كيف يتسنى لنا أن نميزَ بين الأزمنة الجيولوجية؟

ما تراه هو مشهدٌ من شق أخدود يُظهِر مختلف الطبقات الصخرية التي ترسبت بمرور الزمن. يقع هذا الأخدودُ في وادي النُصب الواقع في ولاية يوتا Utah. حقوق الصورة: Shutterstock.

أيُّ المدتين الزمنيتين أطول: الحقبة أم العهد؟

لقد مرت الأرض منذ نشأتها قبل 4.6 مليار عامًا بتغيّرات هائلة بدءًا من ظهور الحياة على سطحها إلى حوادث هامة كالانقراض الجماعي؛ ولهذا فبالتأكيد يتطلع الباحثون إلى إدراك ما حدث طوال هذه المدة، لكن كيف يتسنى لهم هذا مع وجود الكثير من الأحداث في تاريخ الأرض؟

كان لا بد للعلماء أن يستقروا على تقويم دولي يُهيِّء لهم الدراسة؛ ولذلك استعانوا ب"المقياس الزمني الجيولوجي" -الموضح بالرسم البياني أدناه- الذي يعتمد على تقسيم الزمن الجيولوجي إلى خمس وحداتٍ زمنيةٍ، بحيث يأتي ترتيبها من أكبرها إلى أصغرها من حيث المدة الزمنية على النحو التالي: دهور، حقب، عهود، فترات وعصور.

يعتمد تقسيم هذه الفئات الزمنية على التغيرات التطورية في السجل الأحفوري، فقد أفادت جاكلين جيل Jacquelyn Gill -وهي أستاذة مساعدة في علم البيئة النباتية والبيئة القديمة بجامعة ماين- بأنه يتم الاعتماد على المستحاثات في عملية التأريخ، فنظرًا لأن نشأة الحياة قد بدأت في وقتٍ مبكرٍ من ميلاد الأرض؛ فمن المُرجّح أن 90% (ما يُقدر ب 3.5 مليار عامًا) من عمر الأرض قد شهد ظهور أشكال الحياة المختلفة؛ مما يعني أن تاريخ الأرض موازٍ لتاريخ الحياة. أضافت جيل فائدةً أخرى لصالح المستحاثات؛ وهي أن مختلف أشكالها الموضَّحة في السجل الأحفوري هي انعكاس للتغيُّرات التي حدثت بين الكائنات الحية والبيئة المحيطة بها، أو بمعنى أصح للتغيرات البيئية التي طرأت على الأرض، ومن خلال تلك التغيرات نستطيع أن نتبيّن أهم الأحداث في تاريخ كوكبنا.

إن أهم اللحظات الفارقة التي مر بها الزمن الجيولوجي كانت قبل 65 مليون عامًا، وذلك عندما ارتطم كويكب بالأرض؛ وتسبب في انتهاء حقبة الحياة الوسطى بإبادة آخر أنواع الديناصورات (غير الطائرة)، وإعطاء فرصةٍ لبزوغ فجر حقبة جديدة، وهي حقبة الحياة الحديثة.

قالت جيل لموقع Live Science: "كانت تلك عشيةً سيئةً استغرفت وقتًا طويلًا لتنقضي؛ حيث ظلت آثارها تلاحقنا على مدار عشرات ملايين السنين، لكنها في النهاية قد أذِنت ببدء الحقبة الجديدة التي سمحت بسيطرة الثدييات، وازدهار الحياة النباتية".

وأضافت جيل حول الحقبة الحديثة المبكرة: "إذا أُتيحَت لك فرصة السفر عبر الزمن، ستكون تلك الحقبة هي أقربهم تجسيدًا للحياة التي تعرفها على الأرض، على الأقل لحين مرور إحدى الثدييات الغريبة بجوارك!". وبالحديث عن السفر عبر الزمن، فأنت حقًا لست بحاجةٍ للحصول على آلة زمن لكي تُدرك متى انتهت حقبة الحياة الوسطى وبدأت حقبة الحياة الحديثة، بناءً على تقديرك لحجم التغيرات بينهما؛ لأن بإمكانك في الواقع الاستدلالَ على ذلك من خلال دراسة الطبقات الأرضية؛ فعلى سبيل المثال: فإن الخط الفاصل بين الحقبتين هو وجود طبقة غنية بمعدن الإيريديوم؛ وهو أمر نادر بالنسبة للقشرة الأرضية لكنه شائع جدًا في النيازك، وهذا يُثبِت أن دراسةً دقيقةً لطبقة صخرية قد تكفي للمساعدة في تحديد عمرها.

