ثورة في الأجهزة المزروعة في الدماغ واستثارة أفضل للخلايا العصبية

ابتكر فريق Bio-x التابع لستانفورد، ضمن الجُهود المشتركة في مُختلف التخصُّصات، أجهزةً صغيرة الحجم يمكن تشغيلها، وزرعها، و استخدامها لاسلكياً لاستثارة الخلايا العصبية، وكذلك لتتبُّع حركة الفأر، وذلك عن طريق استخدام جسم الحيوان نفسه لنقل الطاقة. يعد هذا أول جهاز قادر على توصيل التحفيز العصبي بالاعتماد على علم البصريات بشكل قابل للزرع كليًّا.


الفيزياء وراء اللاسلكي


كيف تستطيع تشغيل شيء ما دون توصيله؟ كانت الفيزياء التي تسمح باستخدام اللاسلكي موجودة حولنا لوقت طويل و لكنها وصلت الآن فقط لكامل إمكاناتها في مختلف الأصعدة. الحث المغناطيسي هو الوسيلة الرئيسية لنقل الطاقة من منطقة لأخرى.

تتشابك الطاقة الكهربائية والقوة المغناطيسية، وينتشر الضوء الذي هو موجة كهرومغناطيسية، لأن الحقل الكهربائي المتغير يُنتج حقلاً مغناطيسياً ويُنتج الحقل المغناطيسي المتغير بدوره حقلاً كهربائيًا. تنتج الشحنة المتحركة " التيار الكهربائي" حقلًا كهربائيًا متغيرًا و الذي بدوره يخلق تيارًا مغناطيسيًا. وبشكل متشابه تمامًا، فإن الحقل المغناطيسي المُتغير بالقرب من الشحنات حرة الحركة، كالتي في موصل الكهرباء، يمكن أن يُحدث تيارًا.

عندما ينتقل حقلٌ مغناطيسيٌ متغيرٌ في حلقة مُغلقة من الأسلاك، يحدث تيارًا في هذه الحلقة، يتم استخدام هذا الجزء من الفيزياء في المحركات: حيثُ يُزَوَّد ملف كهربائي (الملف اللولبي، وهو الاسم التقني لشكل النابض) بتيار كهربائي في حقل مغناطيسي محدثا تنافرًا مغناطيسيًا يمكنه تشغيل دوار (rotor)، يمكن استخدام هذا الارتباط ما بين الحقلين الكهربائي و المغناطيسي في المولدات، ولكن بشكل معاكس: تتطلب المولدات أجهزةً دوارةً لتعمل، حيث تولد تيارًا كهربائيًا عن طريق تحريك المغناطيس على مقربة من اللفائف الكهربائية الموصلة، ويمكن أيضاً إنجاز هذا التأثير عن طريق تحريك اللفائف و إبقاء المغناطيس في مكانه "تذكر أن الحركة نسبية".

 

تَستعمل المحوِّلاتُ، التي تنقل الطاقة من لفائف لأخرى، الخصائصَ الكهرومغناطيسية لهذه اللفائف "التي هي مجموعة حلقات من الأسلاك تعطي شكلًا أسطوانيًا"، وعادة ما يكون استخدامها إما لزيادة الجهد أو تقليله.

يمكنك شكر محولات الطاقة على تلك المقابس الكبيرة الموجودة في أجهزة الحاسوب المحمولة الخاصة بك، وشاحن الهاتف النقال والطابعات. في الأساس، هذه الأجهزة هي عبارة عن اثنين من لفائف حلزونية من الأسلاك على مقربة من بعضها ( جميعها بداخل تلك المقابس الكبيرة التي تتضمن أيضًا دارات كهربائية أخرى ) بينما ينتقل تيار متعاقب عبر هذه اللفائف (واحد منها متصلٌ بمقبس الحائط) مما يخلق تيارًا متغيرًا متواصلًا يعمل على إنتاج حقل مغناطيسي متغير ينطلق عبر اللفائف الثانوية المنفصلة، منتجًا تيارًا كهربائيًّا يتناسب مع عدد حلقات اللفائف.

