العلماء يُحددون طبيعة المادة الغريبة في الغلاف الجوي للشمس

الاندفاعات الشمسية كما صورها مرصد الحركيات الشمسية Solar Dynamics Observatory التابع لوكالة الفضاء والطيران الوطنية الأمريكية NASA في العام 2015
حقوق الصورة: NASA/SDO

أعلن باحثون من أيرلندا وفرنسا عن نتائج جديدة حول سلوك المادة في الظروف الاستثنائية للغلاف الجوي للشمس.


استخدم الباحثون تلسكوبات راديوية عملاقة وآلات تصوير تعمل بالأشعة فوق البنفسجية مركَّبة على مركبات فضائية تابعة للوكالة الوطنية للطيران والفضاء NASA ليتمكنوا من تحسين فهمهم "الحالة الرابعة للمادة" الغريبة التي ما كانوا يفهمونها بالقدر الجيد، ويمكن لفهم المادة في هذه الحالة – والتي نسميها البلازما – أن يحمل مفتاح تطوير مفاعلات طاقة نووية آمنة ونظيفة على الأرض. وقد نشر الباحثون نتائج دراستهم في افتتاحية مجلة Nature Communications.


غالبية المادة التي نصادفها في حياتنا اليومية تكون في أحد ثلاثة أشكال، فهي إما صلبة أو سائلة أو غازية. غير أن الكون يعجُّ بالمادة في شكلٍ آخر، ألا وهو البلازما. والبلازما مائعٌ يحمل شحنةً كهربائيةً وشديد التقلُّب. وتتكون الشمس من البلازما.


وعلى الرغم من أنه الشكل الأكثر شيوعاً للمادة في الكون، إلا أنها ما تزال لغزاً غامضاً عصياً على الفهم. ولعلَّ من أسباب ذلك الاستعصاء هو نُدرتها في الظروف العادية على الأرض، ما جعل دراستها أمراً صعب المنال. وتسعى بعض المختبرات إلى إعادة تخليق الظروف القاسية الموجودة في الفضاء لهذا الغرض. غير أن الشمس تقدِّم لنا مختبرًا طبيعيًا يُتيح لنا دراسة سلوك البلازما في الظروف البالغة الصعوبة التي لا يمكن توليدها في المختبرات الموجودة في الأرض.


يقود أوين كارلي Eoin Carley الباحث في مرحلة ما بعد الدكتوراه في كلية الثالوث في دبلن Trinity College Dublin ومعهد دبلن للدراسات المتقدمة Dublin Institute of Advanced Studies أو اختصارًا DIAS فريقًا دوليًا يعمل على حلّ المسألة، ويقول: "إنّ الغلاف الجوي للشمس مرتعٌ للنشاطات القاسية حيث تتجاوز درجة حرارة البلازما المليون درجة سلسيوس وتنطلق الجسيمات بسرعاتٍ قريبةٍ من سرعة الضوء. وتُصدر هذه الجسيمات بريقاً لامعاً عند الأطوال الموجية الراديوية، لهذا يمكننا مراقبة سلوك البلازما بدقة باستخدام التلسكوبات الراديوية العملاقة".


ويقول كارلي: "لقد عملنا مع علماء من مرصد باريس Paris Observatory وأجرينا عمليات رصد للشمس بالمرصد الراديوي الكبير الموجود في نانساي Nançay في وسط فرنسا. وتبيّن لنا من خلال دمج هذه المُشاهدات الراديوية مع الصور التي التقطها مرصد حركيات (ديناميات) الشمس Solar Dynamics Observatory الفضائي التابع لوكالة الفضاء والطيران الوطنية الأمريكية NASA بالأشعة فوق البنفسجية أنّ البلازما في الشمس غالباً ما تُطلِق انبعاثات رايوية على شكل نبضات تُشبه نبضات الضوء في المنارة. وعلى الرغم من معرفتنا بهذا السلوك منذ عقود، إلا أنّ الجمع ما بين المرصد الفضائي والمرصد الموجود على الأرض أتاح لنا تصوير النبضات الراديوية لأول مرة، وتمكّنا من الحصول على عرفة دقيقةٍ عن الكيفية التي تتحول بها البلازما إلى حالة عدم الاستقرار في الغلاف الجوي للشمس".


