الفريق من التعرف على بروتين من الضروري وجوده لتقوم الخلايا الجذعية للثدي بوظائفها الطبيعية.

عندما أزال الباحثون وراثيًا البروتين BPTF أو ثبطوه عن العمل كيميائيًا، لم تعد الخلايا الجذعية قادرةً على التجدد وبدأت تتخذ صفات خلاياً متخصصةٍ في الثدي وبعد فترةٍ قصيرةٍ ماتت. تقول دوس سانتوس: "لقد كان الأمر مثيرًا جدًا بالنسبة لنا لأن هذا ما أردنا أن تفعله خلايا السرطان في الثدي بالضبط، نريد لها أن تفقد خصائصها المماثلة للخلايا الجذعية وخصوصًا قدرتها على التضاعف غير المحدود. إننا نختبر فكرة أن دواءً يثبط بروتين BPTF يمكن أن يؤثر على الخلايا السرطانية بشكلٍ مماثلٍ للخلايا الجذعية، حيث يدفعها إلى التمايز ومن ثم الموت".

عند دراسة كيفية تحول الخلايا الطبيعية إلى سرطانيةٍ، فإن دوس سانتوس والباحثين الآخرين في مجال السرطان يولون اهتمامًا شديدًا للتعبير الجيني. فكلّ خليةٍ في الثدي بما في ذلك الخلايا الجذعية، تتضمن الجينوم البشري الكامل. وإحدى النظريات التي تفسر ما يميز خلية الثدي عن الخلية القلبية أن كلًا منهما يعبر عن تفرعٍ ثانويٍّ مختلفٍ من الجينات. هذا الأمر ينطبق أيضًا على كلّ عضوٍ. في الثدي، فإن الأقنية المصممة لتحمل الحليب خلال وبعد الحمل تتألف من نوعين من الخلايا المتخصصة بشكلٍ كبيرٍ، بالإضافة إلى مجموعةٍ من الخلايا الجذعية التي تقدم الدعم لنوعي الخلايا، وكلّ نوعٍ من هذه الخلايا المختلفة يعبر عن مجموعاتٍ مختلفةٍ من الجينات في أوقاتٍ مختلفةٍ وذلك خلال مدى الحياة الخاص بكلٍّ منها.

إن الأنبوب المجوف الذي يشكل قناة الحليب مكونٌ من خلايا لمعيةٍ، وتُحاط هذه الخلايا بطبقةٍ رقيقةٍ من خلايا تُدعى بالخلايا الظهارية العضلية والتي تمتلك على سطحها مستقبلاتٍ مصممةً لتتداخل مع هرمون الأوكسيتوسين المطلَق خلال الإرضاع. يسبب هذا التداخل تقلص الخلايا الظهارية العضلية في الطبقة الخارجية من القناة فتضغط الخلايا اللمعية بينها والتي تُعدّ بدورها مصانع الحليب في الثدي.

دور التخلق الحيوي للبروتين BPTF في كشف وإخفاء الجينات


إن بروتين BPTF الذي ميّزته دوس سانتوس وزملاؤها كبروتينٍ ضروري لصيانة الخلايا الجذعية للثدي هو بروتينٌ بوظيفةٍ متخصصةٍ جدًا. وهو ما يدعوه علماء الأحياء بالعامل المعيد لبناء الكروماتين. والكروماتين هو الحزمة التي تسمح لست أقدامٍ خطيةٍ من الـDNA في كلّ خليةٍ من خلايانا أن تكون مضغوطةً داخل النواة المجهرية. مع كل هذا الـDNA المسحوق والمضغوط في مكانٍ صغيرٍ كهذا، فإن هذا يقف وراء السبب في أن التعبير عن جينٍ في وسط الحزمة قد يتطلب إرخاء المادة المعبأة لكشف تلك القطعة من الـDNA للآلات التي تنسخها إلى جزيئات RNA. يمثل هذا الاستنساخ الخطوة الأولى لاستخدامٍ مخططٍ هذا الجين لتصنيع البروتين المطلوب. 

إن التغييرات الكيميائية للكروماتين، (وبشكلٍ أكثر خصوصيةً لبروتينات الهستون التي تشكل إحاطةً حول حيث يوجد شقٌ بالـDNA) تُدعى بتغييرات التخلق الحيوي. تقول دوس سانتوس: "لقد أصبح من الواضح جدًا أن وجود فرجةٍ ما أو تراصٍ كبيرٍ في الكروماتين والمسؤول عن كشف أو إخفاء بعض الجينات في صبغياتنا، يلعب دورًا في نشوء السرطان، على سبيل المثال، فإن كشف جينٍ ما في لحظةٍ معينةٍ قد يسبب للخلية السرطانية أن تتخطى (إشارة توقف) في مسار وطور النمو".

يُظهر البحث المنشور اليوم أن بروتين BPTF هو جزءٌ من جهازٍ تنظيميٍّ يفتح الكروماتين ويغير في تعابير الجينات، وخصوصًا في خلايا الثدي الجذعية، وتبين أن هذا الانفتاح في الكروماتين خطيرٌ ومهمٌّ في التأثير على قدرة الخلية الجذعية لتبقى خالدةً لا تموت، وتعطي الدعم لخلايا جذعيةٍ فتيةٍ والتي تساعد بدورها على المحافظة على نسيجٍ كالثدي ودعمه بمراحل الحياة المختلفة بخلايا متخصصةٍ، على سبيل المثال عند البلوغ حينما ينمو الثدي أو خلال الحمل عندما يتجهز الثدي لإنتاج الحليب.

تقول دوس سانتوس: "نحن نعلم الآن أن خلايا الثدي الجذعية معتمدةٌ بشكلٍ كبيرٍ على BPTF، والمهمة التالية هي الكشف إن كان بإمكاننا استخدام هذا الاعتماد لاستهداف البرامج المشابهة للخلايا الجذعية في خلايا الثدي السرطانية".

إمسح وإقرأ

المصادر

شارك

المساهمون


اترك تعليقاً () تعليقات