الرسم البياني الدولي للتطبق الصخري الزمني International Chronostratigraphic Chart، في أحدث إصدار له لعام 2020. حقوق الصورة: (International Commission on Stratigraphy, http://www.stratigraphy.org)
الرسم البياني الدولي للتطبق الصخري الزمني International Chronostratigraphic Chart، في أحدث إصدار له لعام 2020. حقوق الصورة: (International Commission on Stratigraphy, http://www.stratigraphy.org)


يمكن أيضًا لمختلف تركيزات المعادن والعناصر أن تمدَّنا بدليلٍ آخر على وقوع أحد أحداث تاريخ الأرض الحافل؛ فمثلًا: كان السبب في ارتفاع نسبة محتوى البحر المتوسط من المعادن وجفافه قبل 5.3 مليون سنةً خلال العصر المسيني Messinian Age هو النشاط التكتوني للأرض، والذي تسبّب في غلق مضيق جبل طارق وقتها، مُحدِثًا تلك الواقعةَ التي كانت نهايةَ حقبة الميوسين Miocene Epoch، ومطلع حقبة البليوسين Pliocene Epoch.
وقد صرح كارل ويجمان Karl Wegmann -وهو أستاذ مساعد في الجيولوجيا بجامعة ولاية كارولاينا الشمالية-: "بأنّ بفعل النشاط التكتوني والذي لم يتكرر بعد منذ ملايين السنين، ما زالت رواسب الملح والجبس بارزةً في العديد من البلدان المطلة على ساحل البحر المتوسط، كما أنها تَظهر على هيئة صخور متراصة ترتفع فوق مستوى سطح البحر".

كما أوضح ويجمان لموقع Live Science -من خلال رسالة بريد إلكتروني- قائلًا: "أنّ بفضل التطورات التي شهدها علم تأريخ الصخور، أو علم التأريخ الجيولوجي Geochronology، فقد تمكن الجيولوجيون من أن ينسبوا أعمارًا محددة إلى الأحداث الجيولوجية بصورة دقيقة؛ وذلك بقياس مقدار التحلل الإشعاعي لنظائر معينة، وتحديد نسب تلك النظائر في الصخور المراد تحديد عمرها". (النظائر هي عناصر تختلف في عدد نيوترونات أنوية ذراتها).

تتكامل كلُّ تلك السبل كأحجية تركيب القطع، لتُقدِّم فهمًا مشتركًا بين الباحثين يُمكِّنهم من دراسة الماضي السحيق.

إن مقياس الزمن الجيولوجي هو أداة علمية، إضافةً إلى كونه أداةً تاريخيةً. إن بإمكان قياس خواص معينة؛ كالتحلل الإشعاعي إطلاع العلماء على زمن تشكُّل طبقات صخرةٍ ما، لكنّ عملية تقسيم البيانات في الأطر الزمنية الجيولوجية تعود في النهاية إلى العلماء، والذين غالبًا ما يضيفون على ما توصّل إليه أسلافهم.

يطرح علم التطبق الصخري سؤالًا مثيرًا للجدل عن كيفية تحديد عصرنا الحالي في تاريخ العالم.

ترى جيل أن عصر الهولوسين يحمل نوعًا من العشوائية، فوفقًا لما قالته جيل فإن نهاية العصر الجليدي الأخير التي نقلتنا إلى فترة جديدة، وبشَّرت بنشوء حالة الدفء على الكوكب منذ 12,000 عام حتى الآن، ليست ذات شأنٍ من الناحية الجيولوجية كمثل غيرها من نهايات العصور الجيلدية التي سبقتها.

لا يزال العلماء يطلقون مصطلحاتٍ تصف الفواصل الزمنية؛ كمثل العصر التشيباني Chibanian Age، والذي سُميّ نسبةً إلى المحافظة اليابانية التي عُثِر بها على الرواسب التي قد حُدد بها عمر تلك الفترة.

يُصرّ العديد من العلماء على أن نشاط الإنسان المعاصر جديرٌ بأن يعلن عن بدء عصر جيولوجي جديد، وهو عصر الأنثروبوسين Anthropocene، بينما يميل علماء آخرون إلى مصطلح كابيتالوسين Capitalocene الذي يرونه معبرًا بدقةٍ عن حجم التأثيرات البشرية على الكوكب منذ الثورة الصناعية.

إمسح وإقرأ

المصادر

شارك

المساهمون


اترك تعليقاً () تعليقات