في الوقت الذي تكون فيه قيم البتات داخل الحاسوب ثنائية (0 أو1)، فإنهّ بإمكان الخلايا العصبية/ أو العصبونات الموجودة في الدماغ أن تمتلك مختلف أنواع الحالات الداخلية/ أي القيم؛ وذلك بالاعتماد على المدخلات التي تحصل عليها، وهذا ما يسمح للدماغ بمعالجة المعلومات بطريقة أكثر كفاءة من حيث استخدام الطاقة بالمقارنة مع الحاسوب.
واليوم، يعكف الفيزيائيون من جامعة غرونيغون (University of Gronigen / UG) على تطوير ما يطلق عليه اسم الميمرستورات (Memristors)؛ وهي عبارة عن مقاوِمات تحوي في داخلها على ذواكر مصنوعة من تيتانات السترونيوم المشبعة بالنيوبيوم، والتي تحاكي في عملها الخلايا العصبية. وقد تم نشر نتائج الدراسة في مجلة الفيزياء التطبيقية (Journal of Applied Physics) بتاريخ 21 أوكتوبر/تشرين الأول 2018.
وكما نعلم فإنّ الدماغ البشري يتفوق على الحواسيب التقليدية في الكثير من النواحي، فمثلاً: تستهلك خلايا الدماغ الطاقة بشكل أقلّ، كما أنها تعالج المعلومات بشكلٍ أسرع، ولها قابلية أكبر على التكيُّف. وتعتمد كيفيّة استجابة خلايا الدماغ للمحفّزات على نوعية المعلومات التي تلقّتها، والتي إمّا تحفّز الخلايا العصبية أو تثبِّطها. ويعمل العلماء على تطوير أنواع جديدة من الأجهزة والتي بإمكانها محاكاة مثل هذا السلوك، وقد أطلقوا عليه اسم الميمرستورات.

أنوك جوسينز (Anouk Goossens)؛ الباحثة في جامعة جرونينجن والمؤلف الأول في هذه الورقة العلمية، قامت باختبار عدد من الميمرستورات المصنوعة من تيتانات السترونيوم المشبعة بالنيوبيوم؛ حيث يتم التحكم بالموصلية الكهربائية للميمرستورات باستخدام مجالٍ كهربائي بطريقة تناظرية.
تقول الباحثة: "نعمل على الاستفادة من قدرة النظام على تبديل المقاومة: فمن خلال تمرير نبضات جهديّة نصبح قادرين على التحكم بالمقاومة، كما أنه ومن خلال استخدام جهد كهربائي منخفض نستطيع قراءة قيمة التيار في حالات مختلفة. وتتحكم قوة النبضات الجهديّة بالمقاومة الموجودة في الجهاز؛ حيث أثبتنا أنّه بالإمكان تحقيق نسبة مقاومة لا تقلّ عن 1000، ثم قمنا بقياس كل ما يحدث بعد ذلك مع مرور الوقت". وقد كان اهتمام جوسينز ينصبُّ بالدرجة الأساس على دراسة ديناميكية الوقت بالنسبة لحالات المقاومة المختلفة.
وقد لاحظت الباحثة أيضاً أنّ مدة النبضة التي تمَّ ضبط المقاومة عليها تتحكَّم بعمر الذاكرة والذي يمتدُّ من ساعةٍ واحدة إلى أربع ساعات للنبضات التي تدوم بين ثانيةٍ واحدة ودقيقتين. وعلاوةً على ذلك؛ فقد وجدت أنّه وبعد القيام بـ 100 دورة تبديل، لم تظهر على المادة أية علاماتٍ للإجهاد.
تضيف جوسينز: "توجد عدّة طرقٍ للاستفادة من تلك الأشياء التي توصلنا إليها؛ فمن خلال تعليم الجهاز بطرقٍ مختلفة وباستخدام نبضاتٍ مختلفة، بإمكاننا التحكم بسلوكها".
وبتغيُّر المقاومة مع مرور الوقت يجعلها ذات فائدة لنا أيضاً، فتضيف: "بإمكان تلك الأنظمة أن تنسى أيضاً تماماً كما يفعل الدماغ، حيث يسمح هذا لي باستخدام الوقت باعتباره أحد المتغيرات". وبالإضافة إلى ذلك؛ فإنّ الأجهزة التي تعمل جوسينز على تطويرها تجمع بين الذّاكرة والمعالجة في جهازٍ واحد، وهو بذلك أكثر كفاءةً من التصاميم التقليدية للحواسيب والتي يتم فيها الفصل بين تخزين البيانات (حيث يتم الخزن داخل الأقراص الصلبة) وبين معالجتها (والتي تتم داخل وحدات المعالجة المركزية).
وتندرج هذه التجارب التي أجرتها غوسنز _والتي تمَّ تلخيصها في الورقة البحثيَّة المنشورة ضمن مشروع بحثي_ ما هي إلا جزء من برنامج دراسة الماجستير بعلم النانو في جامعة جرونينجن؛ حيث أجرت هذا البحث مع مجموعة من الطلبة تحت إشراف الدكتور تاماليكا بانيرجي (Tamalika Banerjee) ضمن مجموعة سبينترونيكس للمواد الوظيفيَّة (Spintronics of Functional Materials)، كما أنّ غوسنز تدرس حالياً الدكتوراه في نفس المجموعة.
تخطّط غوسنز _وقبل الشروع ببناء دوائر إلكترونية شبيهة بالدماغ باستخدام جهازها_ لإجراء مجموعة من التجارب وذلك بهدف تحقيق فهمٍ أفضل لما يحدث داخل المادة، وفي هذا الإطار تقول: "لا نستطيع حلَّ المشاكل المتعلقة بهذه الدوائر في حال كنّا عاجزين عن معرفة ما يحدث بالضبط؛ لذا فنحن ملزمون بفهم الخصائص الفيزيائية للمادة: كيف تتصرف؟ ولماذا تتصرف بهذا الشكل؟".
كما وتشمل الأسئلة التي تحاول غوسنز الإجابة عنها ماهيَّة مجموعة العوامل التي تؤثّر على حالات المادة التي يتمُّ الحصول عليها. وفي هذا السياق تقول: "في حال صنعنا 100 نسخة من هذه الأجهزة فهل ستتصرّف جميعها بنفس الطريقة؟ وفي حال كانت الإجابة بـ "لا" فإن وجود اختلاف بين تصرف جهاز وجهاز لا يعني بالضرورة وجود مشكلة. ففي النهاية؛ العناصر الموجودة في الدماغ لا تتصرف جميعها بنفس الطريقة".