مخاوفٌ بشأن الانتشار السريع لفيروس

مرض تحمله بعوضة ويُعتقد أنه المسبِّب لتشوُّه خلقي، يشقُّ طريقه من البرازيل متجهاً شمالاً


قد يكون آخر الفيروسات انتشاراً من المنطقة الاستوائية أكثرها إثارة للرعب، حيث يتأهب فيروس زيكا الآن للانتقال إلى الولايات المتحدة بعد أن انتشر في البرازيل واتجه شمالاً نحو أميركا الوسطى والمكسيك. تُسبِّب العدوى بهذا الفيروس عادةً أعراضاً ثانوية وقد لا تظهر أي أعراض على الإطلاق، ولكن تم ربط الإصابة بهذا الفيروس لدى النساء الحوامل مع تشوّه خلقي يدعى "ضمور الجمجمة"، الذي يؤدي إلى ولادة أطفال برؤوس صغيرة وأدمغة تنمو بشكلٍ جزئي.

الجائحة تستمر، فتى برازيلي يحمل أخاه الصغير والمولود عام 2015 مع تشوُّه خلقي يدعى "ضمور الجمجمة microcephaly". يعتقد العلماء أنَّ هذه الحالة متصلة بإصابة الأم بعدوى فيروس زيكا Zika virus الذي ينتقل عن طريق البعوض
الجائحة تستمر، فتى برازيلي يحمل أخاه الصغير والمولود عام 2015 مع تشوُّه خلقي يدعى "ضمور الجمجمة microcephaly". يعتقد العلماء أنَّ هذه الحالة متصلة بإصابة الأم بعدوى فيروس زيكا Zika virus الذي ينتقل عن طريق البعوض
ينتمي الفيروس الاستوائي الغامض إلى فصيلة المفصليات arbovirus، وهو واحد من عدة فيروساتٍ تنتقلُ عن طريق الحشرات مثل البعوض وحشرة القرادة. ويشير أنتوني فاوسي Anthony Fauci وزميله ديفيد مورنز David Morens في 13 يناير/كانون الثاني في مجلة نيو إنكلاند للطب New England Journal of Medicine إن تزايد السفر عالمياً يمكن أن يجعل ظهور وعودة ظهور فيروسات المفصليات غير المعروفة كثيراً مثل فيروس زيكا أمراً اعتيادياً جديداً، ويقول فاوسي، مدير المعهد الوطني لمرض فرط الحساسية والأمراض المعدية في مدينة باثزدا، في ميريلاندا National Institute of Allergy and Infectious Diseases in Bethesda, Md: "ضرَب فيروس دينغ Dengue بقوة في التسعينيات، وبعدها ظهر فيروس غرب النيل West Nile في عام 1999، وفيروس تشيكانغونيا chikungunya في عام 2013، ولدهشتنا! فقد ظهر فيروس زيكا في عامي 2015 و2016. إنه نمطٌ استثنائيٌ فريدٌ من نوعه ومقلق جداً."

لقد جلب المسافرون فيروس زيكا معهم إلى تكساس، وهاواي، وإلينوي، لكن لا يبدو أنَّ الفيروس قد تسلَّل إلى البعوض الأميركي بعد. ومع هذا تمتلك الولايات المتحدة جميع المقومات اللازمة لانتشار الفيروس في مناطقها الدافئة والرطبة، وبوجود جيوب الفقر فيها، وأساطيل البعوض الجاهزة القادرة على نقل الفيروس. يتابع بيتر هوتز Peter Hotez، وهو أخصائي طب الأطفال وعالم الأحياء الدقيقة في كلية بيلور للطب في هيوستن Baylor College of Medicine in Huston: "لقد كنا نضرب أخماسنا بأسداسنا بسبب فيروس الإيبولا، ولكن الإيبولا لم يكن يشكِّل أي تهديد لنصف الكرة الأرضية الغربي كما يفعل زيكا الآن."

