العلماء يمزجون المادة والمادة المضادة لحل لغز عمره عقد من الزمان حول البروتون

لطالما تم تحذير محبي العلم والخيال العلمي من أن مزج المادة مع المادة المضادة يمكن أن يؤدي إلى نتائج متفجرة، وهذا فقط ما يعول عليه الفيزيائيون حيث أنهم يأملون بحل لغز أربكهم في العقد الأخير.

جاء اللغز من تجارب تهدف الى تحديد كيفية ترتيب الكواركات (quarks) -وهي أحجار البناء المكونة للبروتون- داخل تلك الجزيئات. وتتواجد هذه المعلومات في وحدة كمية يدعوها العلماء بعامل الشكل الكهربائي للبروتون (proton’s electric form factor). ويصف عامل الشكل الكهربائي التوزع المكاني للكواركات داخل البروتون من خلال تخطيط الشحنة التي تحملها الكواركات.


استُخدم مقياس الطيف القبولي الكبير (CLAS) التابع لمسرع شعاع الإلكترونات المستمر (CEBAF) الموجود في صالة التجارب B لمختبرات جيفرسون في قياس الإلكترونات خلال التجربة.
استُخدم مقياس الطيف القبولي الكبير (CLAS) التابع لمسرع شعاع الإلكترونات المستمر (CEBAF) الموجود في صالة التجارب B لمختبرات جيفرسون في قياس الإلكترونات خلال التجربة.

استخدم علماء الفيزياء النووية طريقتين مختلفتين لقياس صيغة العامل الكهربائي للبروتون. لكنهم كلما كانوا يتعمقون داخل البروتون، كانت النتائج من هاتين التجربتين تتناقض مع بعضها البعض، لكن في النهاية، وفرت القياسات التي تم الحصول عليها من إحدى التجربتين كمية تقدر بخمسة أضعاف الكمية التي وفرتها الطريقة الثانية. وهذا التناقض الهائل هو أكبر من عدم اليقين التجريبي في القياسات.

يقول لاري فاينشتاين Larry Weinstein أُستاذ الفيزياء في جامعة أولد دومينيون Old Dominion: "إن الحل المقترح من أجل هذا التناقض هو أنَّ تحليل مجموعة واحدة من القياسات كان بسيطاً للغاية"، ويضيف أيضاً: "وإذا شملنا شيئاً يسمى تأثير الفوتونين (two-photon effect) فيجب أن تتوافق القياسات مع بعضها البعض".



التأثير هو نتيجة للطريقة التي يقوم علماء الذرة من خلالها بتحري البروتون. حيث يتم تحري البروتونات من خلال قذف البروتون بالإلكترونات المحملة بالطاقة ومراقبة كيفية تفاعل الجسيمين. وفي أغلب الأحيان يحدث هذا التفاعل من خلال تبادل الإلكترون لإحدى الفوتونات الافتراضية مع البروتون.

 

والفوتون الافتراضي (virtual photon) هو مجرد حزمة من الطاقة التي يتخلى عنها الإلكترون للبروتون عند اصطدامه مع الجزيء. ولكن في بعض الأوقات يتفاعل الإلكترون مع البروتون بشكل مختلف، فقد يستحضر الإلكترون اثنين من الفوتونات الافتراضية وينقلها إلى البروتون.

يقول فاينشتاين موضحاً: "في العادة عندما يتشتت إلكترون خارج بروتون أو خارج النواة، فإنه يقوم بذلك عن طريق تبادل فوتون افتراضي واحد. يشبه ذلك اثنين من المتزلجين يمران بجانب بعضهما البعض بحيث يقذف أحدهما للآخر بكرة كبيرة مما يساعد على تفريقهما. ونظراً لأنَّ التفاعل الكهرومغناطيسي ضعيف للغاية فإننا نتوقع أن الفوتون الثاني -الكرة الكبيرة الثانية- لا يتم تبادله إلا لعدد قليل من المرات. لكن تأثير المرات القليلة يمكن أن يكون كافيًا لتوضيح هذا الفرق الكبير بين القياسات لصيغة عامل الشكل الكهربائي للبروتون".

