العلماء يشهدون تذبذبات في موجة مفرقة للجزيئات في البلازما الأولية

داخل تصادمات أيونات الذهب، ينشأ مجال مغناطيسي قوي وسلسلة من التأثيرات التي تدفع الجسيمات موجبة الشحنة إلى أقطاب منطقة التصادم الشبيهة بكرة القدم، والجسيمات سالبة الشحنة إلى خط الاستواء.


مصدر الصورة: مختبر بروكهافن الوطني (Brookhaven National Laboratory).


حصل العلماء العاملون في تجربة ستار التعاونية (STAR collaboration) ضمن مصادم الأيونات الثقيلة بسرعات نسبية (Relativistic Heavy Ion Collider-RHIC)، وهو عبارة عن مُسرّع جسميات يقع في مختبر بروكهافن الوطني بالولايات المتحدة الأمريكية، على دليل جديد حول ما يعرف بالموجة المغناطيسية غير المتناظرة انطباقياً (chiral magnetic wave)، المنتشرة عبر حساء بلازما الكوارك-الغلوون، والتي يتم صنعها في مصادم الجسيمات النشطة الخاص بـ RHIC.

كانت هذه الموجات إحدى النتائج التي توقعها العلماء في بلازما الكوارك-الغلوون- وهي حالة من حالات المادة وُجدت في الكون المبكر، كما أنها لبنات البناء الأساسية للبروتونات والنيوترونات، التي كانت حرة قبل أن ترتبط ارتباطاً وثيقاً مع تلك الجسيمات الأكبر، وفي حال تم تأكيد هذا الاكتشاف فسيقدم أدلة إضافية على أن تصادمات RHIC الحاصلة بين أيونات الذهب عالية الطاقة تُعيد تشكيل نقاط البلازما الحارة ذات الحجم النووي آﻻف المرات في الثانية الواحدة.

ستزود النتائج الباحثين أيضاً بأدلة ظرفية تدعم ظاهرة كمومية منفصلة هي محط جدل منذ زمن طويل وتتطلب وجود موجات. وقد تم توصيف هذه النتائج في ورقة علمية ستُنشر في مجلة "Physical Review Letters".

لمحاولة فهم هذه النتائج، لنلقِ نظرة عميقة داخل البلازما التي تشبه عالماً غريباً تفصل فيه المجالات المغناطيسية بين الجسيمات اليمينية واليسارية، ثم تنشأ موجات تتدفق منها شحنات موجبة وأخرى سالبة ذات تأثيرات مختلفة.

يقول هونغويي كيي Hongwei Ke، طالب دراسات ما بعد الدكتوراه في بروكهافن: "ما نقيسه في هذا الكاشف هو ميل الجسيمات سالبة الشحنة إلى الخارج عند خط استواء "الكرة النارية" للتصادمات، واندفاع الجسميات موجبة الشحنة نحو القطبين". لكنّ أسباب هذا التدفق التفاضلي تبدأ عند اصطدام أيونات الذهب وفقاً لهونغويي.

يفسر كيي أنه عند إطلاق 79 بروتوناً في هذه الأنوية المنفصلة عن إلكتروناتها تدمر هذه البروتونات بعضها البعض، فيبدأ مزيج الشحنات بالدوران حول المركز، في حين أن الشحنات الموجبة تدور حول كتلة تعميم المادة خالقةً بذلك حقلاً مغناطيسياً قوياً عمودياً عليها، فتنتج أيونات ذرات الذهب مجردة من إلكتروناتها. الصورة بالأعلى لكرة مغزلية ذات قطبين شمالي وجنوبي.

ضمن هذه الكتلة الدائرية، هناك أرقام عملاقة من الجسيمات دون الذرية، في مرحلة أولى من الكواركات والغلوونات، وجسيمات أخرى في مراحلها الأخيرة تكونت بواسطة الطاقة الكامنة في نطاق التصادم. العديد من هذه الجسمات تدور بواسطة المجال المغناطيسي. اتجاه دورانها بالنسبة لاتجاه حركتها هي خاصية تسمى باللا إنطباقية (chirality). فالجسيمات التي تتحرك بعيداً عن مغزلك الذي يدور عكس اتجاه عقارب الساعة تكون جسيمات يمينية، ويالمثل فإن الجسيمات التي تدور مع عقارب الساعة تكون جسيمات يسارية.

كاشف STAR في RHIC يتتبع مسارات الجسيمات الخارجية دون الذرية التي تولد آلاف التصادمات في الثانية الواحدة. مصدر الصورة: مختبر بروكهافن الوطني (Brookhaven National Laboratory).
كاشف STAR في RHIC يتتبع مسارات الجسيمات الخارجية دون الذرية التي تولد آلاف التصادمات في الثانية الواحدة. مصدر الصورة: مختبر بروكهافن الوطني (Brookhaven National Laboratory).


وفقاً لـ غانغ وانغ (Gang Wang)، من جامعة كاليفورنيا في لوس أنجلوس وعضو متعاون في STAR، فإنه إذا كان عدد الجسيمات ومضاداتها مختلفاً فسيؤثر المجال المغناطيسي على الجسيمات التي عن اليمين وعن اليسار بمقدار مختلف، وفي نهاية المطاف تنفصل على طول المجال المغناطيسي.