ظهور الفيروس


وجد العلماء فيروس زيكا لأول مرة عام 1947 في قرد ريزوس، إذ كان جزءاً من دراسة مرضٍ معدٍ في غابة زيكا التي تحدُّها المستنقعات في جنوب أوغندا. ولعقودٍ من الزمن، تنقَّل الفيروس بين القردة والبعوض مصيباً البشر بشكلٍ نادرٍ جداً، وحتى عام 2007 لم يكن الفيروس قد تجاوز حدود إفريقيا وآسيا. في ذلك العام تسلَّل الفيروس إلى المحيط الهادي، حيث تفشَّى في جزيرة ياب Yap Island في الولايات الاتحادية لماكرونيزيا the Federated States of Micronesia، وبعدها تمَّ رصده في بولنيسيا الفرنسية French Polynesia في عام 2013، ووصل إلى جزيرة إيستر Easter Island بعد عام واحد، وفي مايو/أيار من عام 2015 ظهرت أولى الحالات المؤكدة في البرازيل، وهناك ازدهر الفيروس متخذاً له موطئ قدمٍ راسخٍ في الأمريكيتين.

وفي أقل من تسعة شهور أصاب فيروس زيكا قرابة 1.3 مليون شخص في البرازيل كما جاء في تقريرٍ للمركز الأوروبي للوقاية من الأمراض والسيطرة عليها the European Center for Disease Prevention and Control في 10 ديسمبر/كانون الأول، وبعض التقديرات تشير إلى أن رقم الإصابات أعلى من ذلك. جاء في تقرير لمنظمة الصحة الأميركية ومنظمة الصحة العالمية the Pan American Health Organization and World Health Organization أن فيروس زيكا قد انتشر الآن عبر 18 دولة ومقاطعة في أميركا اللاتينية والكاريبي. يقول هوتز: "لقد خرج المارد من القمقم الآن، سوف ينتشر فيروس زيكا في كل مكان."

وفي 15 يناير/كانون الثاني أطلقت المراكز الأميركية للسيطرة على الأمراض والوقاية منها U.S. Centers for Disease Control and Prevention تحذيرات للأشخاص المسافرين إلى البلدان التي ينتشر فيها الفيروس، كما نصحت الحوامل خصوصاً باتخاذ حذرهن.

اعتبرَ البعض فيروس زيكا نوعاً ما ذو قرابة مع فيروس دينغ حيث إن 20% فقط من الذين يحملون الفيروس يصابون بالمرض، وتزول الأعراض بشكل سريع (ومما تتضمنه الأعراض عادةً: حمى خفيفة، وطفح جلدي، ومرض الرمد "التهاب الملتحمة")، إلا أنَّ مجموعة كبيرة من الأدلة الجديدة تشير إلى أنَّ بإمكان الفيروس التسبب بتشوّه خلقي مدمّر.

تزداد أعداد المواليد الحاملة لمرض "ضمور الجمجمة" بشكلٍ مطرد في البرازيل، حيث سُجِّل في عام 2015 تضاعف الإصابة بالمرض حوالي 20 مرة منه في السنوات السابقة، تظهر حالات جديدة كل أُسبوع وأحياناً يكون عَددها بالمئات.

في 20 يناير/كانون الثاني قدَّم مسؤولو الصحة البرازيليون تقريراً بلغ فيه مجموع الحالات 3893 حالة، بزيادة مقدارها 363 عن الأسبوع الذي سبقه. وبناءً على عدد الولادات في البرازيل في عام 2015 وعدد حالات الإصابة بمرض "ضمور الجمجمة" في ذلك العام، يقدّر الباحث في الصحة العامة أرنستو ماركيز Ernesto Marques من جامعة بتسبورغ University of Pittsburgh أنَّ واحداً تقريباً من بين 150 طفلاً قد ولدوا مع هذا التشوّه الخلقي، ويقول: "إنه عددٌ كبيرٌ جداً، وهي جائحةٌ قد بدأت للتو".

ويقول كارلوس ماركونديز Carlos Marcondes، وهو متخصصٌ بعلم الحشرات ويدرس الحشرات الناقلة للأمراض في جامعة سانتا كاتارينا الاتحادية في البرازيل the Federal University of Santa Catarina، أنَّ احتمال تدمير فيروس زيكا للأدمغة في المرحلة الجنينية ليس أمراً مفاجئاً، نظراً لمعرفة تأثيراته على الفئران وما يسببه للبالغين من مشاكل عصبية. وفي فئران المختبر يتخذ فيروس زيكا أقرب المسالك إلى الدماغ مباشرةً. يتابع ماركونديز: "إنَّه يسبِّب ضرراً بالغاً"، حيث يدمِّرُ الخلايا العصبية ويليّن النسيج الدماغيّ.

