الصورة أعلاه للسوبرنوفا iPTF16geu المتأثر بالعدسة الثقالية ملتقَطة بواسطة مرصد كيك W.M. Keck Observatory بالأشعة القريبة من تحت الحمراء. المجرة العدسية في الوسط شوّهت وحنَت الضوء الصادر عن السوبرنوفا iPTF16geu الواقع خلفها وقامت بإظهار صور متعددة له وواقعة في محيطها. إن كلاً من حجم وموقع وسطوع هذه الصور يساعد علماء الفلك على استنتاج خصائص هذه المجرّة.
قام علماء الفلك -بمساعدة خط أنابيب رقمي لرصد المستعرات العظمى ومجرة تبعد ملياري سنة ضوئية عن الأرض تلعب دور عدسة مكبرة- بالتقاط صور لمستعر أعظم من النوع الأول 1أ، وظهر في أربعة مواقع مختلفةٍ في السماء. وحتى الآن، هذا هو السوبرنوفا (supernovae) الوحيد من النوع 1أ (la) الذي أبدى هذا التأثير.
هذه الظاهرة، التي تدعى بالمفعول العدسي التثاقلي gravitational lensing، هي أحد تأثيرات نظرية النسبية لأينشتاين والتي تنص على أن الكتلة تحني الضوء. هذا يعني أن مجال الجاذبية لجسم ضخم، كمجرةٍ مثلاً، يمكنه أن يحني أشعة الضوء المارّة بالقرب منه ويعيد توجيهها في مكان آخر، مسبباً ظهور الأجسام الواقعة في الخلفية بشكلٍ أكثر سطوعاً، وفي أماكن متعددة أحياناً.
ويعتقد علماء الفيزياء الفلكية بأنه قد يكون بإمكانهم قياس معدل توسع الكون بدقة غير مسبوقة وتسليط الضوء على توزع المادة في الكون، في حال تمكنوا من إيجاد المزيد من المستعرات العظمى من النوع أ1 (la).
ولحسن الحظ، ومن خلال إلقاء نظرة فاحصة على خصائص هذا الحدث النادر، فقد تمكن باحثان من مختبر بيركلي الوطني Berkeley Lab من ابتكار وسيلة -خط أنابيب- لإيجاد المزيد من هذه المستعرات العظمى المتعدسة ثقالياً بقوة، في الدراسات الحالية والمستقبلية على نطاق واسع. وقد نُشرت ورقتهما البحثية مؤخراً في Astrophysical Journal Letters، في حين نُشرت ورقة بحثية أخرى متعلقة باكتشاف ورصد المستعر الأعظم iPTF16geu من النوع 1أ والذي قُدّر عمره بـ 4 مليارات سنة في Science بتاريخ 21 نيسان/أبريل 2017.
ويقول بيتر نوجنت Peter Nugent عالم فيزياء فلكية في قسم البحوث الحاسوبية Computational Research Division او اختصاراً (CRD) في مختبر بريكلي الوطني، ومؤلف مشارك في كلا الورقتين البحثيتين: "من الصعب جداً إيجاد المستعرات العظمى المتأثرة بالعدسة الثقالية، ناهيك عن المستعرات العظمى من النوع 1أ (la).
ومن الناحيةالإحصائية، فإننا نتوقع وجود مستعر أعظم واحد من هذا النوع يمكننا اكتشافه بين كل 50.000. ولكننا الآن وبعد اكتشاف المستعر الأعظم iPTF16geu، قد كوّنا مجموعةً من الأفكار من شأنها أن تطوّر خط الأنابيب لملاحظة المزيد من هذه الأحداث".
كان من الصعب جداً ولسنوات عديدة مراقبة المستعرات الفائقة، وذلك بسبب طبيعتهم العابرة. فمنذ 30 سنة، كان معدّل اكتشافهم حوالي اثنين كل شهر، ولكن وبفضل مصنع بالومار المتوسط the Intermediate Palomar Transient Factory او اختصاراً (iPTF)، وهو عبارة عن ماسح بخط أنابيب مبتكر، فقد صار من الممكن رصد هذه الأحداث يومياً، بعضها في غضون ساعاتٍ من ظهور الانفجار الأول.
إن عملية رصد هذه الأحداث (المستعرات الفائقة على سبيل المثال) تبدأ كل ليلة في مرصد بالومار Palomar Observatory الواقع في جنوب كاليفورنيا، حيث تقوم كاميرا مركّبة على تلسكوب صامويل أوشين الروبوتي Samuel Oschin telescope بعمل مسح ضوئي للسماء على نطاق واسع.
وحال التقاط الملاحظات تُنقل المعلومات مسافة أكثر من 400 ميل إلى قسم الطاقة الواقع في مركز بحوث الطاقة والعلوم الحاسوبية الوطني (Department of Energy's (DOE's) National Energy Research Scientific Computing Center (NERSC في مختبر بيركلي Berkeley Lab. إن خوارزميات التعلم الآلي، التي تعمل على الحواسيب الفائقة في مركز NERSC، تدخل عبر البيانات في الزمن الحقيقي وتحدد هذه الأحداث العابرة للباحثين من أجل متابعتها.