التسيير اللاسلكي و الأجهزة المزروعة


بالرُّغم من أن التسيير اللاسلكي ليس صعبًا أو جديدًا إلا أنه يتطلب مسافة قريبة جدًا، حيث أن تسيير جهاز صغير بكمية مناسبة من التيار الكهربائي (لتجنب ارتفاع درجة حرارة المكان) على مسافة تقريبية بطول فأر، ليس بتلك البساطة. هذه هي الفرصة التي تبرز من خلالها بعض الإبداعات الحقيقية. وجدت الطبيبة "آدا بون Ada Poon" أنه من الممكن استخدام الفأر في حل هذه المشكلة؛ حيث يرتبط حجم الأشياء بالترددات التي تتردد بشكل طبيعي معها، وكذلك فإن خصائص الأشياء تؤثر على جودة دخول الموجات الكهرومغناطيسية ومرورها عبرها، وبما أن الأنسجة الحية لا تختلف كثيراً لذا فإن كل المخلوقات لديها ترددات كهرومغناطيسية طبيعية، وهذا يعني أنها تسمح لبعض الأطوال الموجية بالانتقال عبرها معتمدة على حجمها وتكوينها.

 


وكمثال على ذلك، إذا أخذنا بعين الاعتبار النّقر على أوتار الغيتار حيث إن الوتر له طول ثابت وهو مثبت في نهايتيه، عندما يُنقر على الوتر لخلق موجة دائمة (كتلك التي نسمعها كنوتة معزوفة) فإن مضاعفات أنصاف الأطوال الموجية التي تتناسب بالضبط مع طول الوتر هي الوحيدة التي سيتردد رنينها، لأن نهايتي الوتر لا يمكن أن تتحركا. نسمي الأمواج التي تتلاءم بشكل طبيعي بالرنات الطبيعية (natural resonances).

الرنات الطبيعية التي تحدث في وتر مثبت في نهايتيه، كوتر الغيتار. حقوق الصورة: ملكية عامة، من خلال ويكيبيديا كومنز
الرنات الطبيعية التي تحدث في وتر مثبت في نهايتيه، كوتر الغيتار. حقوق الصورة: ملكية عامة، من خلال ويكيبيديا كومنز


بما أن شكل الفأر بيضويٌّ تقريباً، يمكّن المرء بالقيام بتقدير الترددات التي سوف يتردد رنينها داخل جسم الفأر. قامت الدكتورة بون بهذه الحسابات لتحدد كيف يمكن أن تَستخدِم الفأر ليَقْرِنَ أو ينقل موجة كهرومغناطيسية وظيفتها تشغيلُ جهاز مزروع، وكذلك كيف تقوم بتصميم الجهاز المزروع، والنتيجة هي جهاز بصري وراثي (optogenetic) وظيفي مزروع، له عدد قليل فقط من الملفات الكهربائية وبعض مكونات الدوائر الأخرى.

قامت الطبيبة بتصميم قفص فئران قاعدته عبارة عن تجويف ذي شكل أسطواني يردد رنين الموجات الراديوية حيث إن الجزء العلوي من التجويف يتضاعف مثل أرضية القفص، ويتم اختيار أبعاد هذا التجويف و التردد اللاسلكي المستخدم اعتمادًا على صفات الفأر المميزة، ويحدد كمية الطاقة التي ستقترن به بينما يتم ضخ الأمواج اللاسلكية إلى داخل التجويف.

 

ومن أجل السماح للفأر بأن يقترن بالحقل، يجب أن يخرج جزء بسيط من الحقل خارج التجويف الموجود أسفله، ولكن ليس الكثير منه. و لتحقيق ذلك تم صنع الجزء العلوي لتجويف الترددات اللاسلكية من أحد أنواع "الشبكات"، والتي تكون مليئة بثقوب تكون أصغر قليلًا فقط من الأطوال الموجية الرنانة للأمواج الكهرومغناطيسية التي يتم قرنها، و يسمح هذا التدريع أو الحماية الجزئية فقط لحقل زائل سريع التلاشي (evanescent) بأن يمر عبر الشبكة لداخل علبة الفأر البلاستيكية. الحقل سريع التلاشي هو الجزء الذي يموت أو يزول على مسافة قصيرة جدًا.

