كشف أسرار الأنوية الذرية

تبين أن البروتونات والنيوترونات في نواة الذرة لا تتصرف وفقاً لتوقعات النماذج النظرية الموجودة. توصل إلى هذه النتيجة المفاجئة فريقٌ عالمي من الفيزيائين والذي يضم أعضاء هيئة تدريس كلية الفيزياء بجامعة وارسلو، تدفعنا إلى إعادة النظر بكيفية وصفنا لأنوية الذرات الكبيرة في العقود الأخيرة.
 
نواة الذرة تشكل حقيقة واقعنا؛ حوالي 99.9% من كتلة جميع المواد داخلها. ولكن على الرغم من وجودها في كل مكان وأهميتها، لا تزال غير مفهومة نسبيًا من قِبَل الفيزياء المعاصرة، إن الحاجز الأساسي الذي يمنعنا من بناء صيغة نظرية لنواة الذرة هو التفاعلات المعقدة بين جزيئاتها، وهم البروتونات والنيوترونات.
 
يصبح الوضع أكثر تعقيدًا عندما تحتوي النواة على عدد أكبر من الجزيئات. كَتَبَ في المجلة المرموقة للفيزياء Physical Review Letter، مجموعة من العلماء من بولندا (كلية الفيزياء في جامعة وارسلو) و فنلندا والسويد، وبرهنوا أنه علينا تعديل النموذج الموجود عن أنوية الذرات التي تحتوي على عدد كبير أو حتى سحري من كلا البروتونات والنيوترونات.
 
يقول البروفيسور جاسيك دوبازسكي (Jacek Dobaczewski) من معهد الفيزياء النظرية في كلية الفيزياء من جامعة وارسلو: ''لقد أثبتنا أن واحد من العاملين الفيزيائيين الرئيسين اللذين أخذناهما بعين الاعتبار في نموذجنا عن عدد معين من الذرات كبيرة الأنوية في الواقع ليس ذات أهمية. هذا يعني عملياً أن الفيزياء في هذه الأنوية تتصرف بشكل مختلف عما كنّا نعتقد".
 
عندما يصف الفيزيائيون حركة الإلكترونات في الذرات، فهم يفترضون عموماً أنها تتحرك في مجال كهربائي صادر عن الإلكترونات المجاورة وأنوية الذرات البعيدة. ويتنبأ النموذج بوضوح تشكل طبقات إلكترونات بسعات مختلفة: يمكن أن تحتوي الأولى على 2 من الإلكترونات كحد أقصى ، و 8 في الثانية و 18 في الثالثة، وهلم جراً. يطبق علماء الفيزياء نموذج مماثل للأنوية الذرية نفسها. ولكن هذا يصبح أكثر صعوبة بسبب التفاعلات المعقدة بين الجسيمات دون-الذرية داخل النواة.
 
يوضح الدكتور ديمتار تاربانوف (Dimitar Tarpanov) من جامعة وارسلو: ''في الذرات، كل إلكترون موجود في مكان بعيد جداً عند الإلكترون الآخر وعن أنوية الذرات. وبالتالي يمكننا الإفتراض بأمان أن الألكترونات بوضوح تتحرك بشكل منفرد، فمتوسط مجال التفاعلات صادر من المكونات الذرية المتبقية. بينما، البروتونات والنيوترونات في أنوية الذرات قريبة جداً من بعضها البعض، وكلها موجودة في حقل تقوم بتشكيله بشكل فعال".
 
كما هي الحالة مع الإلكترونات، فإن نموذج متوسط-الحقل (averaged-field model ) يتنبأ بوجود طبقات داخل الأنوية ذات إحتمالية عالية لوجود البروتونات أو النيوترونات.بالتتابع تمتلئ طبقات الأنوية عندما تحتوي 2،8،20،28،50،82،126 بروتون ، (نفس الشيء ينطبق على طبقات النيوترونات).
 
