لدى نبات النمل (كورديا نودوسا Cordia nodosa) جذوع مجوّفة ومنفوشة، وتُعد هذه التجاويف بيوتًا لنوعٍ من النمل يُدعى (Allomerus Octoarticulates)، والذي يُعد بدوره "حارسًا" يحمي هذا النبات من الحشرات آكلة النبات والأعشاب. حقوق الصورة: تقرير: جي. آي. ميللير G. A. Miller
وعلى الرغم من اعتقادنا أنه لا يمكن للنمل أن يكون حارسًا هائلًا ومهمًا، لكنه في الحقيقة يقوم بعملٍ مؤثرٍ جدًا لحماية النباتات من أعدائها. حيث حدد العلماء في جامعة تورونتو حديثًا الأسباب التي تجعل بعض الحراس أفضل من غيرها.
فبعد فحص العلاقة المتبادلة بين نبات كورديا نودوسا (Cordia nodosa) في غابات الأمازون الماطرة في البيرو مع نوعٍ من النمل الأمازوني يدعى (Allomerus Octoarticulates)، اكتشف العلماء مدى جاهزية نوعَين من الجينات في التأثير على النبات المضيف وتقديم الحماية له وبشكلٍ ملحوظ.
وهذه العلاقة بين النبات والنمل ليست إلا مثالًا لظاهرةٍ طبيعيةٍ تُعرف بالتقايض mutualism، والتي يتفاعل فيها كما يبدو نوعان متباينان بطريقةٍ متبادلةٍ ومفيدةٍ لكليهما. وهناك مثالان شائعان على هذا التقايض وهما التلقيح ونثر البذور، فبكليهما يلتزم النبات الجاذب للحيوانات بإنجاز خدمةٍ مهمةٍ لها وذلك بتقديم الغذاء كمكافأة. وعلى كل حال، فإن مظاهر التقايض متنوعةٌ جدًا وواسعة النطاق بين الحيوانات والأنواع.
وكما تفيد البرفيسورة ميغان فريدريكسون Megan Frederickson، وهي بروفيسورة مشاركة بقسم علم البيئة وعلم الأحياء التطوّري في جامعة تورونتو Toronto، ومؤلفة مخضرمة لدراسةٍ جديدةٍ نُشرت في (إجراءات المجتمع الملكي ب Proceedings of the (Royal Society B بأن: "هناك نحو ٤٠٠ نوعٍ من النباتات الاستوائية قد طوّرت بُنىً متخصصةً سمّيت دوماتيا domatia لتقطُن بها مستعمرات النمل التي تدافع بدورها وتحمي هذه النباتات بشكلٍ أساسيٍّ من الحشرات آكلة الأعشاب. والسبب وراء تغطية الأشجار الاستوائية بالنمل وبشكلٍ كاملٍ، هو وجود الكثير الكثير من النمل الشجري في الغابات الماطرة الاستوائية".
وتقترح فريدريكسون أنه المرجّح أن هذه البُنى المسمّاة دوماتيا التي تأوي النمل تتطور دومًا بسبب جذبها الدائم للنمل الذي يستمر بإبعاد الحشرات الضارة عنها. وفي تقرير ميللير تقول: "يُهاجم النبات الذي قمنا بدراسته من حشراتٍ عديدةٍ كالجنادب، والخنافس، واليرقات، والتي على الرغم من صغر حجمها لكنها تسبب ضررًا كبيرًا للأشجار. وحيث أن النمل يأكل الكثير من هذه الحشرات والمفصليات، فإن كثافتها تنخفض على الأشجار".
هذا وقد ألغى الباحثون مورّثين اثنين لهذا النوع من النمل وضبطوا ونظّموا السلوك الغذائي (العلفي)، لأنهم يدركون الفائدة التي تعود على النبات الشريك من جرّاء إطعام الحيوانات وتعليفها. وأثناء العمل في حقلٍ بالأمازون البيروڤي (نسبة إلى البيرو) أطعم الباحثون بعض المستعمرات مادةً كيميائيةً أدت إلى زيادة النشاط في إنتاج الجينات، ولاحظوا حينها التغيّر في سلوكها وتصرّفاتها. عندئذٍ جمعوا هذا النمل وأعادوه إلى تورونتو لغرض التحليل الجزيئي الدقيق.
وتقول البروفيسورة: "وجدنا أنه حين نشّطنا المُنتج لهذين الجينين من النمل، قمنا بتجنيد عاملات نملٍ بشكلٍ أكثر للقيام بمهاجمة آكلات الأعشاب، مما أدى لإلحاق ضررٍ أقل بالأشجار. إن التعابير الجينيّة في النملات العاملات هو أمرٌ مرتبطٌ باكتشاف مستعمرة النمل للجندب آكل العشب وبكميّة الضرر الناجم عنه أو الذي يكبّدهُ على الأوراق أيضًا".
وأخيرًا توحي النتائج بأساسٍ جزيئيٍّ للنمل الحامي للنبات في هذه العملية التقايضية. فسابقًا، كانوا يعرفون القليل عن آليات عمل الجينات أو الجزيئيات التي تجعل بعض النملات حارساتٍ بشكلٍ أفضل من غيرها. أما الآن فتقترح فريدريكسون وزملاؤها أن هذا البحث الجديد سيساعدنا يومًا ما على فهم ما الذي يجعل بعض الحيوانات ملقِّحةً للنبات أو باذرةً للحبوب أيضًا، رغم أنهم ينبهون من أن هذه الحيوانات المُعدّلة وراثيًا لخدمة النظام البيئي قد يكون لها عواقبَ ونتائجَ غير مقصودةٍ.
أُرّخت ووُثّقت هذه النتائج في ورقة "العلاقة المتبادلة بين النبات والنمل من خلال العدسة cGMP- المعتمدة على جينات كيناز" "An ant-plant mutualism through the lens of cGMP-dependent kinase genes"، موضوع إجراءات المجتمع الملكي بـ Proceedings of the Royal Society B في ١٣ أيلول/سبتمبر.
دُعم البحث بتمويل من مجلس العلوم الطبيعية Natural Sciences، ولجنة البحث الهندسي (الهندسة الوراثية) في كندا (Engineering Research Council of Canada (NSERC، والكُليّة الكندية للبحوث المتطورة (Canadian Institute for Advanced Research (CIFAR.