يمكنك الاستماع إلى المقال عوضاً عن القراءة
الشجرة الأكثر وحدة في العالم توثق أثر البشرية في تداعي النظام البيئي

تقف شجرة تنوب سيتكا الشبيهة بشجرة الأرز من فصيلة Picea sitchensis وحيدةً في جزيرة كامبل Campbell Island. حقوق الصورة: Chris S. M. Turney, et al/Scientific Reports

تقف الشجرة الأكثر وَحْدةً في العالم شاهدةً على تأثير الجنس البشري على كوكب الأرض.

تحمل شجرة تنوب سيتكا الشبيهة بشجرة الأرز من فصيلة Picea sitchensis، المتواجدة في جزيرة كامبل النائية في نيوزيلندا في جوفها سِجِلّ (أرشيف) تبدد الكربون المشعّ الصادر عن التجارب النووية التي جرت فوق سطح الأرض التي بدأت في عام 1945. كما وثقت النباتات الشجيرية على الجزيرة السجل نفسه، ما يجعلها شاهدةً عالميةً حقيقيةً على النشاط البشري وفقًا لما أعلنه باحثون في 19 شباط في مجلة Scientific Reports.

وهكذا، يمكن استخدام هذا التوقيع الكربوني المشعّ لتحديد بداية عصرٍ جيولوجيٍّ جديدٍ مثيرٍ للجدل يُسمى الأنثروبوسين أو عصر الإنسان Anthropocene، يقول مناصرو استخدام هذه الحقبة بأنه كان للبشر تأثيرٌ هائلٌ على الكرة الأرضية، وأن عصرهم يمثل فاصلًا واضحًا في التاريخ، في مشهدٍ مشابهٍ لمشهد الكويكب الذي قتل الديناصورات مؤذنًا بنهاية العصر الطباشيري Cretaceous وبداية العصر الباليوجيني Paleogene

الخط الفاصل


يظهر الانفصال بين العصرين الطباشيري والباليوجيني في السجل الجيولوجي باعتباره ذروة من حيث تواجد عنصر الإيريديوم، الذي يُحتمل أنه نتج عن اصطدام كويكبٍ ضخمٍ غنيٍّ بالإيريديوم بالأرض. ولتحديد الأنثروبوسين كحقبةٍ حقيقيةٍ، يحتاج العلماء إلى خطٍّ فاصلٍ مماثلٍ في السجل الجيولوجي، حيث وعلى مرّ السنين، اقترح الباحثون العديد من الاحتمالات لهذا الخط الفاصل، من الزيادة الغريبة في الغازات الدفيئة قبل نحو 8000 عام، المتزامنة مع اجتثاث البشر للغابات وبداية زراعة الأرز، وصولًا إلى ارتفاع نسبة الكربون في الغلاف الجوي الذي بدأ في منتصف 1800 مع بداية الثورة الصناعية.

مؤشر آخر محتمل للإنثروبوسين، بالنسبة لـ كريس تورني Chris Turney، أستاذ علوم الأرض وتغير المناخ في جامعة نيو ساوث ويلز University of New South Wales وزملائه، هو الازدياد الهائل في عدد السكان والنشاط العالمي الذي أعقب الحرب العالمية الثانية. لكن هذا "التسارع الكبير"، كما هو معروف، قد ضرب أجزاء مختلفة من الأرض في أوقات مختلفة، لذلك فليس من السهل العثور على إشارة جيولوجية عالمية تدل إلى بداية هذه الحقبة. أما الآن، فيعتقد تورني وفريقه أن أصداء التجارب النووية فوق الأرض قد تحمل الجواب.

الشجرة الوحيدة


انتقل الباحثون إلى جزيرة كامبل لأن المكان بعيد للغاية لدرجة أنه إذا ظهر شيء هناك، فمن المحتمل أن يظهر في كل مكان.

تعد الشجرة الوحيدة الموجودة في الجزيرة، من صنف تنوب سيتكا الممتدة، نوعًا غير محليٍّ، زرعها الحاكم السابق لنيوزيلندا اللورد رانفورلي Lord Ranfurly عام 1907، وقد بلغ طولها سنة 2011، 30.3 قدمًا (9.25 مترًا)، تُرابِط هذه الشجرة "كحارسة" وحيدةً على بُعد أكثر من 100 ميل (1600 كيلومتر) من أقرب شجرة.

اختبر تيرني وفريقه لُبًّا نحيلًا مأخوذًا من هذه الشجرة لاختبار الكربون 14، وهو نظير كربون مشعّ بُعث بسرعة إلى داخل طبقة الستراتوسفير عن طريق تجارب نووية فوق الأرض. يعلم الباحثون مسبقًا أن مستويات الكربون 14 قد بلغت ذروتها في ستينيات القرن الماضي لكنها انخفضت في وقتٍ لاحق، حيث فرضت المعاهدات الدولية قيودًا على التجارب النووية.

تستهلك النباتات الكربون أثناء نموها وقيامها بعملية التركيب الضوئي، لذا ظهرت هذه الذروة الجوية في سِيليولوز شجرة سيتكا. ووفقًا لقياسات الباحثين، فقد بلغ الكربون 14 ذروته بين تشرين الأول/أكتوبر وكانون الأول/ديسمبر من عام 1965.

كتب تيرني وزملاؤه إن النباتات المحلية الموجودة في جزيرة كامبل أظهرت النتائج نفسها، حيث اختبر الباحثون شجيرتين عاليتين لهما شكل المقشّة (المكنسة) هما Dracophyllum scoparium وَDracophyllum longifolium، يعود عمر بعضها إلى أواخر 1800 وترتفع إلى خمسة أمتار (16 قدمًا) فوق سطح التربة. سجلت هذه النباتات هي الأخرى ارتفاعًا في الكربون الجوي المشع ابتداءً من 1954، ووصل إلى أعلى مستوى بين عامي 1965 و1966. كما اُكتشفت مستويات مماثلة في تربة النصف الجنوبي من الكرة الأرضية.

يبيّن اكتشاف هذه المؤشرات الكربونية المشعة في النباتات في مناطق نائية من العالم حسب الباحثين أن الكربون 14 هو مؤشر عالمي بحقّ، وخاصةً أن معظم الاختبارات النووية حدثت في النصف الشمالي من الكرة الأرضية، بينما تقع جزيرة كامبل في أقصى الجنوب.

كما يضيف الباحثون أن الكربون 14 يمتلك نصف حياة تقارب 6000 سنة، ما يعني أن الكمية الموجودة تتحلل بمقدار النصف مرة كل 6000 سنة، لذلك فالذروة قابلةٌ للقياس لعشرات آلاف السنين في المستقبل.

يمكن العثور على موادَّ مشعةٍ أخرى ذات استمرارية أطول في رسوبيات التربة والرسوبيات البحرية، لذلك سيتمكن علماء الجيولوجيا النظريون بعد ملايين السنين من قياس لحظة تغير كل شيء.

المصدر: By Stephanie Pappas, Live Science Contributor

إمسح وإقرأ

المصادر

شارك

اترك تعليقاً () تعليقات