تظهر المزيد من الطبقات الممتلئة في المستويات 114 و 120 و 126 للبروتونات و 184 للنيوترونات. تٌعرف هذه بالأعداد "السحرية"؛ وتسمى الأنوية الذرية ب "مزدوجة السحر" عندما تحتوي على عدد سحري للبروتونات بجانب عدد سحري للنيوترونات.
 
اهتم الباحثون بشكل خاص في الأوضاع التي تكون فيها حالة الأنوية مزدوجة السحر: واحدة من الطبقات مكتملة، بينما الطبقة الخارجية الأبعد تحتوي على بروتون أو نيوترون واحد. وكان السؤال، ما هي التفاعلات التي ستحدد حركة الجزيء "الوحيد
 
لعدة عقود وحتى الآن، ولكي تبقى القياسات المأخوذة في مختبرات الفيزياء متوافقة حول العالم، بالإضافة إلى نموذج معدل الحقول الموجود للذرات كبيرة الأنوية تم الأخذ بالحسبان المزيد من الظواهر: التذبذبات وحركة الأنوية التي تسببها الآثار الكمية. في بعض الحالات، مثل هذه التذبذبات ممكن أن تؤثر حتى في شكل الأنوية مثل تسطيحها أو أن تظهر كشكل حبة الكمثرى. إن مثل هذه التعديلات تؤثر أيضاً على مجال حركة البروتون أو النيوترون الإنفرادي الذي يتحرك في الأغلفة الخارجية من نواة الذرة.
 
استخدم علماء الفيزياء البيانات التجريبية المتاحة للنوى مزدوجة السحر من الأكسجين 16O، الكالسيوم 40Ca و 48Ca والنيكل 56Ni، والقصدير 132Snوالرصاص 208Pb، وكذلك للقريبة من ازدواجية السحر مثل 207Pb و 209Pb. تم استخدام البيانات حتى تُناسب المعايير المستخدمة في النموذج الحالي بالضبط. التحليل النظري لا يترك أي شك: الآثار الكمية والاهتزازات التي تكون معهم تبين أن لها تأثيراً أقل بكثير على حركة الجسيمات الفردية في الطبقات النووية مما كان يعتقد سابقاً.
 
يضيف البروفيسور دوبازسكي: "هذه النتيجة مذهلة. وبما أن التأثيرات الكمية في الأنوية كبيرة كما 209Pbانها ليست كبيرة بشكل رهيب، هذا يعني أن النموذج الموجود عن معدل الحقول نفسها لا يعكس الحقيقة. هناك شيء فشلنا في أخذه بعين الاعتبار؛ أنّنا نتساءل ما هو ...؟
 
مثل هذا العمل يساعد على وضع وصف دقيق ومتسق عن الظواهر التي تحدث في الضوء، النوى الذرية الثقيلة وفائقة الثقل لها تطبيقات عملية هامة، حيث يستخدم فهمنا لفيزياء الأنوية الذرية في بناء محطات الطاقة النووية، وتصميم محطات الطاقة النووية-الحرارية والجيش والطب النووي وتصوير الأنسجة، والتشخيص والعلاج من السرطان. وعلاوة على ذلك، التفاعلات و العمليات النووية أساسيان للطريقة التي توصف بها النجوم في الكون. الطرق النظرية التي طورت لوصف التفاعلات لكثير من الجزيئات في أنوية الذرات لها أيضاً الكثير من التطبيقات في الفيزياء النووية وفيزياء المواد الكثيفة، أيضاً في الكيمياء النووية، وفي تحليل الطيف لحالات التهيج في أنوية الذرات و في الذرات و الجزيئات.
 
تم تمويل البحث من خلال مشروع ENSAR والذي يدار كجزء منEU's FP7، ومركز العلوم الوطني بولندا، البرنامج الأكاديمي الفنلندي FIDIPRO، وصندوق الأبحاث البلغارية.

إمسح وإقرأ

المصادر

شارك

المساهمون


اترك تعليقاً () تعليقات