تكشف دراسة أجريت على فئران بأنه يمكن إيقاف تقدم التنكس البقعي المرتبط بالسن Age-related macular degeneration واختصارًا AMD، وذلك عبر التغيير من حمية غذائية عالية السكر (كالنشويات الموجودة في الخبز الأبيض) إلى حمية منخفضة السكر (كالنشويات الموجودة في الحبوب الكاملة). وبمقارنة الحميات التي تحوي نفس الكمية الكلية من الكربوهيدرات، وتحرر الحميات عالية السكرِ السكرَ إلى مجرى الدم بشكل أسرع من الحميات منخفضة السكر.
يؤمن باحثو مركز جين ماير لأبحاث التغذية البشرية في التقدم بالسن Jean Mayer USDA Human Nutrition Research (HNRCA) Center on Aging في جامعة تافتس Tufts University بأن الدراسة المنشورة في دورية PNAS تشير إلى واسمات أو علائم حيوية محتملة للتنكس البقعي المرتبط بالسن. ويمكن استخدام هذه الواسمات للتنبؤ فيما إذا كان الشخص معرّضًا للإصابة بهذا المرض، إذ إنه السبب الرئيسي لفقدان النظر لدى البالغين الذين تجاوزت أعمارهم الخمسين سنة.
في مراحله المبكرة، يسبب هذا المرض الرؤية الضبابية. أما في المراحل المتقدمة، فالتنكس البقعي المرتبط بالسن يجعل الحياة صعبةً جدًا. وتُقدّر مؤسسة National Eye Institute بأن أعداد المصابين بهذا المرض ستتضاعف بحلول عام 2050، وذلك من نحو 2.07 مليون إلى 5.44 مليون. وفي الولايات المتحدة، الأمريكيون البيض هم الأكثر عرضة للإصابة بهذا المرض، وكان 2.5 بالمئة من البالغين البيض بعمر الخمسين فما فوق في عام 2010 مصابين بالتنكس البقعي المرتبط بالسن. وعادة ما يُشخَّص هذا المرض فقط بعد أن يكون فقدان البصر قد بدأ، والأمر المؤسف هو أنه لا يوجد علاج له.
باستخدام فئران بالغة كنماذج، وزع الباحثون 59 فأرًا إلى مجموعتين: 19 فأرًا بتغذية منخفضة السكر، و40 فأرًا بتغذية عالية السكر. وقد اختلفت الحميتان فقط في مصدر الكربوهيدرات، حيث شكلّت الكربوهيدرات 45 بالمئة من الحمية الغذائية في كلا المجموعتين. وتنوعت معدلات الأميلوز Amylose، والأميلوبكتين Amylopectin في مصادر الكربوهيدرات [1]، وهما نوعا النشويات المستخدمة في عمل البحث. وكان النشاء عالي السكر مكونًا بنسبة 100 بالمئة من الأميلوبكتين، بينما كان النشاء قليل السعر مكونًا من الأميلوز بنسبة 70 بالمئة، والأميلوبكتين بنسبة 30 بالمئة.
بعدر مرور 6 أشهر، بقيت مجموعة الفئران عالية السكر على نفس الحمية، أو حوّلها الباحثون إلى الحمية منخفضة السكر.
لاحظ الباحثون أن الحمية الغذائية عالية السكر سببت العديد من أعراض التنكس البقعي المرتبط بالسن، والتي تضمنت فقدان الخلايا الموجودة في مؤخرة العين لوظائفها، أو ما يعرف بالضمور الظهاري الصبغي الشبكي (Retinal Pigmented Epithelial atropy (RPE، وكذلك فقدت الخلايا التي تسجل الضوء، والمعروفة بالمستقبلات الضوئية، وظائفَها، ويمثل ذلك بدايات الإصابة بالتنكس البقعي الجاف المرتبط بالسن، وذلك بينما الحمية منخفضة السكر لم ينتج عنها أي مما سبق. الأمر المهم هنا أن التغيير من حمية غذائية عالية السكر إلى حمية منخفضة السكر أوقف إلحاق الضرر بالشبكية.
يقول المؤلف الرئيس للدراسة شيلدون روان Sheldon Rowan، عالم مختبر الأبحاث للتغذية والرؤية بمركز HNRCA بجامعة تافتس الحائز على شهادة الدكتوراة: "تفاجأنا حقًا بأن شبكيات الفئران التي تغيرت حميتها من عالية السكر إلى منخفضة السكر في منتصف الدراسة كانت مطابقة لتلك التي لدى فئران الحمية منخفضة السكر. لم نتوقع بأن التغيير الغذائي قد يصلح الضرر المتراكم في الضمور الظهاري الصبغي الشبكي RPE بشكل فعّال. تقترح نتائجنا التجريبية بأن التغيير من حمية عالية السكر إلى حمية منخفضة السكر مفيد لصحة العين لدى من هم في طريقهم للإصابة بالتنكس البقعي المرتبط بالسن".