إنّ دراسة سلوك البلازما على الشمس يسمح بالمقارنة ما بين ذلك السلوك وبين سلوكها على الأرض، ويساعد على فهمها. إذ إن العلماء يسعون لبناء مفاعلات اندماجٍ نووي تعتمد على الحصر المغناطيسي للبلازما. وتولد هذه المفاعلات الطاقة النووية بطريقةٍ أنظف وأكفأ وأكثر أمانًا من مفاعلات الانشطار التي نستعملها في توليد الطاقة اليوم.


ويشرح بيتر غالاغر Peter Gallagher الأستاذ في معهد دبلن للدراسات المتقدمة DIAS وأحد المشاركين في المشروع بقوله: "إنّ مفاعلات الاندماج النووي نوعٌ مختلف من مولدات الطاقة النووية التي تعمل على صهر أو دمج ذرات البلازما مع بعضها البعض، على عكس ما تفعله مفاعلات الانشطار التي تقوم على تحطيم الذرات. والاندماج النووي أكثر استقرارًا وأمانًا، ولا يحتاج وقوداّ مشعّاً، ومعظم مخلّفات التفاعل ما هي إلا غاز الهليوم الخامل.


"المشكلة الوحيدة التي تواجه الاندماج هي أن البلازما غير مستقرةٍ أبداً. وحالما تبدأ بتوليد الطاقة حتى تتدخل بعض العمليات الطبيعية التلقائية وتوقف التفاعل. وعلى الرغم أنّ هذا التصرف يمكن اعتباره بمثابة صمام أمان طبيعي يحول دون أن تنطلق التفاعلات المتسلسلة في مفاعلات الاندماج النووي إلا أنها تؤدي أيضًا إلى صعوبة الإبقاء على البلازما في حالة الاستقرار اللازمة لتوليد الطاقة. ومن خلال دراسة الآليات التي تبقى فيها البلازما في الشمس غير مستقرة يمكننا تعلُّم كيفية التحكم بها على الأرض".


وما كان لهذا البحث أن يحقق النجاح لولا التعاون الوثيق ما بين الباحثين في كلٍ من كلية الثالوث ومعهد الدراسات المتقدمة في دبلن مع زملائهم الباحثين الفرنسيين.


وتُضيف الدكتورة نيكول فيلمر Nicole Vilmer التي تقود فريق الباحثين في باريس: أنّ مرصد باريس Paris Observatory له تاريخ طويل في إجراء الأرصاد الراديوية للشمس، التي تعود إلى خمسينيات القرن العشرين. ومن خلال تشكيل فريق موحد مع مجموعاتٍ بحثيةٍ أخرى تعمل في مجال علم الفلك الراديوي في أنحاء أوروبا يمكننا الوصول إلى تحقيق اكتشافاتٍ رائدة كهذا الاكتشاف، إضافةً إلى تعزيز النجاح الذي نحققه في على الفلك الراديوي في فرنسا. كذلك فإن هذا يقوّي أواصر التعاون العلمي بين فرنسا وإيرلندا الذي نأمل أن يستمر في المستقبل".

ويُضيف الدكتور كارلي بأن التعاون مع العلماء الفرنسيين مستمر، ونحن نحقق الإنجازات بالاستعانة المقاريب (التلسكوبات) الراديوية المبنية حديثًا في أيرلندا، مثل مصفوفة التردد المنخفض الأيرلندي Irish Low Frequency Array المعروف اختصارًا باسم I-LOFAR الذي يمكن استخدامه لاستكشاف الجديد في فيزياء البلازما على الشمس بتفاصيل غير مسبوقة، وهو ما يعلمنا كيف تتصرف المادة في حالة البلازما سواء أكانت على الشمس أم كانت على الأرض وحتى في أرجاء الكون عامةً.

إمسح وإقرأ

المصادر

شارك

المصطلحات
  • الأيونات أو الشوارد (Ions): الأيون أو الشاردة هو عبارة عن ذرة تم تجريدها من الكترون أو أكثر، مما يُعطيها شحنة موجبة.وتسمى أيوناً موجباً، وقد تكون ذرة اكتسبت الكتروناً أو أكثر فتصبح ذات شحنة سالبة وتسمى أيوناً سالباً

المساهمون


اترك تعليقاً () تعليقات