يقول غانغ: "هذا الانفصال اللا إنطباقي يتصرف مثل البذرة التي تسبب انفصال الجسيمات مختلفة الشحنة، والتي تقوم بتحفيز المزيد من الانفصالات اللا إنطباقية، والمزيد من انفصال الشحنات وما إلى ذلك، حيث جاء اسم الموجة المغناطيسية غير المتناظرة انطباقياً بسبب جسمين يؤثران في بعضهما البعض كالموجة، وفي النهاية فإن ما تراه ما هو إلا تأثير هذين الجسمين في بعضهما فيدفعان معاً الجسيمات السالبة الشحنة على خط الاستواء، وتتجه الجسيمات موجبة الشحنة نحو القطبين".

للبحث عن هذا التأثير، قام باحثو STAR بقياس مجموع حركات الجسميات السالبة منها والموجبة المولَّدة في مصادم RHIC، فوجدوا سيلاً من الشحنات السالبة البيضوية، وتزداد قوةً بحركتها على طول خط الاستواء، وبالمثل فإن الشحنات الموجبة البيضوية تكون محصورة في القطبين، وتزيد كثافة الشحنة المُحصلة بزيادة تدفق الشحنات الموجبة والسالبة البيضوية.

ووفقاً للمنشورات التابعة لـ STAR فإن هذا هو المتوقع بالضبط باستخدام نظرية التنبؤ وإجراء العمليات الحسابية عليها حول وجود الموجة المغناطيسية غير المتناظرة انطباقياً، وحسب ملاحظات المؤلف فإن هذه النتيجة تواصل الصمود في وجه جميع الطاقات المزمع إنشاؤها في RHIC، لكن حالياً لا يوجد تفسير غير ذلك.

وتبعاً للنتائج، قال عالم الفيزياء في مختبر بروكهافن أيهونغ تانغ Aihong Tang، صاحب تطبيقات مهمة في هذه التجربة: "ما نعنيه بقولنا أننا رأينا دليلاً على الموجات المغناطيسية غير المتناظرة انطباقياً، هو أن العناصر التي تحتم تكوين الموجات في بلازما كوارك-غلوونية موجودة. وواحد من هذه العناصر هو تأثير الموجات المغناطيسية غير المتناظرة انطباقياً، وهي إحدى الظواهر الكمومية التي تسبب انفصال الشحنة الكهربائية على طول المجال المغناطيسي، التي كانت محور نقاش ساخن في الفيزياء. وجود الموجة دليل على وجود الموجات المغناطيسية غير المتناظرة انطباقياً أيضاً".

معجل الجسيمات يكتشف جسيمات نووية ووحدات بناء المادة في RHIC مصدر الصورة: مختبر بروكهافن الوطني (Brookhaven National Laboratory).
معجل الجسيمات يكتشف جسيمات نووية ووحدات بناء المادة في RHIC مصدر الصورة: مختبر بروكهافن الوطني (Brookhaven National Laboratory).


التأثير المغناطيسي اللا إنطباقي مرتبط بملحوظة مثيرة للإهتمام في RHIC وهي فصل أكثر موضعية للشحنات داخل بلازما كوارك-غلوونية http://www.bnl.gov/newsroom/news.php?a=11073، ما يعني أن هذا دليل يثبت النتائج السابقة.

أخيراً، لفت تانغ الانتباه إلى أن عملية انتشار هذه الموجات غير المتناظرة انطباقياً تتطلب مجموعة تناظر لا إنطباقية، وهي أنواع مستقلة من الجسيميات الأصلية اليمنى منها واليسرى.

قال عالم الفيزياء النووية في بروكهافن وجامعة ستون بروك ديميتري كارزيف Dmitri Kharzeev: "في الحالة القاعدية (ground state) للديناميكا اللونية الكمية (quantum chromodynamics) وهي النظرية الأساسية التي تصف التفاعلات بين الكواركات والغلوونات، فإن التناظرات اللا إنطباقية منكسرة، ويمكن أن تتحول الجسمات اليمينية واليسارية لجسيمات أخرى. لذا فإن شحنة الجسيمات اللا إنطباقية ستفنى ولن نرى انتشاراً للموجات المغناطيسية اللا إنطباقية". لكن تنبأت الديناميكا اللونية الكمية بأن الكواركات والغلوونات محصورة، أو أنها متحررة كما هو الحال في بلازما كوارك غلوون، وعندها يتم استعادة تناظر الموجات المغناطيسية اللا إنطباقية. لذلك فإن رصد هذه الموجات تزودنا بأدلة حول استعادة الموجات اللا إنطباقية لتوزانها، وهذا مؤشر على أن بلازما كوارك غلوون قد تم تكوينها.

يقول كارزيف: "من الأشياء الرئيسية التي نسعى لحلها هو إجابة عن السؤال: كيف للمحصور أن يستعيد توازنه؟ ونحن نعلم من خلال الدراسات التابعة لـ QCD أن الانحصار والتجديد يحدثان معاً، مما يشير إلى أن هناك علاقة قوية بينهما، ونسعى لمعرفة هذه العلاقة".

يضيف الفيزيائي زانغبو شيو Zhangbu Xu، من بروكهافن والمتحدث باسم تعاونية STAR: "لتحسين قدرتنا على بحث وفهم الآثار اللا إنطباقية، نرغب بمقارنة اصطدامها باصطدام نوًى لها نفس العدد الكتلي، لكن باختلاف عدد البروتونات. وبالتالي ستكون هناك كميات مختلفة من الشحنات الموجبة (مثل: عنصر الروثينيوم، عدده الكتلي 96 ويحوي 44 بروتوناً، وعنصر الزركونيوم عدده الكتلي 96 ويحوي 40 بروتوناً)، وقد يسمح لنا ذلك بتغيير قوة المجال المغناطيسي الأول مع الحفاظ على تشابه جميع الحالات الأساسية".

إمسح وإقرأ

المصادر

شارك

اترك تعليقاً () تعليقات