التحديات أمام نموذج المادة المظلمة الباردة

نشر مجموعة من الباحثين، من بضعة جامعات أمريكية، ورقة علمية جديدة تشرح التناقضات الرئيسية، الموجودة في النموذج الكوني للمادة المظلمة الباردة  (CDM)، وتقترح طرقاً تهدف إلى جعل المراقبات الكونية متوافقة مع تنبؤات نموذج  CDM.

 

نُشرت الورقة العلمية، التي تحمل العنوان "المادة المظلمة: الاختلافات عند سلالم القياس الصغيرة"، في مجلة Proceedings of the National Academy of Sciences.

 

خلال العقد الماضي، فسرت دراسات النموذج الكوني CDM البنية الكونية، الموجودة على امتداد مجال واسع من الانزياح نحو الأحمر  (redshift)، وتنص هذه النظرية السائدة على أن 80% من المادة المؤلفة لكوننا، مكونة من CDM، بوجود نسبة صغيرة من المادة الباريونية (baryonic matter)، التي تُؤلف المادة المرئية سهلة الرصد والموجودة في النجوم والكواكب.


وبشكلٍ ناجح، يُبرهن نموذج CDM كيفية تطور الحالة الناعمة المبكرة للكون إلى توزعات مادة متعنقدة، نرصدها اليوم في المجرات والعناقيد المجرية. وعلى النقيض من نموذج "المادة المظلمة الساخنة" الأقدم، تقول نظرية CDM  أن البنية الكونية تنمو هرمياً، إذ تُشكل البُنى الثقالية الصغيرة بُنى أكبر مع مرور الزمن.

 

• مسألة النواة-الذروة (انظر 1)


يعتقد علماء الكون أن المجرات محاطة بهالات كروية واسعة مكونة من المادة المظلمة. تقترح عمليات المحاكاة الكونية، أن هالات CDM هذه يجب أن تمتلك توزعات تحتوي ارتفاعات كبيرة في كثافة المادة المظلمة في مراكز المجرات. ومع ذلك، تفشل عملية رصد سرعات دوران المجرات في الوصول إلى الكثافة المُتنبئ بها للمادة المظلمة في قلوب المجرات.

 

يذكر المؤلفون أن أكبر التناقضات، الموجودة بين تنبؤات نموذج CDM والبيانات الرصدية، تنبع من المجرات الصغيرة؛ فلدى معظم هذه المجرات منحنيات دوران تتمتع بما يُعرف ببروفايل مادة مظلمة "مركزية"، بدلاً من كونه بروفايل ذو قمم، كما تقول التنبؤات. وبغرض حل هذا التناقض، استخدم المؤلفون فيزياء المادة الباريونية، إذ قادت عمليات المحاكاة، التي دمجت النماذج العرضية للتشكل النجمي والتغذية العكسية للسوبرنوفات في نموذج  CDM، إلى نتائج تتقارب بشكلٍ أكبر مع وجود توزعات مسطحة لـ CDM، وهو ما تمَّ رصده في المجرات.

يذكر المؤلفون أيضاً: "في عملية محاكاة هيدروديناميك التشكل النجمي والتغذية العكسية بمرور الزمن، انخفضت كثافة المادة المظلمة المركزية، وتحول البروفايل ذو القمة إلى آخر بقلب ذو كثافة ثابتة تقريباً".

 

• مسألة "التابع المفقود" (انظر 2)


يدور حول المجرات الكبيرة أنظمة من مجرات تابعة وأصغر منها، ولكلٍ منها هالته المكونة من المادة المظلمة. يشرح المؤلفون: "بسبب حفاظ CDM على الاهتزازات البدائية عند سلالم القياس الصغيرة جداً، فإن هالات اليوم مملوءة بأعداد كبيرة من الهالات الفرعية، التي تنهار في المراحل المبكرة وتُحافظ على هويتها بعد السقوط داخل نظام أكبر".

