دراسات أجريت على الحيوانات تثبت علاقة الفيتامين (د) بالوقاية من التوحُّد

والأدلة على ذلك في تزايد.

 

توصّل باحثون إلى نتيجةٍ مفادها أنّ استخدام الفيتامين (د) خلال فترة الحمل من شأنه الوقاية من تطور مرض التوحُّد عند الفئران. وحاليًا ينوي الفريق الباحث دراسة إمكانية الحصول على نتائجٍ مشابهةٍ عند البشر باستخدام الفيتامين (د) كمكمل غذائي في حال أمكن تطبيق الدراسة عليهم.



وعلى الرغم من أنَّ الأبحاث هذه في مراحلها الأولى إلا أنّه يبدو أنّ الفيتامين د يلعب دورًا مهمًا في المراحل الأولى لتطور الدماغ؛ فقد أوضحت دراسات سابقة أنّ لنقص فيتامين (د) علاقة في زيادة حجم أدمغة الأشخاص الذين يعانون من اضطراب طيف التوحد (autism spectrum disorder (ASD كما أنّ له علاقة بالشكل المختلف للدماغ عندهم.



يقول داريل إيليز Darryl Eyles من جامعة كوينزلاند University of Queensland في أستراليا وهو أحد أعضاء الفريق الباحث: "تعتمد دراستنا على النموذج الأكثر قبولًا لمرض التوحد، والذي تتصرف بموجبه الفئران بشكلٍ غير طبيعي وتُظهر صعوبات في التفاعل الاجتماعي والتعلم والسلوكيات النمطية. فقد وجدنا أنّ الإناث الحوامل اللائي تلقين الفيتامين (د) بصورته الهرمونية النشطة (وهو نوع يختلف عن ذلك المُتناول كمكمل غذائي) خلال الأشهر الثلاثة الأولى من الحمل، أنجبن صغارًا لا يعانون من الأعراض السابقة".



وباستعراض سريع لبعض الأبحاث السابقة عن علاقة الفيتامين (د) بمرض التوحُّد نجد أنّه لأكثر من عقد من الزمن حاول العلماء الكشف عن أهمية الدراسات التي أجريت على الحيوانات والتي أثبتت علاقة نقص الفيتامين (د) بزيادة حجم الدماغ وتضخم بطينات الدماغ ventricles، وهو ما يميز الأطفال الذين يعانون من اضطراب طيف التوحد.



إلا أنّ صعوبة تطبيق الدراسة على البشر تكمن في كون اضطراب طيف التوحد مرضًا معقّدا يتأثر بكثير من عوامل الاختطار، والتي تنقسم بدورها إلى عوامل وراثية وأخرى بيئية كملوثات الهواء والعدوى الفيروسية.

 

لكن وعلى الرغم من كل ذلك، نجد في الفرضية المطروحة شيئًا من الصحة، فعلى سبيل المثال أثبتت دراسات سابقة علاقة نقص الفيتامين (د) خلال فترة الحمل بمجموعة من الأمراض الجسدية والنفسية منها مرض الفصام والربو وقلة كثافة العظام.



وبعدها أثبتت دراسة في عام 2008 لمجموعة باحثين من السويد انتشار مرض التوحد واضطرابات أخرى مرتبطة به بين المهاجرين الصوماليين في ستوكهولم بنسبة ثلاثة إلى أربعة أضعاف تلك لدى غير الصوماليين.

 

وتحقق ذات الأمر في ولاية مينيسوتا Minnesota الأمريكية، حيث توصل باحثون هناك إلى أن نسبة الإصابة بمرض التوحد بين 60 ألف صومالي على الأراضي الأمريكية تعادل تلك التي في السويد، ولا يُفسَّر الأمر على أنه استعداد وراثي لدى الجالية الصومالية بل إنّ الأمر كان على العكس من ذلك تمامًا.



وتعلق هدى فرح Huda Farah وهي اختصاصية في علم الأحياء الجزيئية molecular biologist من أصل صومالي في حديث لها مع غابرييل غليسر Gabrielle Glaser من مجلة Scientific American قائلة: "لقد كانت النتائج صادمة للجالية الصومالية، فلم نعهد مرضًا كهذا في الصومال حتى أننا لا نعرف له اسمًا هناك".



عزى الباحثون سبب ارتفاع نسبة إصابة الصوماليين المهاجرين بمرض التوحد إلى حقيقة أنهم لا يتعرضون لأشعة الشمس بشكل كاف في مواطنهم الجديدة كما كانوا يتعرضون في بلدهم الأم، الأمر الذي من شأنه خفض معدلات الفيتامين (د).



ويشرح غليسر ذلك باقتباس حديث أديت جيندي Adit Ginde، الأستاذ المساعد في كلية الطب في جامعة كولورادو في دنفر الذي يقول: "في خطوط العرض الشمالية في الصيف، ينتج ذوو البشرة الفاتحة حوالي 1000 وحدة دولية من الفيتامين (د) في الدقيقة، أما عند نظرائهم ذوي البشرة السمراء فإن عملية تكوين فيتامين (د) تحصل ببطء شديد".

 

وعليه يوصي جيندي هؤلاء بتناول ما بين 1000 إلى 2000 وحدة دولية من الفيتامين (د) في اليوم.



ونشر مجموعة باحثين دوليين مؤخرًا في عام 2016 ورقة بحثية توضّح وجود علاقة بين نقص الفيتامين (د) خلال فترة الحمل ومرض التوحد، فمن خلال تفحص عينات دم لما يقارب 4229 امرأة حاملًا مع أطفالهن وجد الباحثون أن النساء اللاتي عانين من معدلات منخفضة من الفيتامين (د) عند الأسبوع العشرين من الحمل كن أكثر عرضة لانجاب أطفال يظهرون سماتٍ التوحد على سن السادسة. 

