إنجاز جديد للإنترنت الكمومي: النجاح في إجراء عملية نقل كمومي لمسافة بلغت 7 كم

خرجت مؤخراً تقنية النقل الكمومي (Quantum teleportation) من المختبر إلى العالم الحقيقي بعد نجاح فريقين مستقلين من العلماء في إرسال معلومات كمومية على امتداد عدة كيلومترات من شبكات الألياف البصرية في مدينة كالجاري الكندية ومدينة هيفي الصينية.

تثبت التجربتان أن النقل الكمومي ليس حقيقياً فقط، بل إنه تقنية عملية قد تساعدنا يوماً ما في بناء أنظمة اتصالات كمومية غير قابلة للاختراق تمتد عبر المدن وربما القارات أيضاً.

يعتمد النقل الكمومي على ظاهرة غريبة اسمها التشابك الكمومي (quantum entanglement). وجوهرياً يعني التشابك الكمومي أن جسيمين مترابطين لا يمكن أن يفترقا، وعند قياس حالة أحدهما تتأثر حالة الآخر بصرف النظر عن بعدهما عن بعضهما -وهذا ما قاد أينشتاين لتسمية التشابك بـ "الفعل الشبحي عن بعد spooky action at a distance".

وباستخدام هذه الخاصية، يسمح النقل الكمومي بنقل حالة الجسيم الكمومية إلى شريكه بغض النظر عن المسافة بينهما ودون تبادل أي شيء فيزيائي بينهما. وهذا ليس كالنقل الذي تشاهده في مسلسلات الخيال العلمي من مثل مسلسل ستار تريك Star Trek، إذ من الممكن إرسال المعلومات فقط عبر النقل الكمومي، وليس الناس!

رغم ذلك، فهي طريقة رائعة لخلق نوع من أنظمة الاتصالات غير قابل للاختراق ومشفر بالكامل -تخيل استقبال معلومات يمكن تفسيرها فقط عندما تعرف حالة جسيمك المشابك. وفي التجربتين الأخيرتين، المنشورتين في مجلة Nature Photonics، استعمل الفريقان طريقتين مختلفين، وحصلا على نتائج مختلفة. لكن الشيء المشترك الذي توصلوا إليه هو تمكنهم من نقل معلوماتهم عبر شبكات ألياف بصرية موجودة سابقاً، وهو أمر مهم إن أردنا بناء أنظمة اتصالات كمومية قابلة للاستخدام.

في الواقع، أُجري نقل كمومي بمسافات أكبر في الماضي، فقد حطم علماء من أستراليا رقماً  قياسياً  عام 2012 بنقلهم معلومات عبر 143 كم من الفراغ باستعمال الليزر، لكنّ تلك التقنية غير مفيدة للشبكات العملية بقدر الألياف البصرية. ولفهم التجارب، تقول أنيل أنانتسوامي Anil Ananthaswamy لموقع نيوساينتست: "تخيل ثلاثة أشخاص: أليس، وبوب، وتشارلي".

يريد أليس وبوب مشاركة مفاتيح تشفير بينهما، ويلزمهما لفعل ذلك مساعدة تشارلي. ترسل أليس جسيماً لتشارلي، ويُشابك بوب جسيمين ويرسل أحدهما لتشارلي. ثم يقيس تشارلي الجسيمين الذين استقبلهما من بوب وأليس بهدف إنهاء التباين بينهما، وينتج عن ذلك نقل الحالة الكمومية الخاصة بجسيم أليس إلى جسيم بوب المُتشابك.

إذًا تنتقل حالة جسيم أليس الكمومية إلى جسيم بوب في نهاية الأمر، ويتم ذلك عبر تشارلي. اتبعت التجربة الكندية الطريقة نفسها، وتمكنت من إرسال معلومات عبر أكثر من 6.2 كم من الألياف الضوئية الخاصة بشبكة مدينة كالجاري التي يندر استعمالها. 

يقول ولفغانغ تيتل Wolfgang Tittel قائد فريق البحث الكندي من جامعة كالجاري في مقاطعة ألبرتا لنيوساينتست: "المسافة بين تشارلي وبوب هي ما يُهمنا"، ويضيف: "أثبتنا أن هذا يعمل عبر شبكة العاصمة الليفية، أي أكثر من 6.6 كم بخط مستقيم".

كان بوسع الباحثين الصينيين توسيع تجربتهم أكثر لتشمل 12.5 كم، لكن طريقتهم كانت مختلفة قليلًا. فقد وضعوا تشارلي في المنتصف وكلفوه بخلق الجسيمات المتشابكة ثم إرسال أحدها لبوب، بدل العكس.

 

أنتج هذا اتصالات أكثر دقة، ويمكن أن يعمل بشكل أفضل مع شبكة كمومية حيث يتواصل الحاسوب الكمومي المركزي (تشارلي) مع العديد من أليس وبوب موزعين في المدينة. لكن نموذج كالجاري يمكنه الانتشار لمسافة أكبر لأن باستطاعة تشارلي العمل كمكرر كمومي (quantum repeater)، حيث يرسل المعلومات أبعد وأبعد عبر الخط.

يكمن الجانب السلبي للتجربتين في أنهما لا تستطيعان إرسال الكثير من المعلومات، وقد كانت تجربة كالجاري هي الأسرع، حيث بمقدورها إرسال 17 فوتوناً في الدقيقة فقط. وبالرغم من أن العديد من الناس يفترضون أن النقل الكمومي سيُتيح الفرصة أمام وجود اتصالات أسرع، إلا أن تشفير الحالة الكمومية لجسيم متشابك تتطلب مفتاحاً يجب أن يتم إرساله عبر نظام الاتصالات التقليدية البطيء. 

حسناً، النقل الكمومي لن يكون أسرع من الإنترنت الذي نملكه اليوم، لكن سيكون أكثر أمناً.

لكن حقيقة تمكّن الفريقين من استخدام بنية تحتية لنظام اتصالات عن بعد موجودة مسبقاً لتحقيق نقل كمومي مثل هذا يعد أمراً رائعاً -وشيء لم يتم خارج المختبر من قبل. ستحتاج هذه التقنية المزيد من البحث والتغيير قبل أن تصبح شيئاً يمكن استخدامه في حياتنا اليومية، لكن بكل تأكيد نحن نقترب من ذلك!

إمسح وإقرأ

المصادر

شارك

المصطلحات
  • التشابك الكمومي (quantum entanglement): التشابك الكمومي: ظاهرة كَمّية ترتبط فيها الجسيمات الكميّة ببعضها، رغم وجود مسافات كبيرة تفصل بينها. مما يقود إلى ارتباطات في الخواص الفيزيائية المقيسة لهذه الجسيمات الكمّية. المصدر: العلوم الأمريكية.

المساهمون


اترك تعليقاً () تعليقات