 

تكمن المشكلة في أن نموذج CDM يتنبأ بعدد من التوابع الطبيعية أكبر حول مجرات مثل درب التبانة، وهو أمر لم تَكشف عنه المراقبات حتى اليوم. قبل العام 2000، عُرف بوجود تسعة مجرات قزمة تقع في دائرة نصف قطرها يصل إلى 250 Kiloparsec انطلاقاً من هالة مجرة درب التبانة. لكن، تنبأ الباحثون بوجود ما يقع بين 5 إلى 20 مجرة إضافية، فأين ذهبت هذه المجرات التابعة؟


يعتقد المؤلفون أنه بالإمكان حل مسألة "التوابع الطبيعية المفقودة" بسهولة عبر دمج الفيزياء الباريونية. فعتبة السرعة، التي تتباعد عندها مراقبات الهالة الفرعية عن التنبؤات قريبة من القيمة، التي يجب عندها أن يؤدي تسخين الغازات بين-المجرية، بوساطة خلفية الأشعة فوق البنفسجية المؤينة ضوئياً، إلى وقف عملية تراكم الغاز في الهالات، وقد تشرح هذه الديناميكا السبب الكامن وراء بقاء الهالات الفرعية المقترحة مظلمة.


رصد هذه الهالات أمر صعب للكثير من الأسباب، ومن بينها العتمة النسبية للعديد من المجرات القزمة، مما يتسبب في استمرار وجود فجوات في فهمنا لتوزع المجرات القزمة.

 

• مسألة "كبير جداً على أن يفشل"


تتنبأ عمليات المحاكاة المجرية بوجود هالات فرعية بكتل مركزية، ويتوقع علماء الكون أنها تحتضن مجرات قزمة كلاسيكية كمجرات درب التبانة. على أية حال، فإن الكتلة الموجودة في مراكز هذه الهالات الفرعية تتجاوز الكتل المرصودة في معظم التوابع الطبيعية المجرية اللامعة. ويعترف المؤلفون أنه من الممكن، من حيث المبدأ، لهذه المجرات القزمة المرصودة أن تُقيم داخل هالات فرعية أقل كتلة، لكن هذه الحالة غير مرجحة فيزيائياً؛ ولذلك، وصف الباحثون هذا الصراع بتسميته مسألة "كبير جداً على أن يفشل".


كتب المؤلفون: "تتغير مسألة التناقض مع الفهم الخاص لبنية الهالة، ومع كتلة الهالة الرئيسية، لكن حتى بالنسبة لهالة كتلتها موجودة عند النهاية الدنيا من تقديرات درب التبانة، يظهر التناقض كبيراً جداً على أن يتم إحصاؤه، ويُوجد صراع مشابه في نظام التوابع الطبيعية الخاص بمجرة المرأة المسلسلة".

 

بالإضافة إلى ذلك، يذكر الباحثون أنه بالإمكان تفسير الكتلة المنخفضة للهالات الفرعية بالاعتماد على تأثيرات باريونية لم تأخذها عمليات المحاكاة بعين الاعتبار، لكن مسألة "كبير جداً على أن يفشل" تظهر في الأنظمة الأضخم بكثير، والتي تمتلك كموناً ثقالياً تُهيمن عليه المادة المظلمة.

وكما هي الحالة مع مسألة "القلب-الذروة"، تتنبأ عمليات المحاكاة بكتلة كبيرة جداً في المناطق المركزية من الهالات الفرعية.

 

• استكشاف حلول المادة المظلمة


في حال أراد الباحثون مستقبلاً الانتقال من نموذج CDM إلى نموذج بديل، يقترح المؤلفون حلاً ممكناً يطرح نموذج "المادة المظلمة الدافئة". في هذا النموذج، تكون سرعات التدفقات الحرة في المراحل المبكرة من عمر الكون كافية من أجل "إزالة الاهتزازات البدائية عند سلالم القياس دون المجرية".