عندما انتشر المرض بين عامي 2013 و2014 في بولينسيا الفرنسية، تطوَّر لدى 73 شخصاً على الأقل حالات عصبية مثل متلازمة غيلان باريه Guillain-Barré syndrome، والذي يمكن أن يتسبب بالشلل، وقد ربط مسؤولوا الصحة هذه الحالة في الجائحة الحالية بالإصابة بفيروس زيكا أيضاً. وفي بداية هذا العام اكتشف العلماء الأدلة الأقوى إلى الآن والتي تشير بوضوحٍ إلى دور زيكا في التسبُّب بمرض "ضمور الجمجمة" وهي عبارة عن آثار وراثية لفيروس زيكا في السائل الأمينوسي لاثنتين من النساء الحوامل بأجنة شُخِّصت إصابتها بهذا التشوّه الخلقي، وأيضاً في أربعة حالات لأطفال أُجهِضوا أو ماتوا بعد الولادة بوقتٍ قصير.

ويقول ماركيز: "الأدلةُ قويةٌ جداً جداً ولكن لم نفحص إلا عدداً قليلاً من الأطفال".

البحث عن حلول


بدأ ماركيز وشركاءٌ آخرون من البرازيل وإنكلترا والولايات المتحدة دراسةً لفحص عددٍ أكبر من الأطفال. يهدف الباحثون إلى تسجيل 200 رضيع يعانون من مرض "ضمور الجمجمة"، إلى جانب 400 رضيعٍ طبيعي (وجميعهم من بيرنمبيوكو Pernambuco في البرازيل والتي تفشّى فيها المرض بشدة). سوف يبحثون عن آثارٍ لفيروس زيكا في دم الأم، ودم الحبل السري، والسائل الأمينوسي، إلى جانب أنسجة أخرى. وفي هذه المرحلة لا يتوقع ماركيز أن يكتشفوا كيف يمكن لهذا الفيروس أن يسبِّب ضرراً دماغياً، فهم فقط يريدون حالاتٍ كافيةٍ لاستخلاص أي صلةٍ بين زيكا ومرض ضمور الجمجمة. يقول ماركيز: "إذا ما وجدنا إشاراتٍ لعدوى فيروسية في المشيمة أو الدم أو النسيج الدماغي لهؤلاء الأطفال فإنّ ذلك سيدعم توقعاتنا." لقد بدأ العلماء بالفعل بتسجيل المتطوعين ويأمل ماركيز أن يسجل جميع المشاركين الستمائة بحلول شهر يونيو/حزيران أو يوليو/تموز.

خريطة توضح مخاطر انتقال زيكا محلياً -الامتداد المحتمل لفيروس زيكا: خريطة عالمية جديدة تلقي الضوء على الأماكن التي يُحتمل أن ينتشر فيها زيكا، فصلياً (باللون الأصفر)، أو على مدار العام (باللون البرتقالي). وضع الباحثون هذه الخريطة بعد أن قاموا بتحليل الأماكن التي يمكن للبعوض الذي يحمل فيروس زيكا أن يتكاثر فيها، بالإضافة إلى حجم ووجهة المسافرين عبر الرحلات الجوية خارج البرازيل، المركز الرئيسي لانتشار فيروس زيكا I. BOGOCH ET AL/LANCET 2016.
خريطة توضح مخاطر انتقال زيكا محلياً -الامتداد المحتمل لفيروس زيكا: خريطة عالمية جديدة تلقي الضوء على الأماكن التي يُحتمل أن ينتشر فيها زيكا، فصلياً (باللون الأصفر)، أو على مدار العام (باللون البرتقالي). وضع الباحثون هذه الخريطة بعد أن قاموا بتحليل الأماكن التي يمكن للبعوض الذي يحمل فيروس زيكا أن يتكاثر فيها، بالإضافة إلى حجم ووجهة المسافرين عبر الرحلات الجوية خارج البرازيل، المركز الرئيسي لانتشار فيروس زيكا I. BOGOCH ET AL/LANCET 2016.
يقول هوتز أنه لايزال على العلماء تعلّم الكثير حول فيروس زيكا ككيفية انتقال الفيروس من الأم إلى جنينها، وما الذي يسبّبه فيروس زيكا للأدمغة البالغة إذا كانت الإصابة به تسبِّب حقاً مرض "ضمور الجمجمة".

