رسم توضيحي لرواد فضاء يمشون على القمر ضمن برنامج أرتيمس التابع لناسا. (الصورة: © NASA)
يرى باحثون أن سياسة الولايات المتحدة المتعلقة بالفضاء تهدد التنمية الآمنة والمستدامة للفضاء.
تدفع الولايات المتحدة إلى فرض تنظيماتٍ وطنيةٍ بدلًا من التنظيم متعدد الأطراف بشأن تعدين الفضاء، وهو نهجٌ قد تكون له عواقبُ سلبيةٌ خطيرةٌ، وفقًا لما كتبه كل من عالم الفلك آرون بولي Aaron Boley وعالم السياسة مايكل بايرز Michael Byers من جامعة كولومبيا البريطانية في فانكوفر، في مقال بعنوان "منتدى السياسة" Policy Forum نُشِر على الإنترنت يوم 8 تشرين الأول/أكتوبر في مجلة Science.
يتحدث كل من بولي وبايرز عن إقرار قانون تنافسية عمليات الإطلاق الفضائية التجارية لعام 2015، والذي منح الشركات والمواطنين الأمريكيين الحق في استخراج الموارد من الفضاء وبيعها، وقد تأكّد هذا الحق في نيسان/أبريل الماضي بأمر تنفيذي وقعه الرئيس دونالد ترامب.
يشير الباحثون أيضًا إلى إعلان وكالة ناسا الشهر الماضي أنها تعتزم شراء تراب القمر الذي جمعته الشركات الخاصة، وخطتها لتوقيع اتفاقيات ثنائية مع شركاء دوليين يرغبون في المشاركة في برنامج أرتيمس Artemis المأهول لاستكشاف القمر.
يهدف برنامج أرتيمس، وهو أحد أهم مشاريع ناسا، إلى إعادة رواد الفضاء إلى القمر في عام 2024، وتأسيس وجود بشري مستدام وطويل الأمد على متن القمر وحوله بحلول نهاية العقد. قال مسؤولو ناسا إن تحقيق كل هذا سيتطلب الاستخدام المكثف للموارد القمرية مثل الجليد المائي المتواجد في الحفر القطبية داخل المناطق دائمة الظل.
يركز كل من بولي وبايرز على الاتفاقيات الثنائية المخطط لها، والمعروفة باسم اتفاقيات أرتيمس. كتب الباحثون أنه عندما تروّج الولايات المتحدة لهذه الاتفاقيات، فإنها تتجاهل أفضل الممارسات فيما يتعلق بالتنمية المستدامة للفضاء.
كما كتبوا في البحث: "بدلًا من الدفع قدمًا على المستوى الأحادي والثنائي، يجب على الولايات المتحدة دعم المفاوضات بشأن التعدين في الفضاء تحت إشراف لجنة استخدام الفضاء الخارجي في الأغراض السلمية التابعة للأمم المتحدة، وهي نفس الهيئة متعددة الأطراف التي صاغت معاهدات الفضاء الرئيسية الخمس في الستينيات والسبعينيات". (أهمها معاهدة الفضاء الخارجي لعام 1967 التي تشكّل أساس قانون الفضاء الدولي).
يضيف بولي وبايرز: "في غضون ذلك، يجب النظر إلى تصرفات ناسا على حقيقتها -جهد استراتيجي منسق لإعادة توجيه التعاون الفضائي الدولي لصالح المصالح التجارية الأمريكية قصيرة المدى، مع القليل من الاهتمام بالمخاطر التي تنطوي عليها".
يخشى الباحثون من أن الولايات المتحدة تضع سابقة مؤسفة للدول الأخرى لتتبعها، وأن أنشطة التنقيب في الفضاء وأنشطة الاستكشاف الأخرى قد تُجرى بطرائق غير مباليةٍ وفوضويةٍ إلى حدٍّ ما في المستقبل غير البعيد.
يقول بولي لموقع space.com: "إن هذا هو أسوأ سيناريو لدينا -لديك كل هذه اللوائح الوطنية المختلفة، التي تختلف عن بعضها البعض اختلافًا كبيرًا، والتي ستسمح برفع 'علم الملاءمة'، الأمر الذي يؤدي إلى تجاهل البيئة، وتلوث البيئات المدارية على نطاق واسع، مثل كثرة النفايات على سطح القمر وما إلى ذلك. هذا ما يقلقنا"، كما استشهد بمشكلة مخلفات الفضاء كحكاية تحذيرية. لعقود من الزمان، كانت الدول التي ترتاد الفضاء ترخص عمليات الإطلاق داخليًا دون قدرٍ كبيرٍ من التنسيق والتعاون الدولي أو التخطيط طويل الأجل. في السنوات الأخيرة، أصبح المدار الأرضي المنخفض مزدحمًا بالأقمار الصناعية وكتل الحطام، لدرجة أن الاصطدام أصبح يشكل مصدرًا حقيقيًّا للقلق؛ على سبيل المثال، اضطرت محطة الفضاء الدولية إلى الانعطاف بعيدًا عن الاصطدامات المحتملة ثلاث مرات حتى الآن منذ بدء عام 2020.
