هل يغير التدريب من الطريقة التي يدرك بها دماغك ما حوله؟

يغير التدريب السلوكي من الطريقة التي يُسهِّل بها الإدراك عملية الفهم في دماغ الإنسان وفقـًا لما توصلت إليه دراسة نشرت في 27 حزيران/يونيو في دورية POLS بواسطة سيراواج إتيبوريبات Sirawaj Itthipuripat في جامعة كاليفورنيا، سان دييغو.

بعد الانتقال إلى مدينة جديدة ، غالباً ما يكون الذهاب للعمل بالسيارة في اليوم الثاني والثالث مختلفاً عن اليوم الأول. مع مرور الوقت يشعر السائقون بارتياح أكبر؛ حيث يصبح من السهل عليهم تذكر إشارات الطريق والمنعطفات التي سيسلكونها، كما يصبح الطريق مألوفـًا أكثر بالنسبة لهم بعد تجربة القيادة فيه فعليًا . ظاهرة الإدراك هذه ليست حكراً على أنشطتنا اليومية فقط – كالقيادة مثلاً- وإنما تنطبق أيضاً على المهارات المتعلقة بمجال العمل والتي تحتاج إلى تمرين وخبرة، كمهارة قراءة الأشعة السينية لدى الأطباء، أو حتى تميّز بعض الرياضيين في مجالهم الرياضي.

قام العلماء بمراقبة كلٍ من الأداء السلوكي وأنشطة الدماغ بواسطة استعمال جهاز تخطيط كهربية الدماغ EEG لأكثر من شهر لدى المشاركين بالدراسة. قام هؤلاء المشاركون بتنفيذ مهمة على أجهزة الحاسب والتي كانت تتطلب منهم تركيز انتباههم على محفز بصري معين. توصَّل العلماء إلى أن الانتباه زاد من مقدار الاستجابة التي تحفزها الاستثارة الحسية في القشرة البصرية للدماغ في أول المهمة. ومن ثم بواسطة استعمال النمذجة الحوسبية، وجد العلماء أيضاً أن هذه الزيادة في الاستجابة التي سبّبها الانتباه ارتبطت بأداء سلوكي أفضل في المهمة. ولكنْ، على غير المتوقع، اختفى هذا التحسن في الاستجابة الذي سببه الانتباه بعد فترة طويلة من التدريب، على الرغم من أن الأداء السلوكي استمر بالتحسن مقارنة بما كان عليه قبل فترة التدريب. كما أشارت تجاربهم إلى أنه بعد مدة طويلة من التدريب، يصير الانخفاض في التشتت في نشاط الدماغ مرتبطًا بأثر التدريب على تحسُّن الأداء السلوكي[1].

من المثير للاهتمام أن هذا الاستنتاج ساعد في تفسير التناقض في بعض النتائج التي لوحظت في دراسات أُجريت على أنواع مختلفة من الحيوانات. بشكل خاص، أوضحت الأبحاث التي أجريت على القرود أن التغيرات في تشتت النشاط العصبي تلعب دوراً أكثر فعالية من الانتباه في تحسين الأداء السلوكي . ما تم التوصل إليه حتى الآن في الدراسات التي أُجريت على البشر يقترح أن النتائج المذكورة أعلاه في الأبحاث على القرود يمكن نسبتها إلى التدريب العالي الذي خضعت له هذه الرئيسيات من غير البشر. 

ذكر إتيبوريبات: " في الدراسات التي أُجريت على الرئيسيات ، دُرِّب أفراد الدراسة للعديد من الأشهر للقيام بمهمات سلوكية معينة والتي يستطيع البشر تصورها وتنفيذها في غضون مدة تتراوح بين دقيقتين إلى ثلاث دقائق ؛ ولهذا السبب فإنه من غير المفاجئ أن نجد تفاوتاً في النتائج بين البشر والقرود في هذه الدراسات. وللتقليل من تأثير هذه الفجوة قمنا بتدريب المشاركين من البشر لعدة أيام حتى نلاحظ التقارب في النتائج بين النوعين (البشر والقرود). بَحثُنا -الذي حاولنا فيه إيضاح التغيرات التي تطرأ على آليات الانتباه مع التدريب - علَّمنا أننا لن نستطيع فهم الطريقة التي يؤثر بها الانتباه على المستوى العصبي دون فهم الطريقة التي تتغير فيها آليات الانتباه مع التدريب. احتوى بحثنا على خلاصة مهمة استطعنا من خلالها تكوين فكرة أوضح عن آليات الانتباه. بالإضافة إلى أن بحثنا يساعد في إمكانية تعميم نتائج الدراسات التي تجرى على أنواع حية مختلفة، والتي غالبًا ما تحتاج إلى تدريب تختلف نسبته اختلافًا كبيرًا".

 

الملاحظات


[1] بدلًا من الانتباه، والذي كان مرتبطًا بتحسن الأداء السلوكي في الفترة الأولى من المهمة.

 

 

إمسح وإقرأ

المصادر

شارك

المساهمون


اترك تعليقاً () تعليقات