لذلك فإن علماء الذرة يحتاجون إلى قياسات جيدة لعدد المرات التي من المرجح أن يولد الإلكترون فيها اثنين من الفوتونات عبر تأثير الفوتونين. لكن تبقى هنالك مشكلة كبيرة: حيث أنه لم يقم أحدٌ بقياس هذا التأثير وحسابه بأي مستوى من الدقة، و هو أمرٌ بالغ الصعوبة نظراً لتعقيد البروتون.

وللحصول على تلك الكمية، حاول فاينشتاين وزملائه مزج المادة مع المادة المضادة.

وفي حين أن قياس تأثير الفوتونيين بشكل مباشر يمكن أن يكون بالغ الصعوبة الآن، إلا أن العلماء قد تمكنوا من قياس الكميات المختلفة المرتبطة مع التأثير. ويمكن قياس تأثير الفوتونين بشكل غير مباشر من خلال رصد عدد المرات التي يتفاعل بها البوزيترون "وهو توأم الإلكترون في المادة المضادة" مع البروتون. تساعد فروق التفاعلات بين الإلكترونات والبوزيترونات في تقدير شدة تأثير الفوتونين وتأثيره على قياسات عامل الشكل الكهربائي للبروتون.

وبإستخدام منشأة مسرع شعاع الإلكترونات المستمر (CEBAF) في منشأة مسرع توماس جيفرسون الوطني التابع لوزارة الطاقة، فقد عمل فاينشتاين وزملاؤه على أخذ القياسات في شتاء 2010. وقد بدؤوا بشعاع من الإلكترونات، مرروه عبر رقاقتين من الذهب ومن خلال بضعة مغانط لإنشاء شعاع مؤلف من الإلكترونات والبوزيترونات. تم توجيه هذا الشعاع بشكل مباشر الى بروتونات مستهدفة من الهيدروجين.

بعد ذلك قاموا بجمع البيانات المتعلقة بتصادمات "البروتون-الإلكترون" و"البروتون-البوزيترون" بواسطة مطياف (CLAS). وبما أن تجارب مثل هذه لم يتم القيام بها من قبل، فقد استغرقوا أربع سنوات لتحليل البيانات واستخلاص النتائج الدقيقة.

يقول فاينشتاين: "في الحقيقة كان هناك فرقٌ صغير. حصلنا على تصادمات البوزيترون-البروتون أكثر بقليل من تصادمات الإلكترون-البروتون. ولذلك فإن قياساتنا تتفق مع الحسابات، والحساب يظهر بدرجة أكبر التباينات بين عمليتي القياسات لعامل الشكل الكهربائي للبروتون".

وبحسب الباحثين فإن هذا يعني أن الاختلافات في قياسات عامل الشكل الكهربائي للبروتون -والذي يوفر معلومات عن عدد الكواركات الموزعة داخل البروتون- يمكن أن تكون قابلة للعد من خلال تاثير الفوتونين (two-photon effect).


وقد أجرى فريقان آخران من الباحثين -هما فريق VEPP-3 في مدينة نوفوسيبيرسك وفريق OLYMPUS في مدينة ديزي- قياسات أيضاً لهذا التأثير، وذلك باستخدام الحُزم المفردة من الإلكترونات والتي قارنوها مع حُزم مفردة من البوزيترونات. أظهرت قياسات VEPP-3 نتائج مشابهة ومايزال فريق OLYMPUS يحلل بياناته.

يبدو ظاهرياً الآن أن لغز البروتون قد يتم حله. سيستكشف علماء الفيزياء النووية بشكل أدق عامل الشكل الكهربائي للبروتون، كاشفين النقاب عن تموضع الكواركات في البروتون وعن عامل الشكل المغناطيسي للبروتون، وكاشفين النقاب أيضاً عن كيفية تحرك الكواركات داخل البروتون، وذلك لأخذ نظرة عن كثب لكيفية بناء الكواركات للبروتون. 

وقد كان لاثنين من طلاب الدكتوراه دور فعال في إجراء التجربة، ألا وهما دانيال ريمال Dipak Rimal من جامعة فلوريدا الدولية، و داسوني أديكارام Dasuni Adikaram من جامعة أولد دومينيون Old Dominion -وكلاهما تخرج في مايو/أيار 2014. وقد ساعدا في نصب المعدات، وتجهيز الواقيات، بالإضافة إلى جمع البيانات وتحليلها.

إمسح وإقرأ

المصادر

شارك

المساهمون


اترك تعليقاً () تعليقات