تجويف مرنان يشكل قاعدة القفص، حقوق الصورة: Dr. Ada S.Y. Poon, Stanford.
تجويف مرنان يشكل قاعدة القفص، حقوق الصورة: Dr. Ada S.Y. Poon, Stanford.


عندما يوضع الفأر في الداخل، يقترن الفأر بحقل صغير سريع التلاشي محدثًا مسارًا لنقل الموجة الكهرومغناطيسية و الطاقة التي تحملها هذه الموجة. ثم يعمل جسم الفأر كتجويف يردد الرنين من تلقاء نفسه و يمكن قرن الموجات الكهرومغناطيسية الموجودة بداخل الفأر مع الجهاز المزروع محولًا الطاقة له. كما يمكن قياس تركيز الحقل في موقع الفأر مانحًا العلماء القدرة على رؤية مكان الفأر عن بعد.



يمكنك رؤية الفيديو هنا والذي يوضح عملية قرن القفص، والفأر، والجهاز



 كيف سيساعد هذا في علم الأعصاب ؟


تطلبت دراسة الأنشطة العصبية في الماضي أجهزة زرع لتوصيل الجهد الكهربائي عبر منطقة في الدماغ، والتي قد لا تستهدف خلايا عصبية معينة و تتطلب حزمة بطارية للتشغيل، بدلًا عن ذلك، يمكن استخدام الضوء لاستثارة الخلايا العصبية وتحفيزها على إطلاق السيال العصبي.

 

كما هُيِّئت الخلايا العصبية في البداية عن طريق طمر بروتينات خاصة من بروتين الأوبسين (opsin) في العصب المستهدف أولًا، ومن ثم تُثَبَّتُ ألياف بصرية بطريقة جراحية في محيط الخلايا العصبية حيث تكون هذه الألياف البصرية، والناتئة من أعلى جمجمة الحيوان، قادرة على تحفيز أو تثبيط عملية استثارة الأعصاب المعالجة ببروتينات الأوبسين.


بالرغم من أن هذه الأجهزة قدمت معرفة عميقة و كبيرة إلا أنها أجهزة ضخمة و مثبطة للفئران التي تتم دراستها. إن العثور على جهاز قد يسمح للفأر بالتنقل و التجول بحرية و في بيئة اجتماعية يمكن أن يوفر معلومات أغنى و أكثر فائدة. وهذا بالضبط ما تقوم به هذه الأجهزة الحديثة.

العديد من الفئران يقومون بعلاقات اجتماعية في قفص مرنان.الثنائيات الباعثة للضوء والمرئية على الأرجل الخلفية  للفئران تحصل على طاقته من حقل الموجات الراديوية الموجود أسفله ، حقوق الصورة: Dr. Ada S.Y. Poon, Stanford
العديد من الفئران يقومون بعلاقات اجتماعية في قفص مرنان.الثنائيات الباعثة للضوء والمرئية على الأرجل الخلفية للفئران تحصل على طاقته من حقل الموجات الراديوية الموجود أسفله ، حقوق الصورة: Dr. Ada S.Y. Poon, Stanford


البحوث و التطوير المستقبلي 


يذكر العلماء في ورقتهم العلمية أن هذا التصميم يعمل حاليًا بشكل جيد مع الحيوانات الصغيرة فقط ، غير أنه لا يوجد أي سبب يمنع العلماء من تحجيم هذه الأجهزة لتصل إلى موجات أطول وترددات أدنى لتناسب حيوانات أكبر وتشمل مناطق أكبر. يلاحظ الباحثون أيضاً إمكانية ضبط التجويف ليتسع لحاوية ماء من أجل اختبارات السباحة و تفاعلات الفئران المختلفة.

إمسح وإقرأ

المصادر

شارك

اترك تعليقاً () تعليقات