لا يتفق الجميع مع تقييم بولي وبايرز لسياسة الفضاء الأمريكية وعواقبها المحتملة؛ على سبيل المثال، يتخذ مايك جولد Mike Gold، المدير المساعد بالنيابة لمكتب ناسا للعلاقات الدولية والوكالات المشتركة موقفًا جديًا من وصف الثنائي لاتفاقيات أرتيمس.
يقول جولد أن هذا الوصف يعتمد على معلومات غير كاملة لأن اتفاقيات أرتيمس لم تصدر بعد. لا تزال ناسا تقيّم وتضمّن آراء شركائها الدوليين للنص.
قال جولد لموقع space.com: "تُعدّ هذه الاتفاقيات وثيقةً أفضل بكثير بسبب الآراء الدولية".
قال جولد أيضًا إن وصف بولي وبايرز للاتفاقيات الثنائية المخططة خاطئ من عدة نواحٍ؛ وكمثال على ذلك، أشار إلى المقطع التالي الذي ذُكر في مقال "منتدى السياسات" الجديد: "يجب أن تشمل اتفاقات أرتيمس الاعتراف بالحق في التعدين الفضائي التجاري الخاضع للتنظيم الوطني فقط (أي لا حاجة إلى اتفاق جديد متعدد الأطراف)، وكذلك حق الشركات في إعلان "مناطق أمان" حول عملياتها لاستبعاد الجهات الفاعلة الأخرى".
قال جولد إن الاتفاقيات توضح أن استخراج واستخدام الموارد الفضائية مسموحٌ به، ولكن هذا كل ما يقولونه حول الموضوع؛ لا يوجد شيء في الاتفاقيات بشأن الاعتراف بالحق في التعدين التجاري الخاضع للتنظيم الوطني فقط، وقد قال جولد إن اتفاقيات أرتيمس ستكون اتفاقيات بين الحكومات، لذا فإن الجزء المتعلق بالشركات التي تعلن مناطق آمنة لا يبدو منطقيًا.
بالإضافة إلى ذلك، فإن مناطق الأمان هي ببساطة مناطق يجب أن يتوافر فيها بيان بما تفعله الدولة وأين تجري أنشطتها، كما يتوجب فيها الالتزام بالتنسيق لتجنب التداخل الضار، وفقًا لما تنص عليه معاهدة الفضاء الخارجي. إن استثناء أي من الجهات الفاعلة في أي منطقة عمليات سيكون انتهاكًا لمعاهدة الفضاء الخارجي، وهو بالتأكيد ليس في اتفاقيات أرتيمس التي تستند إلى معاهدة الفضاء الخارجي".
أضاف جولد أن الاتفاقيات القادمة ستمنح بعض الأهلية لمعاهدة الفضاء الخارجي التي تُعتبَر في معظمها غير قابلة للتنفيذ، والتي ينبغي أن يقدرها مؤيدو الاتفاقيات متعددة الأطراف، وأضاف قائلًا: "إن اتفاقيات أرتيمس، وللمرة الأولى، قد خلقت بالفعل عواقبَ لعدم اتباع معاهدة الفضاء الخارجي -أي أن أي دولة تنتهك مبادئ معاهدة الفضاء الخارجي لن تكون قادرةً على المشاركة في برنامج أرتيمس".
قال جولد إن الاتفاقيات تتجاوز معاهدة الفضاء الخارجي في بعض المجالات؛ على سبيل المثال، ستتطلب الاتفاقيات من الدول المشاركة نشر البيانات العلمية علنًا وضمان قابلية التشغيل المتبادل لأجهزتها مع أجهزة ناسا والشركاء الآخرين، وأضاف إنها بشكل عام، ستعزز الاتفاقيات وتنفذ مبادئ معاهدة 1967، مشددًا على أنها: "تهدف إلى إنشاء مستقبل سلمي وشفاف وآمن ومزدهر ليس فقط لناسا وشركائها بل للبشرية جمعاء".
ينبغي علينا جميعنا أن نحصل على الفرصة لرؤية اتفاقيات أرتيمس، وقد قال جولد إن ناسا تهدف إلى نشرها "قريبًا".