في الوقت الراهن لا يملك العلماء علاجاً مضاداً لفيروس زيكا ولا لقاحاً ضد العدوى به. يقول فاوسي إنَّ تطوير لقاح له قد يستغرق سنوات طويلة، "حتى وإن كنا قد بدءنا بداية قوية في العمل عليه منذ شهرٍ أو شهرين إلا أنَّ الأمر سيستغرق وقتاً قبل الحصول على اللقاح المناسب."

وفي تقريرٍ نُشر في 14 يناير/كانون الثاني في مجلة اللانست Lancet، قال إسحاق بوغوتش Isaac Bogoch وزملاؤه أنه في الولايات المتحدة يمكن لذلك أن يعرِّض الملايين من الناس لخطر الإصابة بالعدوى. وضع فريق غوبوتش خريطة عالمية للأماكن التي يمكن أن ينتشر فيها فيروس زيكا بسرعة. وقد قام الباحثون بتحليل معطيات المناخ، ونماذج رحلات الطيران خارج البرازيل، وأنواع البعوض الذي يمكن أن ينقل فيروس زيكا: آيديس آيجبتي Aedes aegypti وآيديس ألبوبكتوس Aedes albopictus (يكثر هذان النوعان على ساحل الخليج الأمريكي، وينتشر آيديس.ألبوبكتوس عبر الجنوب الشرقي، وعلى طول الساحل، كما ينتشر شمالاً وصولاً إلى ولاية كونيكتيكت). وجد الفريق أنّ قرابة 60% من مواطني الولايات المتحدة يعيشون في مناطق مهددة بفيروس زيكا (على الأقل خلال الفصول الدافئة). ويقول بوغوتش، وهو طبيب مختص بأمراض العدوى الاستوائية في مشفى تورونتو العام Toronto General Hospital: "في الولايات الجنوبية بشكل خاص، هناك احتمال مستمر لانتقال الفيروس". ولكنه يتابع قائلاً أنَّ ذلك لا يعني قرب انتشار جائحة أو أن انتشار الفيروس أمر حتمي، إذ لا ينتقل الفيروس عادةً من شخص لآخر (بالرغم من أنه يمكن أن ينتقل جنسياً). وقد لا ينتقل خارج نطاق بعض الحالات المحدودة. وفي النهاية، نذكر أن كلاً من فيروس تشيكانغونيا وفيروس دينغ، اللذين انتقلا عبر البعوض ذاته الذي ينقل فيروس زيكا، لم ينتشرا في الولايات المتحدة بشكل كبير.

وينصح ماركيز في دراسة مرجعية نُشرت في 22 ديسمبر/كانون الأول في مجلة الجمعية البرازيلية للطب الاستوائي Journal of the Brazilian Society for Tropical Medicine قائلاً أنَّ السيطرة على جائحة بوجود كل هذه الفيروسات تتطلب التخلص من البعوض، ويتابع: "إنَّ منع تكاثر البعوض هو الطريقة الوحيدة لفعل ذلك". وبالفعل، فقد بدأت البرازيل بتجربةٍ لتقليص عدد البعوض البري باستخدام الهندسة الوراثية لإنتاج بعوض غير قادر على التكاثر ومن ثم إطلاق هذا البعوض إلى العراء.

ويتفق فاوسي مع الفكرة القائلة بأهمية السيطرة على أعداد البعوض، ولكنه يقول أنَّ الظهور الأخير لأعداد كبيرة من الفيروسات الاستوائية يمكن أن يتطلب أيضاً اتباع بعض الاستراتيجيات الدفاعية الجديدة، فإن تمكَّن العلماء من إيجاد دواءٍ مضاد يستهدف المجموعة الأكبر من الفيروسات التي ينتمي إليها فيروس زيكا مثلاً، فيمكن لهم عندها التغلب على تهديدات متعددة. ويتابع قائلاً:"عندها سنتمكن بشكل تلقائي من التخلص من فيروس تشيكانغونيا، وغرب النيل، والحمى الصفراء، وزيكا، ودينغ بضربة واحدة".

إمسح وإقرأ

المصادر

شارك

اترك تعليقاً () تعليقات