العلماء يعيدون التفكير في مصدر الماء على الأرض

من البراكين أم المذنبات؟

كوكب الأرض هو الكوكب الأزرق منذ 3.8 مليار سنة. تُقدّم تراكمات الصخور الرسوبية والحمم البركانية التي بردت واتخذت أشكال وسائد مميزة دليلًا قاطعًا على أنّ الماء السائل كان موجودًا على سطح الأرض من مدة لا تقل عن عمرها.

ولكن بالنظر إلى كميات الصخور الجرداء الكبيرة الموجودة في المجرة، فإن المحيطات الوفيرة على سطح الأرض تثير السؤال عن مصدر كل هذا الماء. ويستمر علماء الجيولوجيا في مناقشة نظريتين حول هذا الأمر.

اقترحت احدى النظريتان أنّ مصدر الماء على كوكب الأرض قد يكون من الكويكبات والمذنبات التي اصطدمت به. ولكن الأبحاث الحديثة قد عزّزت الفرضية القائلة بأن الماء كان دائماً موجوداً في صخور غلاف الأرض، وخرج تدريجيًا إلى السطح عبر البراكين.

إنّ العمل لاكتشاف أيّتها آلية هي الأكثر أهمية لن يمكننا فقط من فهم تاريخ الأرض على نحو أفضل ولكن سيساعدنا في البحث عن كواكبٍ أخرى يمكنها أن تدعم الحياة.

اكتشف العلماء في عام 1974 أن غلاف الأرض يحتوي على معادن ثمينة مثل البلاتين platinium أكثر مما كان متوقعًا. تنجذب هذه العناصر بشكل طبيعي إلى الحديد ولذلك فإن الغالبية العظمى منها سُحب إلى الحديد في نواة الأرض في وقت مبكر من تاريخها. وأدّى هذا إلى نشوء فكرة مفادها أن الكويكبات التي ضربت الأرض بعد وقت قصير من بداياتها المضطربة أدت الى تشكل طبقة إضافية من المواد.

وقد تشتمل هذه القشرة "المتأخرة التكوين" بالإضافة إلى المعادن الثمينة على مواد "متطايرة" أيضًا مثل الكربون والماء، والمعروف وجودها على نوع من الكويكبات يسمى الكوندريت الكربوني carbonaceous chondrite. ولكن البحوث الحديثة جعلت فرضية الماء الذي مصدره الكويكبات والمذنبات أقل احتمالًا بكثير.

أظهرت دراسة أجريت في يناير كانون الثاني في عام 2017، أن نوعًا من الروثينيوم (ruthenium أحد المعادن التي تنجذب للحديد) الموجود في غلاف الأرض لديه توقيع ذري مختلف عن ذلك الموجود في كويكبات مشتركة من النظام الشمسي الخارجي.

هذه الدراسة تقترح أن القشرة متأخرة التكوين جاءت من النظام الشمسي الداخلي، حيث تكون المواد المتطايرة نادرة – وبالتالي فإن هذه الكويكبات لم تكن المصدر الرئيسي للماء على الأرض. هذا يؤيِّد الأبحاث القائلة بأن الماء كان متوفرًا على الأرض قبل وجود القشرة متأخرة التكوين.

فعلى سبيل المثال، هناك أدلة مختلفة على تبلور أقدم المعادن الأرضية (الزركون zircon) من مصادر الحمم البركانية المنصهرة المتفاعلة مع الماء السائل. ويتراوح أعمار هذه المعادن بين 4.1 و4.3 مليار سنة، ولكن الاعتقاد الأكثر شيوعًا هو أنّ القشرة متأخرة التكوين النهائية قد نشأت منذ حوالي 3.9 مليار سنة.

ولا يعني احتواء الكويكب المُصطدم بالأرض على الماء أنّ بالإمكان إيصال هذا الماء إلى الأرض بنجاح. في الواقع، يعتقد العلماء الآن أن الأرض قد قلت كتلتها بدلاً من زيادتها نتيحة الاصطدامات العنيفة بالكويكبات في وقت مبكر من تشكُّلها، في عملية تعرف باسم الاصطدام collisional أو تأثير التعرية impact erosion.