وفي تاريخ 5 أيلول/سبتمبر 2016 قام خط الأنابيب بترشيح iPTF16geu ليكون سوبرنوفا. وللوهلة الأولى، لم يبدُ هذا الحدث خارجاً عن المألوف على نحوٍ خاص، فيشير بيتر نوجنت إلى أن العديد من علماء الفلك ظنّوا بأنه كان مجرد مستعر أعظم عادي من النوع 1أ (la) يبعد قرابة مليار سنة عن الأرض.
وكمعظم المستعرات الفائقة التي تم اكتشافها باكراً نسبياً، أصبح هذا الحدث أكثر أهميةً مع مرور الوقت. فبعد فترة وجيزة من بلوغه ذروة السطوع (19 درجة لمعان 19th magnitude) قرر البروفيسور آريل غووبر Ariel Goobar المختص بالفيزياء الفلكية الجزيئية التجريبية Experimental Particle Astrophysics من جامعة ستوكهولم Stockholm University القيام بدراسة ضوئية مفصلة لهذا الجسم. وقد أكدت النتائج على أن هذا الجسم هو بالفعل مستعر أعظم من النوع (la)، ولكنها أظهرت أيضاً وعلى نحو غير متوقع، بأنه يبعد 4 مليارات سنة ضوئية عن الأرض.
وقد أكدت هذه النتائجَ دراسةٌ أخرى تمت بواسطة معدات OSIRIS في تلسكوب كيك الواقع في موانا كي، هاواي Mauna Kea Hawaii. وإضافةً إلى ذلك، فقد أظهرت هذه الدراسة المجرّة المضيفة ومجرة أخرى واقعة على بعد ملياري سنة ضوئية كانت تلعب دور العدسة الثقالية التي قامت بتضخيم سطوع المستعر الأعظم، مسببةً بذلك ظهوره في أربعة مواقع مختلفة من السماء.
ويضيف البروفيسور آريل غووبر المؤلف الرئيسي للورقة البحثية التي نشرت في Science: "لقد أمضيت 15 عاماً في البحث عن مستعر أعظم متأثر بالعدسة الثقالية، وألقيت نظرةً على كل مسح ضوئي ممكن. جرّبت مجموعة متنوعة من التقنيات إلى أن استسلمت تماماً. لذلك، فقد جاءت هذه النتيجة كمفاجآة عظيمة. وإن أحد الأسباب التي تجعلني مهتماً بدراسة العدسة الثقالية هو أنها تمكننا من قياس هيكلية كل من المادة المرئية والمظلمة على مقياس من الصعب جداً الوصول إليه".
وحسب آريل غووبر، فإن المسح بواسطة مرصد بالومار كان معداً لرصد الأجسام الواقعة على بعد مليار سنة ضوئية تقريباً في الكون المحيط بنا، ولكن إيجاد هذا المستعر الأعظم من النوع 1أ (la) البعيد مكَّن الباحثين من متابعة الموضوع بوساطة تلسكوبات أكثر دقةً حلّت البنى ذات النطاق الصغير في المجرة المضيفة للمستعر الأعظم، وفي المجرة العدسية التي قامت بتضخيمها كذلك.
كما يكمل غووبر قوله: "هناك مليارات المجرات في الكون المنظور، وسيتطلب الأمر جهداً هائلاً للنظر في رقع صغيرة من السماء لإيجاد هذا النوع من الأحداث. كما سيكون من المستحيل إيجاد حدث كهذا من دون مساعدة مستعر أعظم مضخَّم لنا. فقد كنا محظوظين جداً باكتشافنا لأنه مكّننا من رؤية الهياكل ذات النطاق الصغير في هذه المجرات، ولكننا لن ندرك حجم حظنا هذا قبل أن نجد المزيد من هذه الأحداث، ونؤكد أن ما نراه ليس شذوذاً".
ولإيجاد المزيد من هذه الأحداث فائدة أخرى تتمثل بإمكانية استخدامهم كأدواتٍ لقياس معدل توسع الكون بدقة شديدة. أحد هذه الطرق هو تأثير العدسة الثقالية. عندما يقوم تأثير عدسة ثقالية قوي بإظهار عدة صور لجسم ما، يتّخذ الضوء الصادر عن كل صورة مساراً مختلفاً بعض الشيء حول العدسة في طريقه إلى الأرض. ولهذه المسارات أطوال مختلفة، لذلك فإن الأضواء الصادرة عنها تأخذ أوقاتاً مختلفة للوصول إلى الأرض.