الواسمات الحيوية المحتملة
تعرّف الباحثون كذلك على واسمات حيوية محتملة لأعراض التنكس البقعي المرتبط بالسن. ويمكن استخدام هذه الواسمات في التنبؤ بمن سيصاب بالمرض. تتضمن الواسمات الحيوية المنتجات النهائية لعملية ارتباط السكر بالبروتين المتقدمة (Advanced Glycation End products (AGEs التي تتكون عندما تتفاعل مستقلبات السكر مع البروتينات. تضمنت الواسمات كذلك الدهون المؤكسدة، ومستويات السيروتونين والكارنتين-C3. وقد حدّت الحمية منخفضة السكر من تراكم AGEs، ومن أكسدة الدهون طويلة السلسلة عديدة عدم التشبع، ويمكن ل AGEs أن تكون عاملًا في تقدم السن، وظهور العديد من الأمراض الضمورية الأخرى بالإضافة إلى التنكس البقعي المرتبط بالسن. كما تتسبب أكسدة الدهون في تلف الدهون الموجودة في غشاء الخلية مما يؤدي لإلحاق الضرر بالخلية.
وجد الباحثون كذلك أن مستويات الكارنتين-C3 والسيروتونين المرتفعة في الدم كانت مرتبطة باتباع الحمية قليلة السكر، وقلة أعراض مرض التنكس البقعي المرتبط بالسن. يلعب الكارنتين C3، والمعروف ببروبيونيل-كارنتين، دورًا في عمليات استقلاب الأحماض الدهنية في الخلايا، وهو موجود في العديد من الأطعمة قليلة السكر كالحبوب الكاملة والبقوليات. يُصنّع السيروتونين في الأمعاء استجابةً لإشارات تأتي من الميكروبات الموجودة فيها. أظهر الباحثون أن تركيب الميكروبات المعوية، والتي يطلق عليها النبيت الجرثومي أو المجموع الحرثومي Microbiome، تتغير استجابة للحمية. ترتبط مستويات السيروتونين العالية بصحة الشبكية، وقلة تكرار أعراض التنكس البقعي المرتبط بالسن. وقد تعرّف الباحثون على مستقلبات عديدة أخرى مرتبطة بالحماية من التنكس البقعي المرتبط بالسن وبتركيب الميكروبات المعوية، مما أدى إلى تخمين الباحثين أن هناك وجودًا لمحور معوي-شبكي الذي قد يربط بين الحمية وصحة العين.
تقترح الاكتشافات أن التغيرات في عمليات الاستقلاب (الأيض) المرتبط بالحميات السكرية المختلفة، وارتباط المنتجات النهائية المتسكرة المتقدمة، وإنتاج وأكسدة الدهون، ومستويات السيروتونين والكارنتين-C3 ترتبط جميعًا بظهور أعراض التنكس البقعي المرتبط بالسن.
تضيف هذه الاكتشافات إلى كيان بحثي نامٍ حول ارتباط التحكم بالكربوهيدرات (السكريات) الغذائية، وظهور التنكس البقعي المرتبط بالسن، ويُقاد هذا الكيان على يد المؤلف الثاني ألين تايلور Allen Taylor الحائز على شهادة الدكتوراه، والعالم الخبير ومدير مختبر الأبحاث للتغذية والرؤية في مركز HNRCA بجامعة تافتس. يحتل تايلور مكانًا ثانويًا كبروفيسور طب العيون بكلية الطب بجامعة تافتس، وكذلك أحد أعضاء برامج الكيمياء الحيوية، وعلم الأحياء الخلوي والجزيئي والتطوري بكلية ساكلر للدراسات العلوم الطبية الحيوية العليا Sackler School of Graduate Biomedical Sciences بجامعة تافتس.
قال تايلور: "لا يوجد حاليًا واسمات حيوية مبكرة للتنبؤ بالمرض. وتظهر اكتشافاتنا تفاعلًا متبادلاً بين كل من الكربوهيدرات الغذائية، والميكروبات المعوية، وجزيئات كيمائية حيوية محددة، وأعراض التنكس البقعي المرتبط بالسن. ويجب أن يؤدي هذا العمل إلى محاولات جديدة لفهم، وتشخيص، ومعالجة التنكس البقعي المرتبط بالسن مبكرًا، وربما قبل أن يؤثر على الرؤية كما توقعت دراساتنا الوبائية البشرية، وتشير نتائجنا إلى قدرتنا على تطوير تدخلات غذائية تهدف للحد من تقدم المرض الذي يؤثر على الملايين، ويكلف المليارات عالميًا".
أضاف روان: "توجد فعلًا اختبارات سريرية لبعض هذه الواسمات الحيوية المحتملة. ويشكل فحص مستويات الكارنتين C3 جزءًا اعتياديًا من الفحص المسحي لتحري مجموعة أمراض عند المواليد الجدد، لذلك لن يكون من الصعب استخدام الاختبارات الموجودة سابقًا في تقييم مستوى التنكس البقعي المرتبط بالسن. توجد كذلك تدابير سريرية فعَالة للسيروتونين. أما المنتجات النهائية المتساكرة المتقدمة هي واسمات حيوية ناشئة لم تُستخدم على دراسات بشرية كبيرة النطاق حتى الآن. بالرغم من ذلك، فإن هذه المنتجات هي من ضمن الواسمات الحيوية الأكثر تشويقًا لمرض التنكس البقعي المرتبط بالسن، وذلك بما أننا نفهم آثار الضرر الجزيئي الذي تقوم به بشكل واضح".