وما زالت هذه الفرضية غير مثبتة، ولكن كشفت دراسة حديثة تتعلق بتأثير فوهة بركان سيدبوري Sudbury impact crater في كندا دليلًا على أنَّ الاصطدام قد أدّى إلى تبخر معظم معدن الرصاص المتطاير. وهذا يعني أنّ الأنواع الأكثر تطايرًا مثل الماء فُقدت أيضًا في الفضاء بسبب هذا التأثير.

وهناك دليل آخير على أن المحيطات على كوكب الأرض قد تشكلت في وقت مبكر جدًا، وهو وجود الكلور chlorine على الأرض بكميات أكثر مما هو متوقعًا. فالوجود المبكر للماء السائل على سطح الكوكب قد أعطى الكلور وسطًا للتحلل داخله وبالتالي المساعدة على منع فقدانه في الفضاء.

وأخيرًا، وعلى عكس علماء الكواكب، ناقش علماء كيمياء الأرض لمدة طويلة استحالة أن يكون مصدر محيطات الأرض من المذنبات الجليدية وذلك لاحتوائها على كمياتٍ مختلفة من الهيدروجين الثقيل.

 

إزالة الغازات من الطبقات الداخلية للأرض


تشير جميع هذه الأدلة إلى أنّ الماء الموجود على سطح الأرض أو "الغلاف المائي السائل hydrospere" قد نتج بفعل إزالة الغازات من الطبقات الداخلية للكوكب.

يُخزّن الماء في غلاف الأرض على شكل مجموعات هيدروكسيل hydroxyl groups (ذرة هيدروجين وذرة أكسجين) داخل معادن مثل رينغودايت ringwoodite.

عند انصهار صخور غلاف الأرض، يذوب الماء داخل الحمم البركانية. وبارتفاع الحمم البركانية نحو السطح وانخفاض درجة حرارتها، ينخفض الضغط، وتتشكل البلورات ويتم اطلاق الماء على شكل بخار من خلال البراكين. ووفقًا لهذه الآلية، فإنه من الممكن إزالة الغازات من الماء الموجود على عمق كبير وإخراجه إلى السطح.

وأظهر عمل تجريبي رائد أنّ المعادن الموجودة على عمق يتراوح بين 150 و200 كيلومتراً (90-120 ميلًا) يمكن أن تحتوي على الماء. ولكن، اقترحت تجارب، وبيانات أنموذجية وزلزالية حديثة أنّ الماء يمكن أن يوجد أيضًا على عمق يتراوح بين 400 و 660 كيلومترًا (250- 410 ميلًا) تحت سطح الأرض.

وتقترح بيانات حديثة قدّمها علماء يدرسون كيفية تشكل بلورات الماس في أعماق الأرض احتمالية وجود الماء على أعماق أبعد من ذلك. هذا الدليل الجديد من معادن غلاف الأرض في العمق الفعلي يجعل فكرة أن الماء على سطح الأرض جاء من العمق تبدو أكثر احتمالًا.

لكن من المهم أن نفهم أنّ الماء يمكن أيضًا أن يتم إعادة تدويره مرة أخرى إلى غلاف الأرض. هذا يعني وجود توازن بين الماء في المحيطات وذلك الموجود في غلاف الأرض. يمكننا أن نخمّن فقط كمية الماء التي قد تزال مخزنة في هذه الأعماق السحيقة.

 

ما نعرفه هو أن متوسط مستوى سطح البحر بالنسبة إلى اليابسة قد بقي ثابتاً نسبياً لما يقرب من أربعة مليار سنة. هذا يشير إلى أن وجود دورة مستمرة من الماء الخارج من غلاف الأرض والعائد إليه مرة أخرى قد ساعد بشكل كبير في استمرار الحياة على امتداد تاريخها في هذا الكوكب. 

إمسح وإقرأ

المصادر

شارك

المساهمون


اترك تعليقاً () تعليقات