وإذا ما قمت بقياس الأوقات المختلفة التي تستغرقها هذه الأضواء للوصول إلى الأرض، فإن ذلك سيتحول إلى طريقة جيدة لقياس معدل التوسع في الكون. عندما يقوم المختصّون اليوم بقياس معدل توسع الكون بالاستعانة بالمستعرات العظمى أو النجوم القيفاوية Cepheid stars، فإنهم يحصلون على رقم يختلف عن الرقم الذي يحصل عليه من يراقب إشعاع الخلفية الكونية الميكروي the cosmic microwave background والأحداث في الكون المبكر. إن هناك بعضاً من التوتر بسبب ذلك، وبالتالي سيكون من الجميل لو استطعنا المساهمة في حلّ هذه المشكلة.
طرق جديدة لاستكشاف المستعرات العظمة المتعدسة
بحسب داني غولدشتاين Danny Goldstein، خرّيج جامعة بيركلي لعلوم الفلك UC Berkeley astronomy ومؤلّف للورقة البحثية التي نشرت في Astrophysical Journal letter، فإن هنالك قلّة من المستعرات الفائقة المتأثرة بالعدسة الثقالية (من جميع الأنواع) التي تمّ اكتشافها، ومن بينها iPTF16geu، وقد تم اكتشاف جميعها بمحض الصدفة.
ويتابع غولدشتاين: "إننا نأمل من خلال معرفة كيفية إيجاد المستعرات الفائقة المتأثرة بشدة بالعدسة من النوع 1أ (la) كالسوبرنوفا iPTF16geu إلى تمهيد الطريق لأبحاث على نطاق واسع، والتي ستحدد إمكانية هذه الأجسام لتكون أدوات في علم الكون الدقيق". وتجدر الإشارة إلى أن غولدشتين قد عمِل مع بيتر نوجنت لابتكار طريقة لإيجاد هذه المستعرات الفائقة من أجل المسوح الضوئية الحالية والمستقبلية على نطاق الواسع.
وأساس تقنيتهم هذه هو فكرة تتجسد باستخدام حقيقة كون هذه المستعرات الفائقة من النوع 1أ (la) "شموع معيارية" standard candles (أجسام لها ذات السطوع النقي) لتحديد تلك التي تمّ تضخيمها بواسطة التأثير العدسي.
وقد اقترحوا البدء بالمستعرات الفائقة التي تبدو بأنها تنفجر في المجرات الحمراء التي توقفت عن تشكيل النجوم. إن هذه المجرات تحتوي على مستعرات فائقة من النوع 1أ (la) فقط وتشكل الجزء الأكبر من العدسات الجاذبية. فإن كان مرشّح مستعر أعظم ظاهراً لنا على أنه موجود في إحدى هذه المجرات وكان سطوعه أكبر من السطوع المعياري لنجم مستعر من النوع 1أ (la)، فإن احتمالية عدم وقوعه في الحقيقة في هذه المجرة كبير جداً. ويكون في هذه الحالة واقعاً في خلفية هذه المجرة ومتأثراً عدسياً بها، وذلك حسب غولدشتاين ونوجنت.
ويقول غولدشتاين: "إن إحدى مزايا هذه الطريقة هي أننا لن نكون بحاجة لالتقاط صور متعددة للاستدلال على أن مستعراً أعظماً متأثر عدسياً، وهذه فائدة كبيرة يترتب عليها أن تمكّننا من إيجاد المزيد مما سبق لنا واعتقدنا من هذه الأحداث".
كما يتنبأ كل من نوجنت وغولدشتين بأن استخدام هذه الطريقة، وعلى مدى 10 سنوات، سيتيح لتلسكوب المسح القطعي الكبير Large Synoptic Survey Telescope القادم، رصد حوالي 500 مستعر أعظم من النوع 1أ (la) متأثر بشدّة عدسياً. وهذا ما يعد أكبر بـ 10 مرات من التوقعات السابقة.
في حين يتعين على منشأة زويكي the Zwicky Transient Facility التي ستبدأ باستقبال المعلومات في آب/أغسطس 2017 في بالومار، أن تجد قرابة 10 من هذه الأحداث خلال بحث مدته 3 سنوات. كما أن الدراسات الجارية تُظهر أن صورة كل مستعر أعظم متأثر عدسياً ومن النوع 1أ (la) لها القدرة على عمل قياسات لمعدل توسع الكون أكثر دقة بـ 4% أو أكثر. وإن تحقَّق هذا فبإمكانه إضافة أداة قوية للغاية لسبر وقياس المعالم الكونية.
ويضيف غولدشتاين: "نحن الآن في طريقنا إلى نقطة حيث تصبح فيها مسوحاتنا المؤقتة -الأنابيب، ومجموعة البيانات الخارجية- كبيرة وفعّالة بما يكفينا لجمع المعلومات والتقاط هذه الأحداث النادرة. إنه لوقتٌ مثير للعمل في هذا المجال".
مرصد بالومار Iptf هو مشروع تعاوني علمي بين كالتيك، ومختبر لوس ألاموس الوطني في ميلووكي، ومركز أوسكار كلاين في السويد، ومؤسسة ويزمان العلمية، وجامعة ويسكونسن، وبرنامج TANGO الخاص نظام جامعة تايوان، ومؤسسة كافلي للفيزياء والرياضيات في اليابان.