 

وأوضح الفريق الباحث أن النساء الحوامل اللاتي كنَّ يعانينَ من نقص الفيتامين (د) قد حققنَ نسبًا أعلى على مقياس التوحد مقابل غيرهن ممن تمتعن بنسب طبيعية لفيتامين (د).



وكان الباحث الرئيس جون ماك غراث John McGrath قد صرَّح لقناة ABC في ذلك الحين: "تمامًا كما كان لتناول حمض الفوليك الأثر في التقليل من حالات السنسنة المشقوقة spina bifida [وهي حالة يكون فيها العمود الفقري مشقوقًا، بحيث قد ينتج عنه بروز الحبل الشوكي والأغشية الشوكية، وقد ينتج عنه أعراض عصبية – فريق الترجمة]، فإن نتائج هذه الدراسة تثبت أن تناول الفيتامين (د) كمكمل غذائي قبل الولادة من شأنه التقليل من حالات الإصابة بالتوحد".



وتوصَّل فريق كوينزلاند إلى نتائجٍ مشابهةٍ ولكن من خلال تطبيق الدراسة على الفئران؛ فقد قام الفريق بمعالجة الفئران الحوامل خلال الأشهر الأولى للحمل بالنوع النشط من الفيتامين (د) ثم قاموا بفحص سلوك صغار الفئران خلال فترة نموّها .



ثم اختُبِرت صغار الفئران باستخدام أساليب مختلفة، منها دراسة السلوك واستخدام المتاهات وملاحظة التفاعل مع الغير والإشراط الخوفي fear conditioning وألعاب أخرى كإخفاء الكرات الزجاجية، وقيّم الفريق معدلات قلق الصغار ودرجة اجتماعيتهم والسلوك النمطي ونقصد بذلك الحركات المكررة المعتادة كالخطو وتأرجح أجسادها، إلا أنهم لم يجدوا أي أثر سلوكي يمكن ربطه بمرض التوحد.



وعليه يعلق الفريق في بحثهم بقول: "بحثت الدراسة الحالية في فرضية أن تناول الأمهات للفيتامين (د) في شكله النشط من شأنه الوقاية من السلوك الشاذ المرتبط بمرض التوحد، وقد أثبتت بياناتنا صِحّة هذه الفرضية؛ فتناول الأمهات الحوامل للفيتامين (د) منع ظهور مشاكل متعلقة باضطراب طيف التوحد فيما يخص التفاعل الاجتماعي و التصرفات النمطية المكررة وكذلك التعلم الانفعالي والذاكرة".



وقد دحض الفريق فرضية أخرى عن ارتباط المعدلات المنخفضة لفيتامين (د) بارتفاع خطر الإصابة بالتوحد، فلم يتوصل الفريق إلى أي دليل يثبت تمتع الفيتامين بخاصية وقائية مضادة للالتهاب تمنع الإصابة خلال فترة تكون الدماغ في الرحم.



يبقى أن نقول أنّ محاولة تكرار التجربة على البشر أمرٌ معقد جدًا لأسباب أحدها أنّ الشكل النّشط لهرمون الفيتامين (د) لا يمكن إعطاءه للنساء الحوامل؛ لأنه يشكل خطرًا على الجنين وتكوين هيكله العظمي، إلا أن الفريق يقترح بدلًا من ذلك أن تتناول النساء الفيتامين (د3) المعروف بالكوليكالسيفيرول cholecalciferol والذي قد يكون له ذات الخواص الوقائية.



ويقول وي لوان Wei Luan وهو أحد أعضاء الفريق الباحث: "سيمكننا الدّعم المالي الحالي من دراسة النسبة التي نحتاج لها من مادة الكوليكالسيفيرول cholecalciferol والتي نستطيع استخدامها للوصول إلى نفس مستوى الشكل النّشط من هرمون الفيتامين (د) في الدم، وستساعدنا هذه المعلومة على تحديد الجرعة المناسبة والتوقيت الملائم لإعطاء المكملات الغذائية التي تحوي الفيتامين (د) للنساء الحوامل".



هذا ويجب التأكيد على حقيقة أن هذه البحوث مازالت في بداياتها وأنّه من الصعب تغيير سلوك امرأة ما خلال فترة حملها اعتمادًا على هذه النتائج، لكن إن كنتِ تعانين من نقص فيتامين (د) فيجب استشارة طبيبك الخاص للوقوف على أسباب المشكلة والحصول على حلول تناسبك.

 

ومع ذلك كله يمكن اعتبار هذه الدراسة قطعة من أحجية كبيرة لم تُحل بعد، إلا أنّها منحتنا مفتاحًا لحل لغز وفهم أحد المخاطر المحدقة بالمرأة الحامل وجنينها الأمر الذي قد يغير الكثير مستقبلا.



وكان أندرو وايتهاوس Andrew Whitehouse الخبير في مجال التوحد من معهد تيليثون للأطفال Telethon Kids Institute والذي لم يشارك في دراسة عام 2016 قد أخبر صحيفة الجارديان The Guardian: "هناك على الأرجح العشرات، بل ربما المئات من الأمور المختلفة التي قد تؤدي إلى مرض التوحد، إلا أنّ هذه الدراسة بالذات واعدة ومفيدة.

 

ولكن قبل كل شيء، وقبل التفكير في اتخاذ أية خطوة عملية، علينا تكرار الدراسة للتأكد من نتائجها، فما نعرفه اليوم هو أن فيتامين (د) مهم جدا لنمو الجنين".


نُشرت الدراسة الأخيرة في دورية Molecular Autism.

 

إمسح وإقرأ

المصادر

شارك

المساهمون


اترك تعليقاً () تعليقات