 

الخبر الجيد هو أن انهيار المادة المظلمة الدافئة (WDM) عديم التصادم، يستمر في التسبب بوجود بروفايل هالة تحتوي قمم في عمليات المحاكاة، لكن التراكيز المركزية تكون أقل مما هي في نماذج  CDM، وأكثر قرباً من مراقبات منحنيات الدوران المجري.

 

كنتيجة لذلك، يتناقص تابع كتلة الهالات والهالات الفرعية نحو الكتل المنخفضة في غياب الاضطرابات، الحاصلة عند سلالم القياس الصغيرة، والتي تُؤدي إلى انهيار الأجسام، وبالتالي يُصبح تابع كتلة الهالات الفرعية، العائد إلى التوابع الطبيعية القزمة المرصودة، مشمول بالحسابات.

 

أما الخبر السيء فهو، قيام WDM بتحييد الطاقة عند سلالم القياس الصغيرة، مما يؤدي إلى وجود هالات فرعية قليلة في درب التبانة بهدف دعم عدد المجرات القزمة التي تم رصدها. يستنتج المؤلفون، أنه بصرف النظر عن بعض الارتياب المتبقي في عمليات المحاكاة العددية والبيانات الرصدية، لا يستطيع نموذج WDM حل مسائل التوابع الطبيعية المفقودة والقلب-الذروة، الموجودة في المراقبات الكونية.

 

• عمليات التطوير المستقبلية


قد يأتي الأمل في تحسين نموذج CDM ليُحاذي المراقبات الموجودة، من أكثر من اتجاه بحثي في المستقبل:  قد تساهم عمليات المحاكاة المُحسنة لنماذج التفاعل مع المادة المظلمة في حل مسائل سلالم القياس الصغيرة، أو أنها تكتشف فشل البارامترات، اللازمة للوصول إلى تطابق مع مجموعة المراقبات، عند تطبيقها على مجموعة أخرى.

 

قد يستطيع الباحثون إجراء اختبار مباشر لتنبؤ  CDM، الذي يقول بوجود أعداد كبيرة من الهالات الفرعية منخفضة الكتلة، التي تدور داخل دائرة بنصف قطر فيريال (انظر 3) للمجرات الكبيرة. قد تساهم القياسات المُحسنة للسرعات النجمية في المجرات التابعة في حل مسألة التابع الطبيعي. وقد تستطيع تجارب الكشف الموجودة تحت الأرض، أو الجيل التالي من المراصد، أو تجارب التصادمات، تحديد جسيم المادة المظلمة خلال عقد من الزمن.



ملاحظات

1-تنتج هذه المسألة من عمليات المحاكاة الكونية، التي تُظهر أن المادة المظلمة الباردة (CDM) ستُشكل توزعات تحتوي على قمم في معظم المساحات الكثيفة في الكون، ويُشير هذا الأمر إلى أن مركز درب التبانة لا بد وأنه يعاني من كثافة في المادة المظلمة أعلى بكثير من بقية أجزاء المجرة.

 

2- تُعرف أيضاً بمسألة المجرات القزمة، وتنتج عن عمليات المحاكاة الكونية أيضاً، والتي تتنبأ بتطور توزع المادة في الكون. وتقول هذه المسألة بأن عدد المجرات القزمة، التي يتم رصدها حول المجرات الكبيرة، أقل من ذلك الموجود في عمليات المحاكاة بمراتب عديدة.

 

3- نصف القطر هذا قادم من نظرية فيريال  (virial theorem)، التي تُقدم معادلة عامة تربط القيمة المتوسطة للطاقة الحركية بمرور الزمن مع الطاقة الكامنة الإجمالية للنظام المكون من n جسيم. وفي علم الكون يُعرف كل من كتلة المجرة وحجمها باستخدام التعابير "نصف قطر فيريال" وكتلة "فيريال".

 

إمسح وإقرأ

المصادر

شارك

المساهمون


اترك تعليقاً () تعليقات